مواضيع اليوم

مزارع الحكام واستراتيجيات الذبح والسلخ د

د. رمضان رمضان

2012-08-19 20:10:30

0

 

مزارع الحكام واستراتيجيات الذبح والسلخ

 

أسد علي وفي الحروب نعامة          ربداء تجفل من صفير الصافر

يبدو لي أن الشعر يمثل أقصر طريق للتعبير عن المفارقات العجيبة في تشكيل الواقع السياسي لمنظومة القيم التي تحكمنا –هنا- في المشرق تحت مسميات عديدة يجمعها مفهوم واحد" النظام العربي ".

وتتجلى أولى ملامح هذه المنظومة حين  تفاجئك وسائل الإعلام بخبر مريع عن تحرك دبابات، وقصف طائرات لآلاف العزل من الأبرياء في بلد عربي ما، لا لسبب إلا لأنهم قالوا: نريد إصلاحا في بلدنا، وحرية تليق بنا ؛ نريد أن نلحق بركب الحضارة، ونعيش كرماء كما أراد لنا ربنا؛ هنا فقط تتجلى لك حقيقة العلاقة الجدلية بين الحاكم والمحكوم- وفق المنطق الفرعوني القديم- "يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"[غافر:29] وعلة السحق والذبح قديمة متأصلة في هؤلاء :"وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ"" [البروج:8].

تفتح صفحة الواقع السياسي عبر وسائل الإعلام المتعددة لترى بآم عينك واقعا مطردا تتشابه فيه التفاصيل " ذبح في سوريا... ذبح في العراق... ذبح في اليمن... ذبح في ليبيا"وعلى الجبهات الخارجية" خنوع وذل واستكانة في  كل ركن من أركان عالمنا العربي"، وبسرعة فطرية لا تحتاج إلى إعمال فكر يُستحضَر بيت الشعر السابق، ويوضع في مكانه؛ لتثار أسئلة تبدو للوهلة الأولى وكأنها بسيطة، لكنها في جوهرها تمثل حقيقة الواقع السياسي العربي: لماذا استنسرت البغاث، واستأسدت النعاج؟!!

" أسد علي " لأنني " الشعب " سلعة رخيصة في عرف حاكمي، و مزرعة  مملوكة له،يسمنها ليوم قد أسن له مديته،  وأعد له مقصلته، لا أشاركه  الرأي  ولا يقبل من النصيحة لأنني  عبده المملوك، وهو سيدي المطاع كرها على كره.

الحاكم  العربي لا يعرف لغة إلا لغة الوعيد والتهديد؛ فالشعب شعبه ما داموا عبيدا له، يسبحون بحمده ويشكرون له، فان التفتوا إلى أنفسهم، وتلمسوا سبيل الهدى، جارت عليهم ضلالته، وتوعدهم ببطشه وقوته:انه وريث  فرعون،  وخليفة قارون".

1) (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ).

2) (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ).

3) (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ).

4) (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

5) (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ).

6) (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) {الشعراء44- 49}.

"أسد علي" تذكرنا بالجليل المحتل، والاغتيالات المتكررة في قلب العاصمة السورية"دمشق" والإذلال المتعمد عبر عقود، والانتهاكات الأمريكية المتكررة للسيادة اليمينة، وطريقة تعامل النظام الليبي مع حادثة لوكربي،وغيرها  من الحوادث .

أسد علي، بيت  شعر  نازف  يصرخ تحت المقصلة: أين البطولة أيها الحكام!! " بالأمس القريب كان الجولان ينزف على الحدود السورية،عشرات الشهداء سقطوا بدم بارد ، لم نر ولم نسمع تصريحا واحدا سوريا، فضلا عن صواريخ المنع ودبابات الصد لمن انتهك حرمة( المزرعة السورية) المنيعة. أو التفاتة رسمية لتوجيه البوصلة باتجاه الخطر المحدق الحقيقي، أو على الأقل المساواة في الرد على الغزاة (اليهود) كما فعل النظام مع الشعب الثائر، أم أن انتهاكات اليهود على الحدود لا تمثل تهديدا للنظام، ولا تثير فيه النخوة للدفاع عن ذاته وسيادته.

سيقولون لك: إن ما يجري في سوريا وغيرها من بلاد العرب هو استهداف للمقاومة، وللثوابت الوطنية، وللمشروع القومي، وهي مؤامرة مكشوفة بامتياز وراءها إسرائيل ودول كبرى عدوة لسوريا وللأمة.على من يضحكون!! وفي أي سوق يبيعون هذا الحديث الرخيص!!. يقولون هذا وهم يذبحون الشعب من الوريد إلى الوريد.ثم يحذرونك من إتباع الأباطيل.

 تنظر إلى المشهد المأساوي بعين دامعة فيقولون: لا تصدق عينيك. فالقاتل الحقيقي هو هذا الطفل المجرم الذي لم يبلغ من العمر ستة أشهر، ذاك الطفل الذي تجرا على حامي الحمى، وأسد الكرامة، ومجد التاريخ، ومشروع الصمود، ومحور الخير.

إنها المفارقة العجيبة إذا، مفارقة تكشف عنها القيمة الفنية الغنية في بيت الشعر،القائمة على حسن التصوير وإصابة المعنى.

كان الحكام يقولون لنا: نحن في وضع استثنائي يستدعي وجود حالة طوارئ دائمة للحفاظ على الأمة من خطر محدق بها، كان النظام  العربي  يعد عدته، ويشحذ مديته، انفق مليارات الدولارات في تكديس الأسلحة، ولما حانت لحظة الحقيقة اكتشفنا أننا نحن فقط هدف دباباته، ومرمى قوسه، هكذا كان النظام العربي وما زال.

هذا المشهد (الكركاتيري) المخيف يكاد يشمل كل (المزارع العربية) التي تصر على رؤية الشعب قطيعا من الخراف، يسمن ليوم الذبح،وان مفهوم المصلحة والحدود والتطور يخضع للمستوى الأمني القائم على إخراس الشعب، وضبط إيقاعه بما يتناسب مع رغبة الحاكم الذي يكره الصخب والحركة.

نرى هذا المشهد في ليبيا وفي اليمن،وفي سوريا، تنتهك الأجواء وتحاصر الدول وتذل وتهان فلا تحرك الأنظمة ساكنا، لكنها سرعان ما تكشف عن مخبوء عنفها وإجرامها حين يقول الشعب: "أين كرامتي ؟" لتسحق الكرامات، وتباد الجماعات.

هكذا أصر النظام العربي على تكريس واقعه الدكتاتوري القائم على مبدأ فرعون في التعالي والاستعباد.

وتبدو المفارقة أكثر تعقيدا حينما تبدأ في تصنيف هذا النظام العربي وتبويبه في مجموعات، فتظن أن نظاما مثل النظام السوري سيختلف عن باقي الأنظمة، وقد يصنف  ضمن أنظمة الممانعة والرفض، لكن الأحداث تكشف على أن منطق الحكم- وفق مفهوم مزرعة الحاكم- هو الجامع المشترك بين هذه النظم؛ مع أن هذا النظام كان يبدو وكأنه مختلف، باعتباره وقف- شكليا – في وجه الضغوطات الأمريكية، ولم يستجب لمنطق التبعية، مما حدا بواحد من المفكرين أن يعلن بجراءة انزلاق هذا النظام إلى وادي الأنظمة المتعفنة.

يقول عزمي بشارة في مقال له:" ربما كان النظام السوري قابلاً للاستمرار لو أنه كان مستعدا للتغير، ولو أنه قام-منذ اندلاع حادثة الحريقة في فبراير/شباط (ثم انتفاضة درعا من أجل الكرامة والحرية)- بوضع إستراتيجية إصلاح تدريجية-لكنها واضحة الهدف- تهدف لتحقيق تسويةٍ استباقيةٍ بينه وبين المجتمع، في شكل ربط متطلبات استمرار نظامه مع تحقيق المطالب الأساسية للمجتمع السوري".

 لقد كشف هذا النظام- بالذات- عن طبيعة متشابهة في نظم ولدت في ظروف متشابهة، ومتزامنة، عن الحقيقة التي تؤكد أن لا فرق بين نظام عربي وآخر، وان واقع النظام العربي واقع متشابه، وان التغيير الذي حدث في مصر لا بد وان يجتاح كل المنطقة.

 صحيح أن الصورة الظاهرة لنظام العقيد القذافي قد تبدو أكثر بشاعة من نظم أخرى كانت مستورة أو متغلفة بغلافات ديمقراطية كرتونية، لكن الأحداث كشفت أن عقلية علي عبد الله صالح لا تختلف كثيرا عن عقلية نظيريه بشار والقذافي وان المشهد الدموي في تعز نفسه يتكرر في درعا ومصراتة.

وبما أن المشهد الثلاثي متشابه؛ فإن اخذ أي  حالة من الحالات  الثلاث  أنموذجا لمفهوم "مزارع  الحكام" ستغني عن استعراض كافة الحالات المتشابهة لان منطق الأحداث يؤكد وجود ظاهرة أحببت أن اسميها "مزارع الحكام ".

في هذه المزرعة تجري الأحداث بعيدة عن عين حقوق الإنسان،ومنطق العدالة ومفاهيم القيم والحرية والديمقراطية.

 إنها الملكية الفردية المعنونة بعنوان "دولة " إنها شركات عملاقة تدر أرباحا طائلة عرفنا بعضها في ميزانية بن علي ومبارك، ولما نكتشف الادهي في ميزينات ما تبقى.

في هذا المسلخ تتجلى صورة المزرعة / الدولة وهنا يرتد بي المشهد الأدبي إلى رواية "مزرعة الحيوان" للكاتب الانكليزي (جورج اورويل)؛ حيث تتجلى صورة النظم الإقطاعية ذات القوانين البراقة في أوضح صورها. هذا النظام يصر على "تغيب العقل الجمعي للأمة، واعتبار الشعب مجرد أنفاس طائشة في مزرعة يربيهم ليوم العيد ومن ثم يضحي بهم قربانا لذاته.

انه المنطق ذاته الذي لا تشذ عنه دولة عربية، ومن هنا فالإجراء الوحيد الذي يتم تنفيذه بإتقان في كل هذه الدول هو الإجراء الأمني وعصا الرقيب، النظام الأمني لا يعترف أبدا بحق الشعب، ولا بطاقاته وقدراته، ولا يسعى لتحقيق آماله وتطلعاته، بل يعنى بتتبع خطوات الشعب لضمان انبطاحه واستجابته لرغبة صاحب المزرعة  في تطبيق القوانين كما تم الاتفاق عليها.

هذه المنظومة العربية المتشابهة تستدعي حالة ثورية متشابهة، حالة تصر على تفكيك هذا الواقع وإعادة هيكلته من جديد وفق رؤية إبداعية تنطلق من معين الحق، وتنسجم مع أصول هذا الدين ومبادئه الخالدة،فقد آن لنا أن ندرك الطبيعة الهمجية التي نساق بها كخراف في مزارع التسمين،ونعامل فيها كمتاع بيد تاجر.

آن لنا أن نعيد صياغة الخطاب الثوري كما فهمه ربعي بن عامر، وجعفر بن أبي  طالب –رضي الله عنهما-حين صرخ الأول في وجه رستم الفرس " إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"

وخطب  الثاني  أمام  النجاشي:أيها الملك ! كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.

قالت: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه، وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده، ولم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.

إنها ثورة التغيير الاستراتيجي المبنية على حق الفرد في أن يعيش بكرامة، وإعادة تشكيل العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفق رؤية شرعية تمنع تكريس قانون الاستعباد المعمول به عربيا ،وإعادة مفهوم السيادة للدولة من خلال سيادة القانون، وضمان تنفيذه بالعدل والمساواة بعيدا عن تفصيلات الحاكم ورغباته.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !