من منا لا يذكر ذلك اليوم من عام 1999 وبالتحديد يوم الثالث من مايو ( مايس ) منه حينما دخلت مروة النائبة التركية الى مبنى برلمان بلادها اللتي يعتبر نظامها من اكثر انظمة العالم تطرفا في تطبيق العلمانية وهي ترتدي الحجاب اللذي يمنع ارتدائه القانون التركي في أي مؤسسة حكومية وفي الجامعات والمدارس . لقد كانت لحظة عصيبة في تاريخ تركيا .
يصف احدهم تلك اللحظة فيقول ...
لقد كان النواب كلهم ينظرون الى باب البرلمان .
اعضاء حزب الفضيلة ينتظرون دخول مروة لتحقيق ما يعتبرونه انتصارا تاريخيا لحزبهم .
نساء تركيا اللاتي يقال ان 75 % منهن محجبات تسمرت عيونهن على شاشات التلفزة لرؤية هذه اللحظة اللتي ستحدد ما اذا سيستطعن المحافظة على حجابهن على رؤوسهن وهن يدخلن المدرسة او الكلية او اماكن عملهن في المستقبل ام لا .
اعضاء الأحزاب اليسارية واليمينية العلمانية تترقب الموقف وهم لا يصدقون ان مروة ستدخل برلمان تركيا اللذي اسسه اتاتورك وهي ترتدي الحجاب .
ولكن مروة وبالرغم من كل المصاعب دخلت الى قاعة البرلمان لتقوم الدنيا في تركيا كلها ولم تقعد حتى بعد ان الغى رئيس البرلمان الجلسة اللتي كانت مخصصة لأداء اعضاء البرلمان الجدد اليمين .
قام اعضاء حزب الفضيلة يصفقون بحرارة لمروة بمجرد دخولها من باب البرلمان بينما تصاعدت هتافات العلمانيين تسب وتشتم مروة وحزبها وتطالب باخراجها من البرلمان بالقوة . حتى بولند اجاويد الشاعر المرهف والسياسي العتيد لم يستطع ان يظبط اعصابه ليصعد منصة البرلمان ليصرخ ( اوقفوا هذه المرأة عند حدها ) لتعقب هذا الصرخة عاصفة من التصفيق والهتافات ضد مروة وحزبها .
بعد ان صرح دمرل رئيس الجمهورية التركية الحرة العلمانية انذاك بتصريح وصف فيه مروة بانها السبب في توتير اوضاع تركيا !!! . لم يجد النظام التركي حلا لمشكلة مروة الا بأسقاط الجنسية التركية عنها لأنها تحمل الجنسية الأمريكية وبالتالي اصبحت غير مؤهلة لدخول البرلمان التركي باعتبارها غير تركية . وتركت مروة تركيا بسبب المضايقات والضغوط الهائلة واللتي وصلت الى حد النيل من شرفها في الصحف الصفراء الى بلدها الثاني امريكا لتصبح واحدة من الشهيرات هناك , تقوم بالقاء محاضرات في احدى الجامعات .
لقد تذكرت هذا لمنظر اللذي جرى قبل عشرة اعوام في البرلمان التركي وانا اقرأ مقالا للكاتب حسن العيسى نشر في جريدة القبس الكويتية قال فيه .
((سيثير النواب المتزمتون الشغب في البرلمان حين يأتي الدور لحلف اليمين لكل من اسيل العوضي ورولا دشتي، وسيصور هؤلاء المتزمتون ان سفور كل من النائبتين مخالف للفقرة الاخيرة من المادة الاولى لقانون الانتخاب التي تشترط على المرأة «...في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية..» وهي فقرة البؤس اللامعقولة في القانون التي اتفق المؤيدون والمعارضون لحق المرأة السياسي عليها كي يتم تمرير القانون. سيجد هؤلاء النواب في صياغة المادة كل اسباب احتقارهم للمرأة، وستكون عصاهم العوجاء لإلحاق الاذى النفسي بكل من النائبتين. هنا يتوجب على رئاسة الجلسة ان تقف وتحول دون ان يتمادى هؤلاء العصاة في عصيانهم وشغبهم ضد زميلتيهم، ويدخل هذا «الضبط» ضمن مفهوم واجب الرئيس في «حفظ النظام»، كما تنص المادة 30 من اللائحة الداخلية للمجلس. ولأي نائب في الجلسة ان يجادل المتزمتين بتحديد معنى «الاحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية»... كما نصت مادة القوامة الابوية في قانون الانتخاب، ومن له بالتالي مرجعية الحكم بتقرير «المعتمدة» ومن الذي اعتمدها وفي أي زمن تم اعتمادها.. واذا أفتى هؤلاء المتعصبون بمراجعهم المغلقة، فللغير ان يفتوا بمرجعية العقل الانساني والحرية التي لا يدركها هؤلاء . الخروج من القاعة وقت حلف اليمين للنائبتين ربما يكون افضل طريقة كي يمارس المتزمتون رفضهم لسفور النائبتين، وهذا هو المطلوب تماما.. اقصد ان يخرجوا احتجاجا من أوسع أبواب المجلس دون عودة. ))
يبدو ان الشعوب المسلمة متطرفة في كل الأحوال . فاذا ما طبقت العلمانية فهي تتطرف في تطبيقها الى حد اسقاط الجنسية عن مواطنة لا لشيء الا لأنها تمسكت بحجابها والى حد ارغام احد رؤساء وزرائها على تعليم بناته في امريكا لتجنب خلعهن للحجاب في جامعات بلده كما فعل اردوغان وكما تحارب الحكومة التونسية الحجاب بنفس الطريقة .
وعلى الجهة المقابلة نرى ان هذه الشعوب تتطرف في منع المرأة من حقوقها ومن التعليم ومن العمل بحجج ما انزل الله بها من سلطان . كما انها تتطرف في محاولة فرض انواع بعينها من الحجاب على المرأة وتتطرف في تطبيق الشريعة بمحاولة منع غير المحجبات من دخول البرلمان ولا هؤلاء راضون ولا اولئك راضون .
تثبت هاتان الصورتان باننا كمسلمين لازلنا بحاجة الى وقت طويل لنفكر ونجرب ونبلور نظرية جديدة لديمقراطية خاصة بنا , لا شرقية ولا غربية , نتفق عليها وتكون حلا وسطا بين العلمانيين والأسلاميين لكي نستطيع ان نبني مجتمعاتنا دون تطرف علماني او ديني .
التعليقات (0)