مواضيع اليوم

مزالق التعريف بحقيقة الإسلام في الغرب

التجاني بولعوالي

2010-07-11 19:43:40

0

مزالق التعريف بحقيقة الإسلام في الغرب
بقلم/التجاني بولعوالي
باحث مغربي مقيم بهولندا


تسعى هذه الورقة إلى قراءة كتاب (أبي، ما معنى أن تكون مسلما؟)، للروائي المغربي الطاهر بن جلون، وهو كتاب يوضح للأجيال الناشئة حقيقة الإسلام ومختلف جوانب الحضارة العربية الإسلامية، مما يساهم في تقديم صورة ما حول الدين الإسلامي، لذلك سوف نحاول رصد الكيفية التي تقدم بها هذه الصورة، واستخراج الجوانب الإيجابية لمثل هذا العمل، دون التغاضي عن بعض المغالطات التي انزلق الكاتب في مطباتها، وهي مغالطات من شأنها أن تشوش، من جهة أولى، عقيدة النشء المسلم، وأن تقدم، من جهة ثانية، للآخر صورة منقوصة حول الإسلام.
توطئة
تندرج قراءتي لذلك الكتاب الذي حاول من خلاله الكاتب المغربي الطاهر بن جلون شرح حقيقة الإسلام لأطفاله؛ أو بالأحرى لجميع الأطفال الذين ولدوا مسلمين، في سياق اهتمامي بما يكتب وينشر حول علاقة الإسلام بالغرب، سواء من قبل مثقفين ومفكرين غربيين، أم من لدن كتاب ومثقفين عرب، بل وإن هذه القراءة تشكل حلقة أساسية من ذلك العقد، الذي أحاول نظم فصوصه حول الصورة التي يقدم بها هؤلاء الإسلام، إما للإنسان الغربي العادي، أو للأجيال المسلمة الناشئة والقادمة. وهي صورة تختلف من مثقف إلى آخر، يمكن تحديدها من خلال ثلاث صور متباينة، وهي كالآتي:
1. صورة موضوعية، تحاول تناول الإسلام بنوع من الحياد والعلمية والأفكار غير المسبقة، كما نصادف في العديد من الدراسات الأكاديمية والمقالات العلمية، لمفكرين غربيين مثل: كارل أمسترونغ، إنجمار كارلسون، كونينس فيلد... وغيرهم.
2. صورة أيديولوجية، تسعى دوما إلى تشويه حقيقة الإسلام، وربطه بالإرهاب واضطهاد المرأة والقصاص وعداء الغرب، كما تتداول كتابات ثلة من الكتاب السطحيين، والإعلاميين الفاشلين، أمثال: أيان هرشي علي، وإحسان جامي، وإفشين أريان، وغيرهم.
3. صورة توفيقية أو بين المنزلتين، فهي تدعي اعتماد الموضوعية العلمية، غير أنها سرعان ما تنزلق في بعض المغالطات التاريخية والمعرفية، كما نجد عند نيلسون أرنولد، وماوريتس بيرخر، وهشام جعيط، ومحمد أركون، ولويس برنارد، والطاهر بن جلون، وغيرهم كثير.
يقول الأستاذ الطاهر بن جلون حول كتابه الذي نحن بصدد قراءته في هذا المبحث: "أحكي هنا الإسلام والحضارة العربية لأطفالي الذين ولدوا مسلمين، لكل الأطفال كيفما كانت أوطانهم، أصولهم، دياناتهم، لغاتهم وآمالهم، هذه ليست موعظة، ولا مرافعة، ولا أسعى إلى أن أقنع أحدا، أحكي بموضوعية تامة وببساطة تامة تاريخ شخص أصبح رسولا، وكذلك تاريخ ديانة وحضارة حملها إلى الإنسانية". ص 14
وقد اعتمدت الكتاب في نسخته المترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة الهولندية، من طرف المترجم )زسوزسو بينينكس(Zsuzso Pennings لصالح دار النشر (د خووس De Geus)، التي قامت بترجمة أعمال أخرى للكاتب، كروايات: ليلة القدر، الكاتب، صلاة الغائب، تلك العتمة الباهرة، وغيرها. وقد اختار المترجم لهذا الكتاب عنوان: أبي، ماذا يعني المسلم؟، في حين أن عنوان النسخة الفرنسية الأصلية كان: شرح الإسلام للأطفال. ويحتوي الكتاب على حوالي 90 صفحة من الحجم الصغير، يحكيه الكاتب لأطفاله في صيغة محادثة اعتمدت أسلوب (سين جيم) الحواري، وهي موزعة على تسعة أيام/فصول، تناول أثناء كل يوم أو فصل جملة من القضايا والمفاهيم، جاءت على الشكل الآتي:
• اليوم الأول: حديث عام حول الإسلام والإرهاب والتعصب.
• اليوم الثاني: حول العرب، سكان الجزيرة العربية، وبدايات نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم.
• اليوم الثالث: حول نشأة الدين الإسلامي وأركانه الخمسة.
• اليوم الرابع: حول نشأة الصراع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا سيما بعد مقتل الخليفة الثالث، إذ سوف تبدأ إرهاصات ظهور المذهب الشيعي في مقابل أهل السنة.
• اليوم الخامس: حول العصر الذهبي للإسلام، ودور العلماء المسلمين إبان العصر العباسي في النهضة العلمية والحضارية.
• اليوم السادس: حول الإسلام في الأندلس، وإسهام المسلمين في مختلف العلوم والمعارف، كالفلك والطب والبصريات والتصوف والآداب، وغير ذلك.
• اليوم السابع: بداية عصر الانحطاط والحروب الصليبية وسقوط الأندلس.
• اليوم الثامن: حول العلمانية والحجاب والنقاب والاستعمار الغربي للعالم العربي.
• اليوم التاسع: حول توظيف الإسلام من قبل الأصوليين لأغراض أيديولوجية، وحول مختلف المفاهيم، كالشريعة والفتوى والجهاد والتسامح، وغير ذلك.

قيمة الكتاب التربوية
ومع أن الكاتب يشير إلى أن الكتاب لا علاقة له بالوعظ أو الترافع لصالح الدين، إلا أنه ينطوي على قيمة بارزة، تأخذ من الوعظ بطرف، كما تأخذ من الترافع بطرف، ولو أنه يحاول نفي علاقة كلا العنصرين بالمقصد من تحبير هذا العمل، وهذه القيمة ذات طابع تربوي تعليمي، فالكاتب إذ يبين لأطفاله أو لأي طفل كيفما كان وأينما كان، حقيقة الإسلام؛ عقيدة وثقافة وتاريخا وواقعا، فهو يسهم بذلك، عن وعي منه أو عن لا وعي، في تعليمهم ماهية هذا الدين، الذي أقام الدنيا في الغرب ولم يقعدها!
بغض النظر عن بعض المغالطات الفقهية والمعرفية والتاريخية التي وقع فيها صاحب الكتاب (كما سوف نرى لاحقا)، فإن قارئ هذا العمل سوف يتريث لا محالة عند جملة من الإشراقات التي ترسم للأنا المسلمة وللآخر غير المسلم سواء بسواء، صورة تقريبية حول حقيقة الإسلام، وهي في الحقيقة جوانب إيجابية يمكن إثباتها لصالح هذا الكتاب، وتتحدد أهمها من خلال العناصر الآتية:
• زرع الوعي بقيمة الإسلام لدى النشء: إن أهم هاجس يسكن الأستاذ الطاهر بن جلون أثناء صياغته لهذه المحادثة الحقيقية أو الصورية مع أطفاله، هو التنبيه المستمر على القيمة القصوى للدين الذي فطروا عليه، والثقافة التي يحملونها، واللغة التي يرطنون بها، لا سيما في السياق الغربي المقطوع عن تربتهم الأصلية، وهو سياق يحتم دوما على المهاجر والأجنبي مراعاة الآخر، وأخذ لغته وثقافته وعاداته وتقاليده بعين الاعتبار، وإلا فإنه سوف يحكم على نفسه، إما بالعزلة، أو بالاصطدام، أو بالذوبان، أو بما شاكل ذلك. ولئن كان الكاتب لا يفصح عن هذه الأمور بشكل صريح ومباشر، غير أن القراءة العامة لأفكار هذا الكتاب وفصوله، توحي بأنه اختار لغة الحكي السلسة المنسابة، ليزرع في أفئدة أطفاله وأطفال العالم بذور الوعي بهذا الدين القيم، الذي عادة ما تقدمه وسائل الإعلام الغربية باعتباره خطرا أخضر، يتهدد سكينة الغرب وطمأنينتها، وهذا ما تردد على لسان الطفل وهو يتحاور مع أبيه: "لكن نشاهد في التلفاز أن المسلمين سيؤون، لأنهم يقومون بقتل الكثير من الناس، لذلك أريد أن لا أكون مسلما".ص 7، وسوف يتدارك الأب الموقف ليبين أن الأعمال السيئة توجد في أي مكان، وأن من يقوم بذلك ليس مسلما حقيقيا. ص 8
• التعريف بمختلف قضايا الإسلام الفقهية والمعرفية والتاريخية: ثم إنه قصد ترسيخ ذلك الوعي بأهمية قيمة الإسلام والثقافة التي أنتجها، يسعى الكاتب حثيثا إلى التعريف بالعديد من القضايا الفقهية والمعرفية والتاريخية لهذا الدين، فهو يعقد أكثر من يوم أو فصل لهذا الشأن، فيخصص اليومين الخامس والسادس كلهما، لإماطة اللثام عن العصر الذهبي للمسلمين، الذي ارتكزت على دعائمه المدنية الغربية الحديثة، فاقتبست من الحضارة الإسلامية مختلف المعارف والعلوم والتقنيات التي سوف توظفها في نهضتها العلمية، التي كانت إرهاصاتها في القرن الرابع عشر الميلادي. وقد توقف الكاتب عند العديد من المحطات التاريخية والعلمية التي تثبت أن المسلمين كانوا حقا روادا في العلم والمعرفة والفن، وغير ذلك، فلم يقتصروا على نقل العلوم الفلسفية اليونانية وترجمتها، وإنما تجاوزوا ذلك إلى ما هو أعظم، كصياغة العلوم الجديدة، والقيام بمختلف الاختراعات، وتشييد المعاهد والمستشفيات والمكتبات، وهلم جرا. لذلك فإن أهم إشراقة من شأنها أن تؤثر بعمق في نفوس النشء والأطفال، هي التي يضمنها الكاتب اليوم/الفصل السادس، إذ يوضح أن كل اختراع أدبي أو علمي أو فكري توصل إليه الغرب في العصر الحديث، إلا ويوجد أصله في الحضارة الإسلامية، بمعنى أنه تم اقتباسه من التراث الإسلامي، فألبست قشيبا أوروبيا؛ فقصص الحيوانات (فابلس) للشاعر الفرنسي لا فونتين، إنما هي مجرد اقتباس لقصص كليلة ودمنة، التي بدورها أخذها العرب عن الحضارة الهندية، ص 54 وقصة روبينسون كروسو، إنما هي إعادة كتابة لقصة حي بن يقظان، ص 54 ورحلة ماركو بولو، قد سبقتها بقرون رحلة بن بطوطة، والإسطرلاب الذي يزعم أن الإيطالي فلافيو جيوجا هو الذي اخترعه، إنما هو اختراع إسلامي محض! ص 55 وغير ذلك من الإسهامات العلمية الإسلامية التي يحاول الكاتب من حين إلى آخر سردها أثناء حديثه هذا مع أطفاله.
• الانفتاح على الآخر/الغرب، والدعوة إلى التعايش: إن الكاتب وهو يعرف لأطفاله ماهية الدين الذي يؤمنون به، وحقيقة الثقافة التي ينحدرون منها، لا يقوم بذلك في قطيعة مع السياق الغربي الذي ينتظمون فيه، وإنما يستحضر دوما أن هذا الحديث صيغ خصيصا لذلك الطفل المسلم الذي يعيش في الغرب، بل وأنه قد يسري أيضا على ذلك الإنسان الغربي العادي، الذي لا يعرف شيئا عن الدين والثقافة الإسلاميين، فمن شأن هذا الكتاب أن يقدم له صورة أولية تختصر أهم قضايا الإسلام الفقهية والتاريخية والعلمية. يقول الكاتب في ص 74 و75: "لا يمكن الحديث أصلا عن حرب بين الدينين الإسلامي والمسيحي، المسلمون هنا محظوظون بأن يعيشوا في بلد ديمقراطي، يضمن حرية التدين. غير أنه لا ينبغي أن ننسى أن هولندا وبلجيكا دولتين علمانيتين، وهذا يعني أنهما لا تتبنيان أي دين. فكل الديانات لها الحق في الوجود، لكن دون أن تهيمن الواحدة على الأخرى، في الأخير أقتبس آية قرآنية تثمن اندماج الأعراق: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). (19/13)".
• تبرئة الإسلام مما يلصق به من اتهامات: كما أن الكاتب يسعى منذ البداية إلى ترسيخ حقيقة أساسية في أذهان الأطفال ونفوسهم، ومؤدى تلك الحقيقة؛ أن ذمة الإسلام بريئة مما يلصق به من تهم وشائعات، وما يقال أو يفعل باسم الإسلام، مرده إلى عاملين؛ أولهما التوظيف الأيديولوجي لما هو إسلامي، من أجل تحقيق جملة من الأغراض السياسية أو الذاتية، التي لا تخدم الإسلام والمسلمين في شيء. وثانيهما جهل البعض بحقيقة الإسلام، وهذا ما ينطبق على الذين ينفذون بعض التفجيرات، كما حدث في 11 سبتمبر 2001، يقول الكاتب: "الأشخاص الذين ركبوا في الطائرة، وقاموا بذبح الربابنة، وتوجيه الطائرات نحو الأبراج في مدينة نيويورك، يجهلون الإسلام، إنهم متشددون". ص 8 ويقول كذلك، في جوابه عن سؤال ابنه، حول الطريقة التي نواجه بها التشدد، "ينبغي محاربة الجهل، لأنه يسبب التشدد والتعصب، ليس ثمة أخطر من شخص لا يعرف شيئا، إلا أنه يعتقد أنه يعرف كل شيء" ص 86.
• توظيف لغة أدبية سردية رفيعة تعين القارئ على الفهم الجيد: قصد توصيل هذا الخطاب التعريفي بحقيقة الإسلام، لم يخرج الكاتب الطاهر بن جلون على أسلوبه الأدبي السردي المعهود في كتاباته الروائية التي طبقت الآفاق، بقدر ما استثمر تلك الإمكانيات والخبرات في تقريب ماهية الإسلام إلى النشء، فجاءت لغته سلسة منسابة خالية من التعقيدات في التركيب، والحشو الأكاديمي، كما اختار قالب الكتابة الروائية لعمله، فاعتمد التقسيم إلى وقفات أو فصول، كأنه يكتب يوميات، ثم إنه حاول الحفاظ على تسلسل الحكي وكرونولوجيته، فعوض أن يؤلف كتابة علمية توثيقية عن الإسلام، قدم لنا قصة الإسلام منذ فجره إلى يوم الناس هذا.
الوجه السلبي للكتاب
ولئن كانت إيجابيات هذا الكتاب، كما سبق أن رأينا، متعددة، فإنه لا يخلو من الكثير من السلبيات، التي يؤاخذ عليها الكاتب، لأنها تنطوي على مغالطات ومزالق في فهم بعض قضايا الدين الإسلامي وجوانبه، مما يقدم صورة مخلة ومنقوصة، ولعل ذلك نابع من نوع التصور الذي يحمله الأستاذ الطاهر بن جلون، وهو تصور لا يختلف كثيرا عما هو سائد لدى بعض المفكرين العرب الحداثيين، كمحمد أركون وحسن حنفي وهشام جعيط وناصر حامد أبو زيد وغيرهم، الذين مالوا إلى كفة العقل والرأي على حساب كفة النقل والوحي، فشككوا في الكثير من النصوص القرآنية والحديثية، إما بردها، ما دام أنها، حسب ظنهم، لا تلائم السياق الجديد، وإما بإخضاعها لسلطة العقل والتأويل، ونحو ذلك من القراءات الجديدة والتأويلية للإسلام والقرآن والسنة.
ويبدو أن أهم تلك المغالطات والمزالق التي وقع الكاتب في حبائلها، تتوزع على ثلاثة مستويات؛ ما هو فقهي يتعلق ببعض الواجبات الدينية والتعبدية، كالصلاة والقصاص والحجاب وغيرها، وما هو معرفي يرتبط ببعض الحقائق البديهية التي سبق وأن حسمها القرآن الكريم، كقضية صلب المسيح، وصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وموقع الإسلام من الديانات السماوية الأخرى، وما هو تاريخي، كالقضية الفلسطينية، وجذور العداء الغربي، وقضية الإرهاب، ولغة أهل المغرب وحقوق المرأة في تونس.
أولا: مزالق ذات طابع فقهي
ويتعلق أغلبها ببعض الواجبات الدينية والتعبدية، كالصلاة والقصاص والحجاب.
• أداء الصلاة: يعتبر الكاتب أداء ركن الصلاة وغيرها من الواجبات المفروضة شأنا شخصيا، فالإنسان حر في القيام بها، ففي جوابه عن سؤال ابنه، ما إذا كان الآن يصلي أم لا؟، تهرب من الإجابة المحددة والمباشرة عن هذا السؤال الواضح، فقال: "لا ينبغي أن تطرح مثل هذه الأسئلة، ولا يتحتم على أحد أن يجيب عن مثل هذا النوع من الأسئلة، فهذا يتعلق بمسؤوليتي الشخصية". ص 12 و13 ثم سوف يزيد الطين بلة، عندما يعمد في الصفحة 29 إلى شرح ركن الإسلام الثاني، الذي هو الصلاة، فيقول بخصوص وقت أدائها، بأنه ليس إجباريا، إذا كان المرء يعمل أو لا يملك الوقت الكافي للقيام بها، فيسمح له أن يؤجلها إلى آخر اليوم! لا أعرف من أين أتى الكاتب بهذه التفسيرات، ألا يدرك بأنه يتحدث عن ركن أساس في الإسلام، قد حسمه القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، واجتهادات الفقهاء والعلماء، من قال بأن الصلاة شأن شخصي، والإنسان حر في أدائها، ألم يقرأ الكاتب حكم تارك الصلاة، الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة"، وقوله كذلك: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"، ألم يقرأ الكاتب قول ربنا العلي العظيم حول وقت الصلاة: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، فلماذا يتمادى في تشويه هذه الحقائق الثابتة في الفقه الإسلامي بنصوص قطعية لا غبار عليها، لا سيما وأن الموقف حرج يقترن بتبليغ النشء والأطفال وتعليمهم حقيقة هذا الدين، بل وإن الموقف أحرج من ذلك، لأنه يحدث في مجال تداولي حساس هو المجال الغربي، ألم يكن مفروضا على الكاتب في تناوله لركن الصلاة، أن يتجرد من الجانب الذاتي، فلا يربطها بطبيعة تعامله وفهمه الشخصي لها، وإنما بما يقره وينصه الدين بخصوصها، فيجنب بذلك نفسه وفكره شر هذه المغالطة؟!
• حد السرقة: يتكرر الأسلوب نفسه أثناء حديث الكاتب عن حد السرقة، الذي يقره القرآن الكريم، كما ورد في قول الله سبحانه وتعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، المائدة/38، وقد بين الفقه الإسلامي متى يطبق هذا الحد، وعلى من، ومقابل ماهية القيمة المسروقة، إلا أن الكاتب يغض النظر عن ذلك، ليعمل رأيه الخاص، الذي يرضي السياق الغربي، ففي معرض حديثه عن حركة طالبان الأفغانية، يقول، بأنهم مارسوا العديد من الأعمال الهمجية، كقطع يد السارقين. ص 83 وعوض ما يبين لأطفاله حقيقة هذا الحكم في الإسلام، فإنه يترك الأمور معلقة، مما يوحي لأي قارئ لهذه الفقرة أن حد السرقة جائر، في حين أن ما هو جائر هو الكيفية التي ينفذ بها هذا الحد. قد تكون الطريقة التي طبق بها طالبان حد السرقة ظالمة وهمجية، ربما لأنهم لم يراعوا ظروف وقوع فعل السرقة، لكن من الناحية الفقهية، يعتبر فعل السرقة ممنوعا، وعقوبته مع توافر الأدلة الثبوتية، كما ينص القرآن الكريم هو قطع يد السارق. لا أدري، لماذا لم يجرأ الكاتب على قول ذلك في كتابه، ألأنه يستخف من هذا الحكم القرآني القطعي، أم لأنه يخشى من انتقادات الغرب الذي عهد فيه روائيا ليبراليا متحررا من التقاليد والعقائد؟
• قضية الحجاب: ينقل الكاتب ما ورد في الآية 31 من سورة النور بخصوص ارتداء الحجاب: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وأوضح أن مراد هذه الآية هو أنه بواسطة هذا الخمار/النقاب يتم التمييز بين نساء المؤمنين، وبين غيرهن من النساء غير المسلمات. لكنه في موضع آخر يناقض هذا الحكم الذي اقتبسه هو نفسه من القرآن الكريم، فيقول: "لا يوجد في القرآن إلا ما يلي: المرأة التي تصلي، والتي تتوجه إلى الله، يجب عليها أن تضع الحجاب على رأسها، وترتدي على جسدها لباسا غير ضيقة". ص 68 ثم يضيف بأن هذا الأمر موجود كذلك في اليهودية والمسيحية، فالمرأة التي ترتدي ثيابا شبه عارية، أو تكشف شعرها، لا يسمح لها بالدخول في الكنيسة أو المعبد. فالكاتب بهذا يسرح في متاهات لا طائل من ورائها، فحكم الحجاب منصوص عليه بنص قرآني قاطع، لا يتقبل أي تأويل أو مراوغة، أما أن يُربط ارتداؤه بالصلاة فحسب، فهذا شأن يحيل على الإسلام الشعبي؛ إسلام العامة، الذين أوجدوا الكثير من العادات التي لا تمت بصلة إلى الدين، وغالبا ما ينظر إليها من قبل الفقه الإسلامي على أنها بدع دخيلة على الإسلام. يقينا أنه أثناء الصلاة يتحتم على المرأة أن تلبس لباسا شرعيا، أجمع الفقهاء على ألا يظهر من جسمها إلا الكفين والوجه، وأن يكون فضفاضا غير ضيق، وسميكا لا يشف، ولا يكون من لباس الرجال. غير أن ذلك لا يقتصر على الصلاة فقط، وإنما يتعداها إلى أي ظهور للمرأة في الخارج وأمام الأجانب، بل وثمة من يقول بوجوب ارتداء النقاب الذي يغطي الأطراف كلها، بما في ذلك الوجه واليدين. أما بخصوص موقف اليهودية والمسيحية من لباس المرأة التي تدخل الكنيسة، فلا قياس مع وجود الفارق، لأننا في الإسلام نتحدث عن حكم قرآني شرعي لا جدال حول حقيقته، أما عند المسيحيين واليهود، فالأمر اختياري، إذ يعني اللباس الخاص بدخول أماكن العبادة فقط أي لباس يستر بعض الجوانب المثيرة من جسد المرأة، فما أكثر المسيحيات اللواتي يؤدين صلاتهن بمرافق وسيقان عارية!
ثانيا: مزالق ذات طابع معرفي
ويتحدد أهمها في الكتاب من خلال قضية صلب المسيح، وصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وموقع الإسلام من الديانات السماوية الأخرى.
• قضية صلب المسيح: قبل أن أرد على هذه المغالطة التي وقع فيها الكاتب، أود أن أوضح كيف يتناول النصارى قضية صلب المسيح، ثم موقف الإسلام من ذلك. فأغلب تيارات الدين المسيحي ترى أن المسيح صلب في آخر حياته على الأرض، وهو في سن الثالثة والثلاثين، إذ أن مجيئه إلى الأرض كان أساسا بهدف فداء الإنسانية من الخطيئة التي وقعت في براثنها، خصوصا وأنها انحرفت عن القوانين التي وضعها الله، وأمر باحترامها، ولا يتم التكفير عن هذه الخطيئة إلا بالدم، حتى تستمر الإنسانية في الحياة، هكذا فقد جاء المسيح إلى العالم ليفتدي بدمه تكفيرا عن خطيئة البشر، وقد صلب، كما يزعمون، في يوم الجمعة، الذي صار المسيحيون يحيونه كل سنة، وهو يسبق عيد الفصح، ويسمى الجمعة الحزينة. أما الإسلام فيفند هذا الاعتقاد وينقضه، ورد في القرآن الكريم، أن المسيح عليه السلام لم يصلب، يقول الله تعالى: "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا". النساء/157 غير أنه للأسف، نرى الأستاذ الطاهر بن جلون يتحدث عن مسألة الصلب بطريقة توحي بأنه يثبتها أو يسلم بها، فلا يُذكر أطفاله بموقف الإسلام الداحض لها، لا سيما وأنه بصدد التعريف بالإسلام وما أشكل من حقائقه وقضاياه، خصوصا التي تثير حفيظة الغرب المسيحي، وتبدو كيفية تناول الإسلام للمسيح عليه السلام، من أهم تلك القضايا، يقول الكاتب في تعريفه للحروب الصليبية أنها اشتقت من "كلمة الصليب، فالصليب هو رمز المسيحيين، المسيح تم صلبه. والحملة الصليبية تعني الحرب باسم المسيحية ضد أولئك الذين يتصدون لهذا الدين ويمنعون انتشاره". ص 60 هكذا يثبت الكاتب أن المسيح عليه السلام صلب، ولا يذكر لأطفاله أن هذه مجرد رواية مسيحية، وأن الإسلام يرفضها، ثم أليس بديهيا أن أيما طفل عندما تحكي له قصة الصلب هذه، سوف لن يدعك تمر عليها مرار الكرام، كما فعل الكاتب، وإنما سوف يسألك، لا محالة، عن سبب ذلك الصلب، وسوف يتأثر عميقا بذلك المصير المأساوي!
• صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان: لقد تمت الإشارة آنفا إلى أن الكاتب يتبنى تصور المثقفين الحداثيين، الذين يذهبون إلى أنه ينبغي أن نخضع الكثير من ثوابت الإسلام لسياق الحياة المعاصرة، مما يعني أنه سوف يتم تجاوز بعض المسلمات الدينية، نظرا إلى أنها، حسب تفسيرات بعض المفكرين الإسلاميين الليبراليين، أصبحت غير صالحة في المجال التداولي الجديد، كما أنه سوف يتم تجديد البعض الآخر وتكييفه مع معطيات الواقع الحالي، هكذا فما يتحتم علينا هو أن نتعمق في فهم النصوص الدينية، وتجديد رؤيتنا إليها، لا تجديد تلك النصوص، التي صمدت منذ حوالي أربعة عشر قرنا، رغم التحولات المتنوعة التي اعترت أحوال المسلمين، على هذا الأساس يظل النص الديني، القرآني والحديثي على حد سواء، في تراثنا وواقعنا الإسلامي على مر الأحقاب هو الثابت، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر/9، في حين يظل الشخص المسلم على مر السنين هو المتحول، في تعامله مع مستجدات الحياة، في تعاطيه لنوازل الواقع، حقا أن الكثير من المسلمين عندما تحل بهم نازلة ما، يعزون ذلك إلى ما هو ديني، تاركين الحبل على الغارب، في حين أن الخلل يوجد في تصورنا الجامد للواقع وتعاطينا الرديء لإشكالاته، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد/11. يقول الكاتب: "في الإسلام كما في الديانات الأخرى، توجد أمور أزلية/مطلقة، وأخرى آنية، أي أنها مناسبة لحقبة زمنية معينة، وليس لكل الأزمنة. المشكلة أن البعض يقول أن كل شيء في الإسلام أزلي ومطلق، وليس ثمة شيء يقبل التغيير، والبعض الآخر يقول أنه ينبغي أن نكيف الدين مع الواقع الذي نعيش فيه". ص 85 وقد سبق للكاتب أن تريث عند هذه القضية في موضع سابق، وذلك أثناء كلامه حول بعض التيارات الإسلامية المعاصرة، يقول: "عندما تسمع إلى الإسلاميين، تدرك أنهم يدعون الناس إلى أسلوب حياة معين، سلوك وأسلوب اللباس الذي يريدون تطبيقه لا يناسب الحياة المعاصرة. وهم ينسون أن الإسلام نشأ منذ حوالي أربعة عشر قرنا. وأنه توجد في تعاليمه قيم أزلية مطلقة، لكن هناك أمور تتعلق بالزمن الذي نشأ فيه، ولا تلائم الحياة المعاصرة. يريدون (أي: الإسلاميون) العودة إلى حياة الرسول وتفسير رسالة محمد بطريقة محدودة واستعراضية وتصويرية". ص 76 و77 ثم بعد ذلك يعطي مثالا على ذلك، وهو أن الإسلاميين لا يريدون مساواة المرأة بالرجل! ولئن كان المجال لا يتسع لمناقشة رؤية الكاتب هذه بشكل مستفيض، إلا أنه يستوجب علينا أن نتوقف عند مسألتين أساسيتين؛ أولاهما أننا لا ندري ماذا يقصد الكاتب بالقيم الأزلية المطلقة، التي يقابلها بالقيم المؤقتة، فالإسلام كما هو معلوم يحظر ارتكاب بعض النواهي والمنكرات وهي قليلة جدا، في مقابل ذلك يفسح المجال للإنسان للتمتع بحياته بشكل موجه ومقنن بالأحكام الشرعية، كما هو سائد في كل المجتمعات والديانات والثقافات، فلماذا يقبل الكاتب بالقوانين الفرنسية والغربية التي تكون أحيانا مجحفة وعنصرية، ويرى في أحكام الشريعة الإسلامية قيودا ينبغي كسرها، قصد ملاءمة الإسلام مع واقع الحياة المعاصرة؟! وأخراهما أن المثال الذي يتذرع به الكاتب، وهو المتعلق بمساواة الرجل والمرأة، يبدو ساذجا وغير واقعي، أليس الإسلام، تاريخيا وواقعيا، هو الدين الأول والأوحد الذي حرر المرأة من ظلمات الديانات والثقافات الغربية والشرقية، ومنحها حقوقها ومكانتها المرموقة، من قال بأن الإسلام لا يساوي بين المرأة والرجل، لعل الكاتب ينطلق من واقع المسلمين الذي تضطهد فيه المرأة في بعض المناطق الإسلامية، وإن كان هذا هو قصده، فيلزمه أن يوضح ذلك أكثر، حتى لا تختلط الأمور على الأطفال الذين يقدم لهم حقيقة هذا الدين.
• معادلة الإسلام مع غيرها من الأديان السماوية: إن الكاتب يضع في أكثر من موضع الإسلام رفقة المسيحية واليهودية في سلة واحدة، فيفهم القاريء من خطابه، كما أن ليس هناك فروقا كبيرة بين هذه الديانات، وأنها تتعايش في سلم وتسامح، في حين أنها تشهد صراعا محتدما منذ ظهورها، ما يزال على أشده إلى يوم الناس هذا! يأمل الكاتب في البداية، أن يشكل كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين مجتمع المؤمنين الموحد، ص 21 ما دام أن أساس هذه الأديان الثلاثة واحد، وهو الوحدانية، ربما هذا صحيح على المستوى النظري، أما على الصعيد التشريعي والعملي، فثمة العديد من الاختلافات العقدية والتعبدية والمنهجية التي تفرق بين هذه الأديان في طبيعة وحدانيتها. وعندما سوف يسأله طفله هذا السؤال القوي: اليهود والمسلمون يعبدون إلها واحدا، فلماذا يتحاربون فيما بينهم؟ يجيبه الكاتب بأن هذه ليست حربا دينية، وإنما حرب حول الأرض! وهو بذلك يسقط في مغالطة كبيرة، إذ أنه منذ ظهور الإسلام، واليهود يشهرون سيف العداء العلني أو الدفين في وجهه، ثم إن الحرب الدائرة رحاها على أرض فلسطين، هي من تنفيذ الصهاينة الذين يوظفون الدين اليهودي من أجل تحقيق مآربهم السياسية والأيديولوجية، أما المتدينون اليهود الحقيقيون، فيقفون أصلا ضد قيام دولة إسرائيل، لأن ذلك ينافي ما ورد في التوراة، حتى أن الحاخام ديفد شلومو فيلدمان يذهب إلى أن "الإرهاب والوحشية في فلسطين بعيدان كل البعد عن الدين اليهودي"، ثم إن إبراهام بورغ رئيس الكنيست الأسبق ورئيس الوكالة اليهودية يقول في كتابه الذي صدر أخيرا بعنوان (لكي نهزم هتلر) أن الأيديولوجيا الصهيونية لم تحرر الشعوب اليهودية، بل كانت كارثة عليها. (يهود ضد إسرائيل، جريدة الشرق الأوسط، الجمعـة 04 شعبـان 1428 هـ 17 اغسطس 2007 العدد 10489).
ثالثا: مزالق ذات طابع تاريخي
ويظهر أهمها من خلال القضية الفلسطينية، وجذور العداء الغربي والإرهاب، وحقوق المرأة في تونس، ولغة أهل المغرب. وسوف أمر بسرعة على القضيتين الأخيرتين، لأنتقل إلى القضيتين الأوليين المتعلقتين بالقضية الفلسطينية والإرهاب، فأتناولهما معا للترابط المتين الذي يحكمهما.
• لغة أهل المغرب: يقول الكاتب في الصفحة 24: "في المغرب يتم الحديث بالعامية المغربية (الدارجة)، في مقابل العربية لغة الكتب، وتسمى العربية التقليدية أو الأدبية". وهو بذلك يطمس الحقيقة، لأن لغة أهل المغرب ليست العامية وحدها، فأكثر من نصف ساكنة المغرب يتحدثون اللغة الأمازيغية بتعابيرها الثلاثة: الريفية (تريفيت)، السوسية (تسوسيت)، والأطلسية (تشلحيت). ولا أدري لماذا يغالط الكاتب أطفاله، أجهلا منه بخارطة المغرب اللغوية (وهذا غير وارد)، أم رفضا منه للغة الأمازيغية (وهذا وارد)؟
• المرأة وحقوقها في تونس: يزعم الكاتب أن الدولة التونسية منحت الكثير من الحقوق لمواطنيها، ويثبت ذلك من خلال نيل المرأة لحقوقها، يقول: "تونس وحدها، غيرت حقوقها لصالح المرأة" ص 86، غير أنه لا يوضح أي نوع من النساء ينلن حقوقهن في تونس، أليس أولئك النساء التي يتنازلن عن جانب من هويتهن الإسلامية الأصلية، بتأثير من الغزو الفكري الغربي، أو بتأثير من القوانين الزجرية التي تطبقها الدولة التونسية، ومن منا لا يعلم شيئا عن تعامل السلطات التونسية مع النساء المحتجبات، ثم كيف يغيب عن خلد الكاتب اضطهاد الدولة التونسية المشين والمهين لكل من يناضل ضد قمع الدولة واستبدادها، سواء أكان من الجناح الليبرالي، أم من الجناح الإسلامي، سواء بسواء.
• بين القضية الفلسطينية وعداء الغرب وإرهابه: لم يتوقف الكاتب عند القضية الفلسطينية، ليبين لأطفاله حقيقة الصراع العربي الإسلامي ضد الصهاينة، فقد أشار فقط إشارة خاطفة (في أقل من سطر!)، فحواها أن الصراع بين المسلمين واليهود ليس دينيا وإنما حول الأرض. ثم إنه أثناء حديثه عن عداء الإسلاميين للغرب، الذي يتجلى من خلال ما يطلق عليه جورا (الإرهاب الإسلامي)، يكتفي بتصوير تلك العمليات التفجيرية، ووصف مشاعر الناس إزاءها، ومن ثم استنكارها والتنديد بكل من يقوم بها، حقا أن الجميع يقف ضد أي عمل إجرامي يستهدف الأبرياء والمدنيين، لكن فيما يتعلق بهجمات بعض الإسلاميين على المصالح الغربية، يجب أن نستوعب الأسباب التي تقف وراءها، ولا نكتفي بوصفها وشجبها، فهي لا تحدث هكذا صدفة أو عبثا، وما دام أن الكتاب ألف أصلا باعتباره رد فعل على هجمات 11 سبتمبر 2001، وما ترتب عليها من نقاشات هنا وهناك، ركزت في أغلبها على الانتماء العربي والإسلامي لمنفذي تلك العمليات، فكان لزاما على كاتبه أن يبين بموضوعية ولو نسبية، أهم الدواعي التي حملت أولئك الشباب على القيام بتلك التفجيرات. فنحن الآن ليس في سياق مناقشة ما إذا كانت تلك الهجمات مقبولة إسلاميا أم غير مقبولة، فالإسلام قد أجاب عن هذا السؤال قبل حوالي أكثر من أربعة عشر قرنا، وإنما نحن في سياق دراسة هذه النازلة وفهم أسبابها الخفية، وقد أصاب المثقف الهولندي روبيرت فان دو فايير عين الصواب، عندما قال في كتابه (الإسلام والغرب) بأن الغريب أن هذه الهجمات نفذها أناس يتمتعون بمستويات ثقافية عالية، ومعرفة كبيرة بالحضارة الغربية، إذ منهم من درس في جامعات غربية. (الإسلام والغرب، روبيرت فان دو فايير). إن الكاتب الطاهر بن جلون يتناول مسألة (الإرهاب) وعداء الإسلاميين للغرب مقطوعة عن السياق العالمي العام، وما يحبل به من صراعات وحروب وانتهاكات، فهو يفسر الإرهاب بأنه وليد التشدد والتعصب، وأن الإسلامي يعتبر نفسه دائما القوي، وأنه على حق، وإذا لم توافقه يصير شريرا! ص 8، ثم يومئ بعد ذلك إلى أن أمريكا ارتكبت بعض الأخطاء كضرب العراق مثلا، الذي نجم عنه قتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، غير أنه لا يربط جذور عداء الإسلاميين للغرب بهذا الاستكبار الأمريكي، وإنما يضيف بأن أولئك الذين قاموا بتلك العمليات حمقى، وأنهم "عندما كانوا صغارا تعلموا في المدارس القرآنية أن الله يدعوهم إلى قتل أعداء الإسلام كلهم، وسوف يجازيهم بالجنة". ص 9 لا أدري كيف يسمح الكاتب لنفسه بسرد هذه الخرافات والأراجيف دون حياء منه، متى كانت الكتاتيب القرآنية تلقن ذلك لأطفال المسلمين، أليس هذا افتراء وتزييف ومحض كذب! ألا يدرك الكاتب أنه ليس بصدد كتابة رواية، وإنما بصدد تعليم الأطفال ماهية الإسلام وحقيقته، فشتان ما بين الحكي المبني على الخيال والتخمين والإثارة، وما بين التعليم المبني على الحقيقة والتعليل والتبليغ. إن اغتصاب العدو الصهيوني لأرض فلسطين بمباركة الغرب المسيحي والرأسمالي، يعتبر المحدد الأساس لعلاقة الإسلام بالغرب، بالإضافة إلى محددات أخرى تأتي في الدرجة الموالية، ويبدو أن هواجس؛ العداء المتبادل، الإرهاب المتبادل، الصراع المتبادل، الخوف المتبادل... الطاغية على شق عظيم من الخطابين الإعلامي والسياسي، ما هي بالدرجة الأولى إلا وليدة الصراع الميداني الذي تشهده فلسطين، موطن قبلة المسلمين الأولى، ومسرى نبيهم الكريم، والدليل على ذلك أن أغلب محطات التصادم المادي والفكري بين الغرب والإسلام، إلا ويحضر فيها الشأن الفلسطيني بقوة. هكذا فإن عداء الإسلاميين للغرب هي نتيجة منطقية لعداء الغرب للإسلام، الذي تمت ترجمته على أرض الواقع من خلال شتى الانتهاكات كالحروب الصليبية، واضطهاد المسلمين بالأندلس واستعمار العالم الإسلامي وتفتيته، واغتصاب أرض فلسطين، وغيره كثير، لذلك فلا يتم الفهم السليم لإشكالية معاداة بعض الإسلاميين للغرب إلا في علاقتها مع الغطرسة الأمريكية الصهيونية، التي ترجمت، بشكل أو بآخر، في غير ما بقعة من خارطة العالم الإسلامي، غير أنها تنفذ بشكل علني مدعوم بالقانون والإعلام والسياسة، منذ أكثر من نصف قرن على أرض فلسطين، التي هي بمثابة جرح سحيق ليس في قلب جغرافية الأمة الإسلامية، وإنما في قلب كل مسلم!
خلاصة القول...
عود على بدء، هل وفّى الكاتب بما وعد به القاريء في بداية الكتاب، إذ تجشم مهمة أن يحكي قصة الإسلام والحضارة العربية لأطفاله ولأطفال العالم، بموضوعية تامة وببساطة تامة، ص 14 لعل عنصر البساطة يحضر بشكل كثيف في مختلف فصول وفقرات هذا العمل، غير أن عنصر الموضوعية يحضر كذلك، لكن بشكل نسبي، سرعان ما تهيمن عليه التأويلات الذاتية، والأحكام المسبقة المتسرعة. وعلى هذا الأساس فالكتاب، كما سبق وأن رأينا، يقدم من جهة أولى، صورة تقريبية حول دور الإسلام التاريخي، إذ أنه أسهم بفعالية في الحضارة الإنسانية، التي أمدها بمختلف العلوم والمعارف والاختراعات والمفاهيم... ومن شأن هذا أن ينبه الطفل المسلم الناشئ في الغرب، ويجلي للإنسان الغربي أهمية هذا الدين وثقافته العريقة، ومن ثم أهمية هؤلاء المهاجرين المسلمين، الذين كان لأجدادهم الأول الفضل العظيم في نهضة أوروبا العصور الوسطى المظلمة. غير أن الكتاب من جهة ثانية لم يسلم من الوقوع في جملة من المغالطات والمزالق الفقهية والمعرفية والتاريخية، التي قد تنقل صورة مغلوطة ومنقوصة حول الإسلام، سواء إلى الأجيال المسلمة الناشئة والقادمة، أم إلى الإنسان الغربي الذي يجهل حقيقة هذا الدين.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات