ص
مروة كريدية في حوار حول حرية المرأة والعمل السياسي
أجرى الحوار : شوان تافينك مدير تحرير - مجلة كولان - أربيل - العراق
العدد رقم 752 الصادر بتاريخ 12 أكتوبر 2009
مروة كريدية كاتبة تتناول المواضيع الفكرية بعمق وتعالج الظواهر السياسية والاجتماعية بروح "كونية"، ترى أن تعميق التقسيمات واتخاذها كمعيار لتصنيف البشر من شأنه أن يؤدي إلى العنصرية التي تكرس الحروب، وهي تؤمن أن السلام والعدالة لا يتحققان الا بوسائل عادلة ولاعنفية، وتعتبر ان ازمة الحرية هي أزمة وعي وان البنى المنتجة للعنف متجذرّة في الأسس البنيوية للأيديولوجيّات المتداولة في عالمنا بما فيها "الأديان" .
المرأة والسلطة :
يعتقد البعض بأن المرأة تكون حرة فقط عندما تصل الى مركز القرار أو قريبة منه، لكن في الشرق نرى معظم النظم السياسية تشارك المرأة في الحكم كاداة أو وسيلة لتجميل سلطتها، إذن ما هو تصوركم لمبدأ حرية المرأة؟
في البداية اشير الى أنه غالبًا ما يتم معالجة الموضوعات الخاصة بالمرأة وكأنها أزمة لا تخص كائنًا غيرها مثل:"الحرية" و"المساواة" "والحقوق" … وغيرها من المواضيع التي تعج بها الكتب والشاشات والبرامج والمؤتمرات، التي غالبًا ما تُرفَع فيها الشعارات المؤدلجة وتوضع أخرى، في أتونٍ محمومٍ، إن دلّ على شيئ فإنه يدل بالدرجة الأولى عن مدى الفوضى الفكرية التي نعيشها وغياب الوضوح المنهجي، وانعدام الأسس البنيوية لعلاج الظواهر الحياتية، كما تدل على أن مفهوم الكائن الانساني الحرّ المبدع مازال بعيدًا عنا كلّ البعد .
لأن هناك خطأ بنيويًّا فادحًا في الفلسفة التي تقوم عليها الممارسات المدافعة عن المرأة، فالمفاهيم المطروحة تنقل المرأة من واقع يختزلها، لواقع آخر ربما يكون أشد اختزالا لإنسانيتها، فتصبح عملية التحرر المزعومة عملية انتقال من عبودية لأخرى، و يصبح العنف مقنعًّا أو من لون آخر.
باختصار عندما نريد التحدث عن عن المرأة لا بد من طرح الموضوع ضمن سياقه الانساني الكوني العام
إذن كيف تنظرين حيال " حرية المرأة "في هذا السياق ؟
إذا ما أردنا أن نتناول موضوع حرية المرأة لا بد وأن ندرس ذلك من خلال الحريات العامة ، لأنّ أشكال العنف والقمع المُمَارس ضدَّ المرأة ، ليس إلا صورةً منعكسة للعنف الممارس ضد الإنسان ، فالرجل يتعرَّض للعنف وقمع الحرية أيضًا من قبل "السلطة"، وشتى الشرائح المجتمعية ترزح تحت وطأة العنف والقمع المنظَّم منه وغير المنظم، فحتى الأنظمة الحاكمة في الدول التي تُوصف بالضعيفة ترزح لسيطرة وهيمنة وعنف إدارات الدول التي تُوصف بالقويَّة، و التي تمنح لنفسها الحق الحصري في تقرير مصائر الشعوب وخياراتها، بدءًا من التأديب والحصار الإقتصادي وصولا إلى الاحتلال العسكري…..
فأزمة حريّة المرأة هي أزمة حرية الانسان، والانسان لا يكون حرًا إذا استعبد غيره ، فليس من حق الرجل استعباد المرأة كما ان حرية المرأة لا تعني استعباد الرجل … اذن لابد من الخروج من دائرة "العبودية" التي تكرس العنف ضد الكائنات الانسانية لبعضها .
بدون شك أن ما نشاهده الآن يشير الى أن أشد أنواع العنف الموّلد هذا وأقساه يقع على الحلقة الأضعف في المجتمع "الذكوري"، على الطفلة الأنثى ، فالعنف الممارس ضد النساء والأطفال، هو حلقة من سلسلة طويلة من العنف الموجَّه ضد الانسانية ، بل وضد الطبيعة الكونية، وهي أمور تنذر بكوارث حقيقية ما لم نسرع الى تحرير عقولنا من شتى أنواع القيود ونبذ العنف بكلّ أطيافه ومستواياته.
إن ازمة الحرية في مجتمعاتنا ترتبط وقبل كلّ شيئ بالوعي فلا يمكن ان نتكلم عن حقوق للمرأة في مجتمع تغيب عنه حرية وابسط حقوق الكائن المسمّى إنسانًا
عندما يتحرر الوعي في المجتمع ويعي الانسان إنسانيته بالدرجة الاولى فإن حرية المرأة وحقوق الطفل وغيرها من المفاهيم تكون تحصيل لأمر حاصل.
المرأة والعمل السياسي :
هل ضعف مشاركة المرأة في الحكم والسياسة يعود الى غياب الديمقراطية أم الى ضعف الارادة والوعي ؟
حق المرأة بالعمل السياسية لا يمكن ان يتلخص بالمشاركة السياسية الشكلية وحسب وان كانت هذه المشاركة هي أحد الوجوه ، فالمرأة ان لم تتحرر من داخلها وتعي ابعاد كينونتها الوجودية فإنها ستبقى "تابعًا " وان شاركت بالعمل السياسي، لان المشاركة وقتها ستكون مجرد مشاركة صورية عارية من المضمون الفعّال .
كما أنّ العلاقة وثيقة بين غياب الديموقراطية الذي هو أحد اوجه العنف الموجه ضد الانسان وبين تشكّل الوعي والهوية عند الانسان، حيث أن مفهوم السلطة في الدول المتخلفة يتأسس على مبدأ الهيمنة والسيطرة، على من يُصنَّف أنه أضعف، ومبدأ الهيمنة هذا قائم على تحكّم من يمسك بزمام السلطة، الذين هم الرجال في واقعنا لأن مجتمعاتنا أبويّةٍ ذكورية، و هم من يتحكمون في وسائل الإنتاج المادي والمعنوي، و هم من يحتكرعادة وسائل العنف الفيزيقي المباشر والرمزي والمعنوي و الديني …الرجال يحتكرون السلطة لانها تعني الهيمنة بالنسبة لهم.
أما عندما يكون مفهوم السلطة مرتبط بخدمة الانسان فإن الدولة تحمل مفهوم "التدوال" وهي بالنسبة لمواطنيها تلك الجهاز الحامي لهم والمدافع عن حقوقهم، ويصبح العمل السياسي ليس امتلاكًا وتحكمًا وهيمنة بل يرتبط بالخدمة والعمل و المشاركة في صنع القرار الخادم للإنسان والمدافع عن حقوقه
والسؤال الحقيقي العميق الذي يمكن ان نطرحه هل نريد استبدال هيمنة "الرجل " وقمعه بهيمنة "المرأة "؟ أم انه ينبغي علينا أن نُطور الوعي الانساني في اتجاه مفهوم "السلطة " و"الدولة " والعمل السياسي نفسه ؟
ان عملية استبدال "هيمنة " ب"هيمنة أخرى لا يخدم الانسان… المطلوب هو ان نعي جيدًا اننا كأفراد أحرار بناؤون في مجتمعاتنا لنا حقوقنا الفطرية التي لا يحق لأحد ان ينتزعها منّا سواء كنا رجالا ام نساءً ام أطفال …. ويحق لنا بإنسانيتنا أن نشارك في عملية صنع القرار .
كيف يمكن معالجة العنف ضد المرأة ومساندة حقوقها ؟ وما علاقة ذلك بثقافة المجتمع؟
كما أشرت سابقًا إن ّالعنف ضدَّ المرأة ليس حالةً طارئةً، هبطت من مكان مجهول، أو ظاهرة عرضيّة هامشية آنية تزول مع الوقت، ولكنه يُعدُّ بعدًا مؤسِّسًا للهويّة الإنسانية في المجتمعات.
فالبنى المنتجة للعنف متجذرّة في الأسس البنيوية للأيديولوجيّات المتداولة في عالمنا بما فيها الأديان، ومتأصلّة في البنيات الذهنيّة، والخلفيّات الفكريَّة للأفراد، وتُعدّ المركَّب الأساس في بنية المؤسسات الاجتماعية بما فيها الأسرة، التي ترعاه وتحتضنه.
فالأنماط التربوية المُتَّبعة تُكرِّس العنف، وتعمل على إنتاج شروط انتاج مجتمعات عنفية طائفية عنصرية من جديد، فالعنف يتحكَّم في اللاشعور الجمعي للمجتمعات البشرية ويُحرِّك دواليب الفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي …. على حدٍّ سواء، إنه جزء لا يتجزأ من المخزون الثقافي والإيديولوجي وعصارة إرث تاريخي ضخم حافل بشتى أنواع الاضطهاد .
أكرر ان حرية المرأة ترتبط بحرية الانسان وهي عملية تربوية تحتاج الى تغيير اجتماعي وتربوي وفكري وثقافي قبل كل شيئ .
ماهي الرؤيا التي يمكن تقدميها لانسان بشكل عام وللمرأة بوجه خاص كي تتحرر ؟
إن التعقيدات التي تواجهها المجتمعات تضعنا أمام تحدّي يُملي علينا أن نفكرّ بشكل مغاير للمعهود، والأحداث تجري اليوم بتسارع دموي، وكأن المستقبل معدوم، كما أنه لم يَعد ثمة حاضر، والصراعات بين الفرد والفرد، والفرد والمجتمع، تتعمق بإيقاع مخيف .
فلنهدأ ونخرج من حلبة العنف ودوامته، لنغادر الواقع الى واقع آخر نبنيه وعيًّا وحسًّا، (المغادرة تكون عبر الوعي) فلنطوي الزمان والمكان، فلنتجاوز الأفكار والمعتقدات ، ولنعمل على تأسيس واقع ينبني على معرفة الكون الخارجي الذي يتناغم مع المعرفة الداخلية للكائن الإنساني . أتساءل : كيف لنا كبشر أن نحلم بمجتمع راقي متناغم ونحن نعمل على إفناء الكائن الداخلي الروحي الكامن فينا؟؟؟
إنّ اختلال التوازن المتعاظم، بين الروح و المادة بوصفها "مردودًا" تُعرِّض البشرية للتهلكة، فالتعامل مع الانسان المختزل بالواقع المادي المنبني على المصلحة المادية وربط قيمة الانسان بمردوده وبالانتاج المادّي فقط سيؤدِّي لا محالة إلا انهيار المجتمعات ، لأن الرُّوح بُعد أساسيّ من أبعاد تركيبة الإنسان.
فلنحترم الكون، ونحترم الطبيعة، ونحترم الكائنات، ونحترم ذواتنا بكلّ أبعادها، ولنحترم حريَّة أرواحنا، ولنغادر مستوى الواقع الدموي المحموم ، إلى أفق مُشرقٍ، يرتكزُ على الوعي المنبني على التَّطوّر المتكامل للفرد روحًا ونفسًا وجسدًا وقلبًا، والرقي بالفرد والمجتمع، وفتح أفق غير محدود للمحبة والتسامح والإعتراف بحقوق الكائنات (كل الكائنات ) بالعيش في سلام .
إننا ككائنات إنسانيّة مخيرون اليوم وأكثر من أيّ يومٍ مضى، بين أن نتطوَّر على المستويات كافّة، أو أن نتلاشى ونختفي في أتون الصرعات والحروب، وهذا التطوّر الذي تقف الانسانية اليوم على حافته أشبه ما يكون بمخاض الولادة، ويرتبط بالدرجة الأولى بالعلم والوعي والثقافة وعلاقة الانسان بالانسان وعلاقة هذا الأخير بالكائنات .
قد يبدو هذا الطرح غير واضح ربما فهناك دوما تمييز بين المرأة والرجل وانت تتكلمين عن كائن كوني ماذا تعنين ؟
أن تكون كائنًا كونيًّا، فهذا يعني أنك منبثق عن حضرة التكوين، في هذه الحالة أنت تتساوى مع كل كائنات الكون أمام المكوُّن، وعندما نحترم كينونة الكائنات الأخرى، سنتناغم تلقائيًّا مع ما يدور حولنا، فنحب الكائنات ونتوحد معها ونتجاوزها، لأن عملية التجاوز هي أساس الحرية والانعتاق.
بعبارة ابسط : الانسان رجلا كان ام امرأة هو انسان ينتمي الى الكون وان تمام الانسجام مع مفردات الكون تحتم عليه احترام حقوق المخلوقات كلها.
عندها سنجدُ أنَّ ما من شيئٍ وُجِدَ في الوجود إلا تجلٍّ وجوديٍّ ومظهرٍ من مظاهرالتكوين، وأنَّ مامن شيئٍ إلا ويتغيَّر ويتطوّر في سيرورة مستمرة ونظام بديع، وتغدو كلَّ المتناقضات والمتضادَّاتِ مكمّلات لبعضها البعض بحسب مستويات الواقع التي تنتمي إليها، عندها سنعي أنّه لا يوجد تطابق تامّ بين الأشياء بل كلّ كائن حالة قائمة والحقائق متعددة بعدد الكائنات .
لعلَّ هذه الرؤيا تفضي إلى عصرٍ جديد للانسانية، قوامها روح التواضع، ومشاعر الامتنان للمكوّن، والودّ والاحترام لكائناته ومخلوقاته، فتصبح عملية اعتداء الكائن الانساني على الكائنات الأخرى أمرًا متعذّرًا .
بالعودة الى الشأن السياسي يمكن ان نجسد هذه الرؤيا السامية ونسمي الأمور بمسمياتها ؟
إن جوهر الأزمة السياسية والإقتصادية والاجتماعية في المنطقة كلّها من لبنان الى العراق الى أفغانستان …. يتمحور حول غياب العدالة ، فغياب العدالة يؤدي الى شعور بالغبن الذي يولد العنف … إذن العدالة هي المبدأ الأخلاقي القائم على احترام الحقوق الثابتة للكائن الانساني التي لا يحق لأحد مصادرتها، ومبدأ العدالة هذا يشمل كل انسان (بغض النظر عن لونه وجنسه وانتماؤه ومعتقده …) وينبغي علينا عندما نريد ان نحقق العدل ان نستعمل وسائل عادلة … فتحقيق العدل لا يكون بوسائل عنفية ، وينبغي على المجتمع أن يتجهز بالوسائل المؤسساتية التي تتيح لها تحييد محرضي العنف و الطائفية ونبذ الآخر ….
فالعدالة لا تعني الدفاع عن الظلم او معاقبة الخاطئ بل ايجاد المنظومة الوقائية لمنع وقوع الغبن بحق الانسان.واقامة العدل بحق انسان ظالم تعني محاولة ردّه واتاحة الفرصة له لان يكون عادلا .
مانراه اليوم فإن كل دول المنطقة لا تنعم بالسلام وان غابت عنها العمليات العسكرية لان العدالة والديموقراطية وحقوق الانسان غائبة فيها. فارادة السلام لا تعني غياب الحرب بل حضور العدل .
Shwan TAVING
Iraq- Erbil
Managing Editors of Gulan Weekly Political & Cultural Magazine.
—————————————————————————————————–
marwa-kreidieh-gulan-interview
التعليقات (0)