حاورته مروة كريدية: شاعر هادئ مسكون بحكمة حضارة متجذِّرة، يُذكِّرك وجهه بحكمة بوذا ولباسه الأنيق والمتواضع برهبان المعابد، ابتسامته تزيل عن جليسه الارتباك وسلامة محيَّاه تمنح الفرد الرغبة في الحديث معه . جذبتني روحه التي تكتنز عمقًا وجوديًّا لا يُستهان به، فوجدت نفسي أمام عملاقٍ روحٍّي فَهم مَغزى نظرة تجاوزت صور الاشياء، التقيته قبل ان اعرفه – ان صح التعبير- حيث كان يخاطب مترجمًا فاستدرت مكاني لألقي عليه التحية دون أن أدري.
لقائي معه ليس صحافيًّا و لم يكن مرتّبًا او على موعد مسبق ولم تكن الاسئلة فيه محضرّة او معلبة، كان محض صدفة ودردشة ، لذلك تبدو فيه الاسئلة على شكل مداخلات وأطول من الاجابات، وبعد ان استأذنته ان كان بالامكان كتابة ما يقول ونشر بعض منه حيّاني تاركًا الأمر لي. وأني بذلك اكتفي ان انقل للقرَّاء بعضًا من الحديث لان بعضه الاخر يتجاوز الاعلام والأدب ليدخل في عمل الروح والميتولوجيا والماوارائيات الصينية التي أعشقها ، غير اني احتفظ بها لذاكرة روحي.
•الحضارة الصينية عميقة عمق التاريخ نفسه ولطالما شكلت الحكمة الصينية القديمة منبعًا لرؤى ثاقبة مفعمة بالذكاء ، واليوم الصين تُعَدّ عملاقًا اقتصاديًّا منافسًا . بشكل عام نرى عنف المادة قد سيطر على حياتنا اليومية الامر الذي يطرح اشكالية علاقة الروح بالمادة من جديد في عالمٍ لا مكان لعمل القلب فيه... فإلى اين يتجه الانسان ؟
نعم ، الاقتصاد ينتمي إلى عالم المادة، غير ان الحياة الروحية التي نحياها هي التي تمنحنا اكتشاف ذواتنا وأنفسنا وداخلنا وتساعدنا على السمو والرقي والنقاء لنحقق انسانيتنا، وهكذا فإني اعتقد انه من الممكن ان نعيش بلا اقتصاد ولا يمكن ان نحيا دون الشعر
•اذن على ماذا تراهن حول إشكالية ما يصفه بعضهم "بالتفوق الصيني" في ما يتعلق بالحضارة الصينية وعلاقتها بغيرها من الحضارات ؟
بطبيعة الحال، فأنا أراهن على الثقافة والشعر الصيني ولا أراهن على الاقتصاد الصيني .... الثقافات والحضارات المتنوعة هي وجوه متنوعة للإنسانيّ، والتتمايز بينها يمنح الانسان غنى... ما يميز الشعوب الشرقية هو ثقافتها وهو الرهان .
•يقول اوشو ما معناه ان هناك الكثير من الأشياء التي لا يمكن التعبير عنها باللغات الغربية لأن التوجه الشرقي لفهم الحقيقة مختلف كليًّا من الناحية الضمنية والجوهريّة، الى اي مدى يمكن للشعر ان يكون لغة مشتركة ؟
ان إلتقاء الأفراد من بلدان مختلفة ومتنوعة لا تكمن اهميته في وجودهم بمكان جغرافي واحد واجتماعهم به لسبب ما بل في الحميمية الشاعرية والحوارات كالتي تجمعنا الآن وفي التواصل الانساني : الثقافي الأدبي والمعرفي والعلمي... ان الشعر يخلق مجالا حيويًّا وروحيًّا وكونيًّا تذوب من خلاله التمايزات والدرجات وتضمحل فيه فوارق اللغة و الاختلافات الأثنية والعرقية .
•استاذ يانغ خلال قراءاتي لشعراء من حضارات متباينة أستشعر الفروقات في البنية الأدبية "الشكلية" للقصائد فيما تبقى الهموم الانسانية واحدة . الى اي مدى تتشابه قصائد الشرق من بعضها البعض ؟
المعاناة الانسانية دومًا متشابهة فهناك تشابه على مستوى الآلام الشخصية والعامة و هناك تشابه أيضا على مستوى الزخم العاطفي والروحي وسط الفضاء الشرقي المميز الملتصق بالحضارتين العربية و الصينية .
•لمن قرأت من الشعراء العرب ؟
انا أقرأ لأدونيس دومًا فهو شاعر متألق ...
•أخط خواطري ومواجدي أحيانًا ولطالما أُسائل نفسي وانا استشعر عمق الحس الأنثوي في قصائدي ترى كيف يُعبرّ الرجل عن موضوع مشابه ؟
الشعر يساعدنا على اكتشاف ذواتنا و الحياة بحدسنا، والمرأة أقدر على التعبير عن مواجدها وأحاسيسها وشغفها، فحدسها أرق، والنساء قويّات جدًّا ومذهلات حقًّا، فالسيدات يمتلكن عين ثاقبة ترى مالا يراه الرجل ويمتلكن المقدرة على رؤية الحياة بطريقة خاصة.
•إذن كيف هو حضور المرأة الصينية في الميدان الشعري ؟
حاليًّا نشهد حضورًا قويًّا للمرأة في الميدان الأدبي والشعري بعد ان كانت في السابق تشغل المواقع الخلفيّة في المجتمع وكان الرجال اكثر حضورًا منها في المجال الفكري والأدبي ...المجتمع كان أكثر ذكورية. والان المرأة الصينية لها حضور خاص ومميز في الحياة العامة والحياة الثقافية و غدت اكثر تفاعلا مع كافة القضايا .
•من وحي و روحية دردشتنا هل تقرأ لنا بعضًا من شعرك ؟
أنا لست هنا
لطخة القلم المكتوبة للتوّ
طيرَّتها الريح الهوجاء
مثل عصفور ميت على وجهك يحوم
القمر يتبع الجنازة
يعيد أيامك إلى الوراء
إلى الصفحة التي أنت غائب عنها
كصوت شخص آخر
الصوت الخافت للماء يرتطم بالماء
يستحيل نفسا من غير قصد
عندما قصيدتك الخرساء تخترق العالم
الشاعر في سطور
ولد يانغ ليان عام 1955 ونشأ في بكين. تم نشر قصائده التجديدية لأول مرة في جريدة “Jintian”، وطالما كانت قصائده، ومن بينها قصيدته الطويلة “Nuorilang” محل نقد إيديولوجي حيث أثارت قصيدته الطويلة نورليانغ جدلا فكريًا ونقديًا واسعًا في الأوساط الأدبية الصينية.
ترك ليان الصين عام 1988، وحصل على العديد من المنح في البلدان الأوروبية، وقد شارك في معارض خارج الصين منها معرض دوكيومنتا للفنون في كاسيل في ألمانيا عام 1997، ، وحاز على جائزة فلايانو الدولية للشعر عام 1999، ويعيش حالياً في لندن.
http://www.elaph.com/Web/Knowledge/2009/4/434467.htm
التعليقات (0)