مريم أحمد عيسى
بقلم: حسين أحمد سليم
كاتب ورسّام لبناني من بعلبك – مدينة الشمس
مريم أحمد عيسى, الملقّبة ببنت بيت الأفندي, في حي الشيخ حبيب في قلب بعلبك, مدينة الشّمس... هي مبدعة في الظّلّ... تشكل الفعل: لونا مشرقا, وعملا مميّزا, وكلمة جميلة, ترفل لها العين والأذن معا... عرفتها عن قرب, واكبتها وما زلت, قرأتها كلمة كلمة, ورافقتها فنيا خطوة خطوة... بحكم صداقة وأخوة بإيمان وثقة متبادلة مع أسرتها... فكان بوحي لها وعنها في ما لم ولن ولا أستطيع إعطائها حقّها أو قدرها الإبداعي... ولكن ما تجرأت به, ما هو إلاّ قبس من وعد وعهد ووفاء وإخلاص... وجزء من حقّ مريم أحمد عيسى الفني والأدبي والتّشكيلي في قلب مدينة الشّمس, بعلبك...
فالابداع هو ذاك الشّيء الممتع, الذي يتحسّس به الإنسان في كوامن تفسه, فتتجاوب له مشاعر جوارحه... وهو من وسائل التّعبير المختلفة التّنوّع, التي يُمارسها الإنسان في مجريات حياته اليوميّة, وفق رؤاه الخاصّة ومن زوايا معيّنة... تجارب عديدة مختلف أشكالها وألوانها, يقوم بها الإنسان قناعة ذاتيّة, في عمليّات من الخلق والإبداع أو المحاكاة, في محاولة جادّة لإيصال الأفكار التي يريد, والبوح عن الخلجات الإنسانيّة التي تنتابه, كرسالة إعلاميّة موجّهة بأساليب معيّنة, عبر وسائل عصريّة مختلفة, إلى الآخرين من بني الإنسان, في بيئة معيّنة أو مجتمع مستهدف, أو لشريحة ما من شرائح الأمّة...
مريم أحمد عيسى, إبنة مدينة الشّمس بعلبك, بعيدا عن الأضواء, تمتزج أعمالها بألوانها, بطريقة فنّيّة مميّزة, تعكس كلاسّكيّة تفصيليّة دقيقة, في مشهديات تُداعب عواطف المشاهد, فتراه يتفاعل مُتجاوبا مع رؤاه البصريّة... الحدث الذي يُثير أحاسيس مريم أحمد عيسى, فتتفاعل معه من خلال ترجمتها الفنّيّة, بحيث إمتطت صهوة الأشغال اليدويّة المختلفة, ومازجتها بموسقة رفيعة بحركات فعل الإنطباعيّة الواقعيّة... وراحت تعزف ألحان أعمالها المختلفة, على أوتار أناملها الحانية, لتصنع تشكيلات واقعيّة, تحكي رواية حضارة معيّنة, وتُجسّد رؤى فلكلوريّات معيّنة, في إنعكاسات فنّيّة ترفل لها العين, وهي تستمتع هياما مموسقا, عبر رحلة التّجاوب مع عناصر المشهديّات, التي تُصوّر الحياة بتفاصيل عناصرها, في لقطات مُقتبسة من واقع الحياة الرّيفيّة, التي تتكرّر في كلّ قرية من قرى بلاد مدينة الشّمس بعلبك...
المشهديّات الغالبة في أعمال مريم أحمد عيسى, مجموعة من الأشغال في لقطات تفصيليّة متنوّعة, في لوحات عديدة, تُبرز جوانب كثيرة وعديدة, في لعبة جماليّة مميّزة, بحيث تتّسم أعمال مريم أحمد عيسى, بحركات فعل الإشراق اللوني, الذي يُضفي على كلّ لوحة عمل لمسات جماليّة, ترتاح لها العين المُبصرة, وهي ترتحل هياما فنّيّا, تُمارس فعل الإستمتاع بعناصر شكل اللوحة, التي تتموسق فيها العناصر المتنوعة مع الألوان, لتعكس الأشكال في هارمونيّة ترفل لها الأبصار...
ميزة فنّيّة أخرى, تسم شخصيّة مريم أحمد عيسى, فإلى جانب الثّراء الذي تتمتّع فيه بأشغالها اليدوية الفنيّة, والمُنفذّة تقليديّا من خامات كثيرة, ومن بقايا أدوات كثيرة... تُجيد مريم أحمد عيسى فعل التّشكيل بالقماش, وعمل المنمنمات المختلفة... لتتجمّع في مخزونها كميّة من الابداعات بمقاييس مختلفة, تعكس الوجه الفنّيّ المشرق لمريم أحمد عيسى, وهي تتماهى في الزّوايا وعلى الجدران في أروقة بيتها, تحكي تفاصيل رحلة فنّيّة, مليئة بالتّشويق والإيثار...
الجانب الإبداعي المشرق من ناحية أخرى عند مريم أحمد عيسى, يتمحور في يراعها الحاني والذي تمسده بأصابعها الفاترة, لتتناغم مع هارمونيات المداد وهي تتموسق فوق مساحات القرطاس, مشكلة مشهديات مختلفة من واقع البيئة التي تعيشها, حيث تعبر المشهدية الواحدة عندها عن واقع الإنسان في المجتمع الذي يعيش...
مريم أحمد عيسى الكاتبة المبدعة, التي تسلحت بالجرأة والقوة الفكرية والفنية, خلقت لنفسها عالما من نوع آخر, لا يجرؤ على دخوله إلا كل ذي فكر واع, وصاحب رؤى إبداعية متزنة تعكس المستوى اللائق للكتابات والتشكيلات الفنية, المتوجة بمكارم الأخلاق الإنسانية ماهية الشخصية الإنسانية المحترمة, وهي بفعل تجربتها الناجحة تعتبر الفيصل المناسب لكل فتاة أو إمرأة من بنات جنسها, لتحذو حذوها رافعة راية الخلق والإبداع في مجاراة جريئة ومواقف قوية, تعكس وجودية المرأة ومدى حضورها الفاعل...
قرأت مريم أحمد عيسى في عدد من النّصوص المنشورة في الشّبكة العالميّة للمعلومات, فراقني ما قرأت ورحت أقرأ أكثر وأبحث أكثر عن كتابات لها, لترفل عيني لكتاباتها كلّما إنتقلت من نصّ إلى نص, تفعمني نشوة الإحساس بالسّمو وأنا أقرأ بعض نصوصها المختلفة... وفي كلمة مختصرة أستطيع البوح بجرأة, أنّ مريم أحمد عيسى بكتاباتها وبوحها, تبني لمسالك مستحدثة في النصّ النثري, تتلألأ بالعنفوان والرّؤى في البعد, لتعكس المستوى اللائق لكتابة أنثى ترود سرادقات الكتابة من منظور النثر في صيغ جميلة المحتوى, تتوزع على عدد من قصار المقطوعات النثرية, التي حالفني الحظ بالإطلاع عليها وقراءة مضامينها في الشبكة العالمية للمعلومات, وفي دفاترها الخاصة التي تحتفظ بها بعيدة عن الأضواء, تنتظر أن يكشف عنها الغطاء لتبصر النور...
يتراءى الحبّ الطّافح بالأمل المرتجى مشهديّة جمال, لمريم أحمد عيسى, وفي البعد يتشكّل العطف, لوحة نبع إكتمال المحبّة بالإيمان, والحنان الموروث, يرسم أرجوزة في المدى ممّا فاضت به شغاف القلب, والفرح ومضات تمضي, تغيب في الإمتدادات, والوجع سلسلة متواصلة, لا تعزف سوى الأحزان, والأحزان حكاية تتلوها حكايات لأمها التي افتقدتها ذات يوم... فكتبت لها ما كتبت من شغف وتوجّد وتشاغف, كان لي الحظّ الأوفر أن أتابع كتاباتها مباشرة, وأهتم بها تنقيحا وصياغة لتبصر النور في كتاب خاص تحت عنوان "رسائل حنان إلى أمي"...
شروق الشّمس يروي قصّة الحبّ, للشّفق الورديّ يتماهى عند الصّباحات, وغروب غزالة النّهار, يحكي رواية العشق لسورياليّة لوحة المساءات... والأفق الممتدّ نهارات تضجّ بكلّ عناصر الأشياء, وكلّ المساحات إخضرار في السّهول المترامية الأطراف, وفي تاريخ الحكاية تتماهى سيمفونيّة أخرى منذ البدايات, وحركة فعل البحث عن تجلّيات الحبّ, أقلام حانية البوح, تنزف ألسنتها تراجم الأقدار, في زحمات الحياة, تكتب الأنامل المرتعشة بالدّفء, لا حبّ سوى الحبّ, ولا عشق سوى العشق في رؤى وقناعات مريم أحمد عيسى...
خزفيّات الحروفيّات في كتابات مريم أحمد عيسى تئنّ بالوجع الدّفين, في متاهات النّفس الأمّارة بكلّ الأشياء, والكلمة فعل الواقع المعاناة, تطوي في الشّغاف الحزن الغافي في هجعة القيلولة, وفسيفساء الأحلام العذاب, خواطر تتناهى من خلف الخيال, يعشعش فيها الوجع التّاريخيّ, في جغرافيا مقطّعة الأوصال, لا يشعر في حركة أبعادها سوى القلب العليل, يسكب ألحانه أحاسيس شفيفة, تمتطي متن شراع الوجدان, على صفحات تعتلج بالويل, تنمنم الحروف الكلمات, وتتشكّل من الكلمات الخواطر, قصائد من نثر وشعر, تبحر عنوة مقصودة في بحار الصّمت, تحصد الأحلام السّابحات بشغف, تفرش الدّروب المكلّلة بالعواسج, أغاني وأناشيد, تنتظر الإشراق, من جوف الليل الغارق بحندس الظّلام, وتتحقّق الأماني, من أسرار الضّوء, تؤنس القلب الوحيد في الأماسي, وتسلّي الفكر الشّريد في الأعالي, رؤى مرتجاة, تبحث عن البدائل في عصر عولمة القهر, تتشاعر الآمال في نبضات القلب الوارف بالحبّ, تتكوكب الأحاسيس في مدارات اللهفة, لتنبت بين الضّلوع الهيمى, الأمل البعيد, المتوقّع آتيا كما الرّبيع الجديد, متّشحا بحلل العيد... الذي تنتظره مريم أحمد عيسى...
أنامل ناعمة دقيقة, تكتب الحروف, في سكون الأرق, وترسم الكلمات مكلّلة بالشّوك, وتضمّخ الخواطر بنحيب الجمر, ترجو الخلاص, تنشد البعد, عن أناس بلا قلب, بلا ضمير يؤنّب, بلا وجدان صاح, تتوسّل الحبّ النّظيف, بلا حدّ, بلا حدود, بلا سدود, تتضرّع للسّماء, تستجلي العزم والقدرة, تتقوّى على تحمّل النّار, بالصّبر الجليل, وهو نعمة من الله... تروم في رؤاها ونواياها وإجراءاتها وأفعالها وارتباطاتها رضى الله وتقوى الله وهي المؤمنة العابدة في بيت مشهود له بالإيمان والتّقوى والوجاهة في مدينة الشمس بعلبك...
كتابات مريم أحمد عيسى, مشحونة بالتّأوهات, نادية العواطف, جريحة تصرخ, على رصيف الأفق, كما الطّفلة المدلّلة, تتفيّأ تحت الظّلال, التي يتدلّى من أغصانها الحزن, تبحث عن نفسها, بين همسات الرّياح, في زمان منفيّ, مليء بالمواقف المختلفة, ترصد من خلالها الجزئيات, ترقب التّفاصيل, تبحث من خلالها عن النّجوى, أو تشدّ العزم, على الرّحيل, ومارد الغربة النّفسيّة, يسكن ذاتها, وتنادي ويستمرّ النّداء, تبكي حبّها الكلمات, في غابة الزّيزفون, حيث خنق الحبّ بأنفاس دخان الجحود, وأظلم القلب, وضاع الحلم, وغدت مكسورة الأجنحة بالذّعر, وراحت تلملم صور الحروف, والكلمات, لتنسج الحياة في الرّوح اليابسة, بعدما أصبح السّرّ مبهما, ينام بين فواصل الخواطر, يُعطّر الوجدانيات بدمع القلب الوافر, تسأل المجهول عن الحبّ الصّادق والعشق الأصدق؟!...
خواطر من النّثر, تحاكي ومضات من الشّعر, مفعمة بالحبّ المصاب بالخيبة, كتبت بماء الإنفعال, صوّرت سريعا بذات اللحظة, ولم تختمر, لم ترقد بعد إنحدار الشّلال, لم تدخل في أطراف الواقع, ولم تُجسّد المخاض الحقيقي, لولادة الأشياء على حقيقتها...
الكلمات اليانعة في الخواطر الثّائرة, والوجدانيّات الهائمة, في الكلمات المضمّخة بأثقال الحبّ, غدت كما أسيرة في أرجوحة الشّرود, ترسم أحاسيسها في عناصر الدّهشة, تسكب مشاعرها, في لوحات النّثر, تحاكي في صياغاتها رنين الشّعر في كتابات مريم أحمد عيسى...
كلمات مريم أحمد عيسى, تتراءى في نثائر منوّعة, تكتب الحزن, ترسم الفرح, تنمنم الكلمة, تنسج الخواطر, تسكب الوجدانيّات, في شكل دراميّ, في قالب قصصي, تأخذ من كلام النّاس قوام النّصّ, تجعل من تركيب رؤياها الحالمة, لغة خاصّة تقوم على اللفظ الشّفوي السّائد, وهي أقرب للكلمة اليوميّة البسيطة, القريبة من الفهم, البعيدة عن التّعقيد, والقريبة من القلب, والتي تُطلّ من خلالها, على الفجر الوعد, بالأمل, والمستقبل القادم برؤى الحلم المرتجى...
تلكم هي المبدعة مريم أحمد عيسى, الكاتبة والفنّانة, التي تنمنم كتاباتها وأشغالها اليدوية, بكثير من الصّبر, لتتماهى في زوايا وعلى جدران غرف بيتها في مدينة الشمس بعلبك, عاكسة صورة جليّة وواضحة, لحركات من فعل الخلق والإبداع, كتابة في خواطر منوعة, تمتزج فيها حالات الحب والعشق والحزن, وأشكال جميلة مختلفة ولدت بين يديها من بقايا الأشياء, لتتماهى جمالا على جمال, كيفما نظرت في زوايا البيت وجدرانه, فترفل العين للمشهديات, كما ترفل الأذن للصوت الحنون الشّجيّ وهو يتموسق بقراءة الخواطر, لكاتبة وفنّانة سجنت ابداعاتها في الظّلّ, بعيدا عن الأضواء, لظروف حاقت بها قهرا على قهر, ومعاناة تتولّد من معاناة, تنتظر من يمدّ لها يد العون وفاء وإخلاصا وعدا وعهدا وقسما, لتتماهى ذات يوم ابداعاتها في أروقة وزوايا ومنتديات مدينة الشّمس بعلبك... إنّها الكاتبة الفنّانة... مريم أحمد عيسى...
التعليقات (0)