مواضيع اليوم

مريم الصادق المهدي وخيار الحل اليمني

مصعب المشرّف

2012-07-12 13:20:51

0

مريم الصادق المهدي وخـيار الحــل اليمنــي

 

السيدة مريم الصادق المهدي القيادية بحزب الأمة القومي الذي يتزعمه والدها

السيدة د. مريم الصادق المهدي ؛ في مقابلة لها على الهواء مباشرة خلال أحداث جمعة "شُذاذ الآفاق" مع مذيعة الأخبار في قناة الجزيرة . أكدت مريم أن المعارضة تبحث عن حل مماثل للحل اليمني .... فهل يصلح الحل اليمني بالفعل للحالة السودانية؟ ..

بالتأكيد لايصلح لعدة أسباب ، أولها أن الرئيس البشير ووزير الدفاع عبد الرحيم ؛ والوالي أحمد هارون والقبلي هلالي مطلوبون للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية ... وقد خرجت بيانات المعارضة في "وثيقة البديل الديمقراطي" تؤكد بجلاء إلتزامها بتطبيق القرارات الدولية بشأن السودان والإنصياع لها . وبما يعني ضمنا تسليم البشير ووزير دفاعه وغيرهما للمحكمة الجنائية .. وهو ما يرفضه الرئيس على أقل تقدير . وسيقاوم في سبيل ذلك بشراسة "بشار الأسد" حتى النهاية .
وللتذكير نستعيد أدناه الإشارات التي تدل على التوافق بتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية في حالة إسقاط النظام . حيث جاء في "وثيقة البديل الديمقراطي " ... جاء الآتي في البند (12) من القسم الثاني :-
" محاكمة كل منتهكي حقوق الانسان والفاسدين ومبددي المال العام، وتعويض الضحايـا مادياً ومعنوياً، مع اعلاء قيم الحقيقة والمصالحة وفق مبادي ونظم العدالة الانتقالية."
ثم جاء في البند (د) الفقرة (21) من القسم ثانيا . وفيما يتعلق بقضية دارفور:
الاستجابة لمطالب اهل دارفور المشروعة وهي :
د - المساءلة عما ارتكب في دارفور وغيرها مـن جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية .
............

الحل اليمني الذي تقترحه الدكتورة مريم المهدي تلخص في تنازل الرئيس علي عبد الله صالح عن الحكم وإجراء إنتخابات (هزلية) المرشح فيها شخص واحد هو نائبه . وشريطة أن يظل إبن الرئيس اليمني أحمد علي عبد الله صالح في موقعه كقائد للحرس الجمهوري .... هذا هو الحل اليمني الذي ترتضي به السيدة مريم المهدي ... ولاندري ما هو هدفها الخفي من إقتراحها هذا؟

المفترض أن د. مريم الصادق المهدي إنسانة ذكية تدرجت في صالون وحضن والدها الإمام الصادق المهدي بما له من خبرة وحنكة سياسية وقناعة ديمقراطية ليبرالية لاحاجة إلى مدحها ..... فهل إختلط الأمر على دكتورة مريم المهدي ؛ فظنت أن المشكلة السودانية هي محض خلاف على " صحن " أو "بستلة" فول ، وشمار ، وزيت سمسم ، وجبنة من دكان مُصلح اليماني أم ماذا؟

المشير عمر البشير ووزير دفاعه .. أو فلنقل عمر البشير قبل أتباعه ومساعديه ؛ لن يتنازل عن عرشه والكرسي العالي في سراي غوردون لأجل أن يذهب لقمة سائغة لقفص المحكمة الجنائية ؛ وربما عمليات إنتقامية خارج نطاق السيطرة وغير مسئولة (شبيهة بما جرى للقذافي) على يد الخلايا النائمة المسلحة من كوادر الحركة الشعبية قطاع الشمال ، أو مثيلهم من كوادر حركة العدل والمساواة داخل العاصمة المثلثة ؛ التي تتحرق شوقا للإنتقام والثأر لمقتل مؤسسها خليل إبراهيم ..... وعلى طريقة ســبق السـيف العذل.

ربما تكون الدكتورة مريم بنت الصادق المهدي أذكى وأدهى وأمـرّ كيداً مننا نحن الرجال جميعا . فتكون قد قصدت بمقولتها عن قبول (الحل اليمني) مجرد رمــي بـياض ، وحـنـدقــة ، وجــر رجــل ، وكشكرة ، وإغــراء المتمنع الراغب ؛ للنائب الأول الأستاذ علي عثمان طه كي يراجع أوراقه ، ويعيد حساباته ، ويطمئن على ارصدته ؛ على إعتبار أنه هو المعني بتسلم مقاليد السلطة في حالة التوافق على الحل اليمني . وبما يعني في نهاية المطاف خلخلة تماسك النظام القائم ... وهذا التحليل هو وحده الذي يشفع للدكتورة مريم بخبرتها المكتسبة، أو درجتها الأكاديمية على أقل تقدير.... ربما ربما .. ولم لا ؟ فأغلبنا يستحضر تاريخ مملكة سوبا جنوب الخرطوم ، ويعرف كيف خربت "عجوبة" بكيدها مملكة سوبا.

ولكن ؛ واقع الحال يشير إلى أن المشير عمر البشير قد إبتعد كثيراً عن إعتماده على الكوادر الحزبية التي أتى بها الترابي وعلي عثمان طه في بداية إنقلابه العسكري ... فراهن ومنذ عام 2000م على المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها . فهي وحدها التي ضمنت له وصوله للسلطة عام 1989م ، وهي وحدها التي أمّنت له إنقلاب القصر الأبيض الذي أطاح بالترابي وأحلامه وتلامذته المخلصين إلى غير رجعة... وهي وحدها التي تؤمن الآن وحدة السودان.

من جهة أخرى ومن واقع تجربتي 1964م و 1985م ؛ وحيث أن المؤسسة العسكرية هي وحدها التي تستطيع تأمين نجاح أي ثورة شعبية وتغيير ... فإن خيار العبور المؤقت بأحداث الحاضر التي تستهدف تغيير النظام .... خيار العبور مؤقتا بإنتخاب على عثمان طه (على الطريقة اليمنية) سيصطدم بوزارة الدفاع التي يديرها المهندس عبد الرحيم ؛ والذي هو بدوره مطلوب بقوة للعدل والمساواة والحركة الشعبية قطاع الشمال أو للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في حالة نجاته من براثن مالك عقار وأنياب الحلو .... هذا فضلا عن موقف نافع علي نافع الذي يتعرض لهجوم واضح ويعتبر من ضمن المستهدفين لكل القوى لتي تتطلع لإسقاط النظام المدنية المستأنسة منها ؛ أو تلك الموتورة المسلحة الغير منضبطة المتلهفة للثأر الشخصي.

الشيء الآخر الذي نرجو أن يتقبله الجميع بواقعية ومنطق ؛ هو أن ما يجري على الساحة المدنية في العاصمة والأقاليم الآن ، لايرقى للوصف بأنه ثورة بقدر ماهي أحداث متفرقة وتظاهرات كسولة واهنة العظم والجمهرة .... قليلة العدد بشكل ملحوظ ..

لاتوجد إرادة حقيقية فولاذية لدى عامة الشعب في الخروج إلى الشارع .. وحتما هناك تغيرات جوهرية قد حدثت لدى المواطن السوداني وقناعات جديدة حتمها إمتداد الزمن مابين 1964م مرورا بـ 1985م الثانية الأخرى ........ أو ربما بلغ الجوع والتعب والضنك بعامة الشعب مبلغة فلم يعد قادرا على الكر والفر والنبيح والهتاف في زمان عزّ فيه الدواء والصابون والماء وحتى المراكيب والسراويل والعراريق والعمائم والجلابيب.

ثم أن العامة من الشعب والأغلبية الصامتة أصبحت أكثر تقديراً لذاتها وإدراكا لأنانيتها المشروعة ؛ في غياب مشاركة الرموز والخلفاء وأمراء الرايات وتنابلة الحلقات من الطائفية والحزبية وتجمعات نادي الصفوة الأكاديمية والسياسية والدينية . الذين يظنون أن بإمكانهم تحريك الشعب . ودفعه للفداء بنفسه وقوته وفلذات أكباده في سبيل عودتهم المجانية التلقائية إلى مقاليد السلطة وكعك الثروة.

كان المفترض أن تتزايد أعداد المتظاهرين ما بين جمعة الكتاحة وماتلاها من جُمع .. لكن أعداد ونشاط المتظاهرين وفق المشاهد للعيان وغير العيان ، وماتنقله الفضائيات العربية والأجنبية إلى التناقص ذاهب ويميل.

كذلك هناك إستراتيجية وتكتيكات أمنية حديثة نشهدها لأول مرة . ومنها على سبيل المثال لا الحصر ؛ تفادي القتل للحيلولة دون صعود رموز إستشهادية كما كان عليه الحال في ثورة أكتوبر ... ثم تكتيك الحصار الذي تفاجأ به المتظاهرون عند محاولتهم الخروج من باحة مسجد ودنوباوي .. وكذلك حالة كلية الزراعة في شمبات .. وهو ما ينبيء بترقي وتطور الميكانيزم والذهنية الأمنية سواء لدى الشرطية الحكومية أو تلك الموالية للنظام القائم .... والذي يقابلها حتى تاريخه تحنيط ، ونمطية ، وسلحفائية في التفكير وردود الأفعال والحركة لدى جهة المعارضة الحزبية .

خلاصة القول أن على المعارضة أن تجلس إلى نفسها أولاً ؛ لتعرف مالها وماعليها وحدود إمكاناتها ، وظروف الواقع المواتي والمستجد على قناعات كتلة الغالبية العظمى الصامتة من الشعب .

ركوب الموجات لا أظن أنه سيجدي الأحزاب هذا الزمان وقناعاته من بحر العقد الثاني للقرن الواحد والعشرين ..... والأحزاب إن كانت تدري أو لاتدري (وأظنها تدري) قد بلغ الشعب منها السأم والضجر واللامبالاة مبلغه من خلال تجربته لها ولعبثها ومجاجتها وميوعتها بعد ثورة 1964م وانتفاضة 1985م ....

ومن ثم فحبذا لو إتجهت الأحزاب إلى تغيير ما بنفسها قبل محاولة تغيير نظام لايزال متماسكاً برئاسة وقيادة ليس أمامها خيارات متاحة أو ملاذات آمنة إن هي تخلت عن السلطة. فالثأر منها شخصيا والإنتقام يظل خلفها في الداخل قائم لامحالة ... والمحكمة الجنائية تنتظرها أمامها في الخارج ولامزاح في ذلك ... وكلاهما أو أحده يضعها في خانة إما قاتل أو مقتول.

فهل هي الحرب الأهلية الضروس التي ستعم البلاد بطولها وعرضها هذه المرة ؟ .... الله أعلم.
..
لمشاهدة والإستماع لحديث د. مريم الصادق المهدي لقناة الجزيرة وفق ما جاء في "جوهر" هذا المقال أرجو النقر على الرابط التالي:-

youtu.be/MtwWVoltvAw

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات