مركب الخوف .. الجن والمرأة والسياسة العربية ...!!!
الإنسان الذي لا يخاف أو لا يشعر بالخوف إنسان غير طبيعي أو غير سوي ، ذلك لأن الخوف غريزة في الإنسان كما هو عند الحيوان ، لكن هناك حالات متعددة للخوف تختلف من إنسان لإنسان آخر ، ويتوقف التفاوت من حالة لأخرى بحسب مصدر الخوف والقلق النفسي ، وبحسب بيئة الشخص الثقافية والاجتماعية ، وبحسب معتقداته واتجاهاته النفسية نحو مكونات بيئته المحيطة . ومن ذلك :
الخوف من المرض :
يتوقف خوف الإنسان من المرض على مدى تفاعله نفسيا مع بيئته الصحية وعلى صحته ، حيث في الوقت الذي لا تظهر على شخص أعراض الشعور بالخوف من الأمراض يصل الخوف لدى شخص آخر حد الرعب لمجرد ذكر مصدر الخوف بالنسبة له .
مخاطر الطبيعة :
ويتوقف خوف الإنسان من الحيوانات المفترسة أو الظلام أو الأماكن الخالية من البشر والموحشة أو القوى التي تثير الخوف بطبيعتها على تجاربه السابقة وبيئته الثقافية ومخزون ذاكرته من القصص والحكايات التي يرويها له الآخرون عن تلك المخاطر وتجاربهم في التصدي لها .
الخوف من الجن والعفاريت :
يتوقف الخوف من الجن على مفهوم "الجن" في الوعي المجتمعي ، فمجرد ذكر الجن أمر يستدعي "البسملة" في مجتمعاتنا ، وكلمة جن أو جني تعني في الذهن الشيء الخفي الذي يمكن أن يظهر فجأة وبشكل يثير الخوف بسبب غرابته وقدرته على التشكل بإشكال وألوان غريبة وبخاصة في الأماكن الموحشة والمظلمة .
ويرتبط إيذاء الجن للإنسان في هذا الذهن ( الواهم ) بسبب ما يحمله التراث عن الجن وما يستدل به بعض شيوخ الدين من أدلة لا تمثل إلا وجهات نظر مختلفة ، الأمر الذي أتخذه الدجالون والمشعوذون والسحرة ومدعي فك السحر مصدرا غنيا من مصادر الاسترزاق والابتزاز والدجل على عقول خلق الله ، فكان من مصلحة هؤلاء أن تنتشر الخرافة والفكر الخرافي بين الناس ، وكان لهم ذلك بسبب ثقافة الجن والتلبس التي تشكل أرضية صلبة لانتشار الخرافة حتى أن التعليم وقف عاجزا أمام سيطرة ثقافة الخرافة على الوعي المجتمعي .
المجتمع كأحد مصادر خوف الفرد :
يشكل الخروج على المعتاد والمألوف .. اجتماعيا أو ثقافيا أو فكريا مصدرا قويا من مصادر خوف الفرد الراغب في تحقيق رضا الجماعة ، وهو الرضا الذي لا يتحقق إلا كلما كان الفرد أكثر مسايرة وتوافقا مع السائد الذي قد يكون عائقا من عوائق الإبداع والتفكير بطريقة علمية . ومن الثابت علميا أن المسايرة والجمود الفكري في المجتمع من أهم عوائق الإبداع .
وتشكل المرأة في المجتمع السعودي مصدرا مربكا من مصادر الخوف والقلق النفسي للرجل والمرأة على حد سواء ، وذلك من زاويتين :
الأولى الخوف الذي أفرزه الخطاب المحذر من تفاعل المرأة مع المجتمع بشكل طبيعي لا يخرج عن قواعد الدين والقيم الاجتماعية وما ترتب على هذا الخطاب من فتاوى منع المرأة من المشاركة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية .
والثانية : الخوف الذي أفرزه الخطاب الديني المتشدد والمحذر من المرأة باعتبارها كيان مثير للفتنة ومن شأنه إغواء الرجل في كل أحواله .
وقد نتج عن هذا القلق الاجتماعي اتجاهات متشككة في نوايا الرجل والمرأة على حد سواء ومشككة في نوايا وأقوال كل من يطرح رأيا مخالفا لدعاة عزل المرأة عن المجتمع .
الخوف السياسي :
في العالم الثالث ، وبشكل خاص العالم العربي والدول غير الديمقراطية يسير الخوف في اتجاهين متعاكسين أحدهما يشكل السبب الأساس في نشوء الآخر .
في هذه الدول تفرض السلطة المطلقة ديمومتها بعملية انتخابية مزيفة تفضي إلى شرعية مزيفة تستمد منها بقائها واستمراريتها ، أو بالقوة والقهر وإخضاع الشعوب لإرادتها . ولأن الأمر كذلك يتولد الخوف لدى الحكام والمستفيدين من صيرورتهم حتى بعد أن أصبحوا واقعا مفروضا من حدوث شيء ما قد يؤدي إلى زعزعت ذلك الواقع ، فيكون من الأهمية بالنسبة لهم بناء صورة ذهنية دعائية تدعم بقاء هذا الواقع وديمومته ، وتقلب الألوان بحيث يُرى الأسود أبيض .. والعكس ، وتُرى الشمس تفاحة يمكن قضمها .. والعكس ، وترسم على خدود أفراد الشعوب لونا أحمر يراه الآخرون وردا وتراه الشعوب شيئا آخر ! وذلك من خلال صناعة الرسائل الإعلامية البارعة في تزييف الوعي وتمجيد الواقع وقلب الحقائق ، وكذلك من خلال احتكار السلطة المطلقة ومصادرة الحريات العامة .
ومع كل ذلك ما يزال الخوف يسكن أعماق الاستبداد والمطلق فيلجأ إلى سن القوانين اللازمة (للوقاية) وإنفاق المئات من الملايين على شراء أدوات (العلاج) وتسمى في مصطلح المعارضين "أدوات القمع" وفي مصطلح الحكومات بالردع ، وتعد "القوة" وتجهز لا لمجابهة عدو خارجي بل ليوم أسود قد يحدث في الداخل مستقبلا ، وهاهو قد حدث في ليبيا وسوريا فاتجهت تلك القوة بنيرانها إلى صدور مواطنيها العارية . وفي اليمن زاد إعلان الثورة الشعبية لنيّة الملاحقة القضائية بعد نجاحها لرؤوس النظام الحاكم من إطالة أمد الأزمة . .
هذا الخوف و"احترازاته" الجبارة ذات المظهر والملمس الناعم أنشأ خوفا معاكسا له في الاتجاه وغير مساوي له في القوة وهو خوف الشعوب الناتج عن تراكم خوف الفرد من بطش تلك "الاحترازات" وقوانينها ومحاذيرها ..
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)