عقدت الجامعة العربية إجتماعاً ( سريالياً ) للرؤساء والملوك العرب للتصويت على مرشح لرئاسة الحكومة العراقية الجديدة، بعد أن فشلت كل الجهود المحلية والخارجية لتشكيل هذه الحكومة. وقد وضعت الجامعة العربية جدولاً يضم أسماء سبعة مرشحين عراقيين لاختيار واحد منهم. ومن الجدير بالذكر أن اللجنة المشرفة على هذا الإجتماع حددَّت الحضور برئيس الدولة وشخص واحد يختاره الرئيس، أو الملك للحضور معه.. كما سمحت للعراق بالحضور فقط دون المشاركة بالتصويت، وقد بررت الجامعة ذلك، لكون رئيس الحكومة العراقية الحالي بلا صلاحيات أو حسب التعبير الإعلامي الخاص بقناتي الجزيرة والعربية (منتهية ولايته) .. فضلاً عن أن قائمتي رئيس الجمهورية، أو رئيس الحكومة العراقية هما من القوائم المتنافسة على الفوز بالمناصب.وبهذا فإن تصويت أي منهما في الإجتماع سيكون فيه ظلم لبقية القوائم ( والله يديم العدل، والعدالة العربية). بدأ الإجتماع ومنذ الوهلة الأولى إختلف المجتمعون حول رئاسة الإجتماع، فالرئيس القذافي طلب أن يكون هو رئيساً للإجتماع لأنه رئيس الجماهيرية الليبية ( العظمى ) ، والجماهيرية اليوم لاتقل وزناً ( وعظمة ) عن أمريكا، او بريطانيا، أو الصين .. ناهيك عن كونه شخصياً أقدم الرؤساء العرب، وعميد القادة في العالم لاسيما وقد مضى على (ولايته التي لم تنته) أكثر من واحد وأربعين عاماً، في حين أن أغلب الحاضرين لم تتجاوز أعمارهم الرئاسية، او الملوكية أكثر من عشرين، أو خمسة وعشرين عاماً.. لكن السلطان قابوس إعترض بقوة، وطلب أن تكون رئاسة الإجتماع من نصيبه، فهو الشخص الوحيد الذي يحمل ( شرف السلطنة ) في هذا الإجتماع، ولا سلطان في الأمة العربية غيره .. وبعد مشاحنات، وتجاذبات طويلة، قررت اللجنة المشرفة أن يكون الدكتور عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية رئيساً للإجتماع .. وما أن انتهت هذه المشكلة حتى ظهرت مشكلة أخرى.. إذ عاد القادة العرب للإختلاف حول الأسبقية في التصويت، إذ وضعت اللجنة شرطاً يكون فيه التصويت علنياً، وبالتسلسل – أي الواحد بعد الآخر - فضلاً عن أن التصويت يشترط ذكر السبب، بمعنى أن الشخص الذي يصوت بنعم، يجب ان يذكر سبب هذه الـ(نعم ) ونفس الشيء يطبق على حالة الرفض .. ولحل هذه المشكلة إقترح الرئيس المصري حسني مبارك إجراء التصويت حسب الحروف الأبجدية، وهنا نهض القذافي صارخاً : أيش حروف أبجدية، وأسخمية .. أيش هذا الحكي الخرفان .. هذا نظام صهيوني أمريكي .. نريد التصويت حسب الگرعة .. فوافق الحاضرون على نظام ( القرعة ).. ليبدأ التصويت.. بعد أن أدرجت الأسماء المرشحة السبعة على اللوحة الألكترونية، والأسماء المعلقة هي : نوري المالكي، عادل عبد المهدي، أياد علاوي، ابراهيم الجعفري، حسين الشهرستاني، أسامة النجيفي ومسعود البرزاني.. وقد فازت قطر بالقرعة كأول بلد يقوم بالتصويت.. وأعلن إسم نوري المالكي أول الأسماء التي سيتم التصويت عليها. حيث راح رئيس الإجتماع يقرأ ما مكتوب لديه عن شخصية المالكي.. فتحدث عن إنجازاته الأمنية الفائقة خلال فترة توليه رئاسة الحكومة، والجهود الكبيرة التي بذلها للقضاء على الفتنة الطائفية .. وإشتغاله على موضوع المصالحة الوطنية، وغير ذلك من الإنجازات. وقبل أن ينهي الرئيس حديثه عن المالكي، همس أمير الكويت باذن وزير خارجيته قائلاً : لماذا لم يذكروا توقيع المالكي على إعدام المجرم صدام ؟
فأجابه الوزير : لأن الدكتور عمرو يتحدث عن إيجابيات المالكي فقط، والجماعة يعتبرون إعدام المجرم صدام من الأعمال السلبية .. وحين أنهى رئيس الإجتماع حديثه عن فضائل المالكي، طلب من أمير قطر التصويت، و إعطاء الرأي أيضاً. فرفعت الشيخة (موزة) التي حضرت بصحبة زوجها يدها، معترضة على ترشيح السيد نوري المالكي، وحين سألها رئيس الإجتماع – حسب شروط التصويت - عن سبب الرفض، أجابت : لأن المالكي مش حلو!!
فضحك الرؤساء والملوك العرب، وبدأت القهقهات تعبر عن المستوى الطبيعي لها في مثل هكذا إجتماعات.. فقاطعها الرئيس قائلاً : ياشيخة موزة، لايمكن رفض مرشح رئاسة حكومة لأنه (مش حلو ) .. قولي غيرها الله يخليك.. ثم كيف يمكن لنا قياس (المش الحلو ) ، والناس تختلف في كل شيء؟ فوقفت موزة وقالت : إن المالكي شخص بسيط ومظهره يدل على ذلك، فهو مثلاً ( لازگ) ببدلة واحدة، وربطة عنق واحدة لايستبدلهما قط، وأنا كأمرأة (مودرن) أنظر الى هندام الرجل قبل النظر الى أي شيء آخر فيه، وأقيس على أناقته مقدار أمكاناته، وقدراته لقيادة بلد كبير مثل العراق. إن شكل الرجل يوحي للمقابل بشخصيته، وبمستوى تفكيره أيضاً. لذلك - والكلام للشيخة موزة - أرشح الدكتور عادل عبد المهدي بدلاً عنه. وبعد جر، وجذب وافق الحاضرون على رأي موزة، وتم إسقاط إسم المالكي من قائمة المتنافسين، لأنه ( مش حلو).. و(مو) أنيق، و(مو كشخة)..كما تقول موزة!! بعد ذلك، أعلن عن إسم الدكتور عادل عبد المهدي، وبدأ رئيس الإجتماع يتحدث عن إنجازات عبد المهدي، فقال : الرجل ذو قدرة سياسية بارزة، وعقلية إقتصادية أكاديمية متميزة، وهو أيضاً شخص معتدل، وبالقياسات السياسية، فهو يمثل الوسطية في المنهج الإسلامي، فضلاً عن كونه وريث ثقافة وقيم وخبرات وظيفية بارزة، فهو إبن عائلة كبيرة، وأبوه كان وزيراً للمعارف في العراق أبان العهد الملكي. وقبل أن ينهي حديثه عن الدكتور عادل عبد المهدي، نهض ملك البحرين معترضاً على ترشيح عبد المهدي، مبرراً ذلك بأن الدكتور عادل هو مرشح المجلس الإسلامي الأعلى، والمجلس الإسلامي الأعلى – كما يقول الملك – مرتبط بعلاقات ووشائج قوية مع إيران ..
فاعترض رئيس الجلسة قائلاً : إن إيران دعمت المالكي ولم تدعم عادل..
لكن الأمين العام المساعد للجامعة العربية همس في أذن موسى قائلاً: القضية لاتتعلق بإيران فحسب، إنما بقطر أيضاً، فالشيخة موزة هي التي رشحت الدكتور عادل، وأنت تعرف ما بين البحرين وقطر من تنافس .. فصمت الرئيس، ووافق على إسقاط ترشيح عادل عبد المهدي من القائمة.
بعد ذلك أعلن الرئيس عن إسم الدكتور أياد علاوي بإعتباره المرشح الثالث لرئاسة الحكومة العراقية، فضجت القاعة بالتصفيق، وبدأ الرئيس يتحدث بفخرعن إنجازات علاوي، مبتدءاً بمواقفه المعادية للطائفية ، ومواقفه الشجاعة في التصدي للفتنة، كما تحدث عن مقبولية علاوي في الشارع العربي، وموافقات الدول الكبرى على شخصه .. وعندما انتهى من ذكر سيرة علاوي، طلب التصويت حوله .. فنهض الرئيس الجزائري بو تفليقة، وقال : الشعب الجزائري يعترض على ترشيح علاوي.. لأن علاوي ساهم في الإنقلاب الدموي صبيحة الثامن من شباط، ذلك الإنقلاب الذي أطاح بالزعيم الوطني عبد الكريم قاسم..
فقاطعه الرئيس قائلاً : - وما علاقة الجزائر بعبد الكريم قاسم، إذا ما صدقنا روايتك حول مساهمة علاوي في إنقلاب شباط 1963 ؟
فقال بو تفليقة : إن الثورة الجزائرية، و الشعب الجزائري يحتفظان بتقدير خاص لشخص عبد الكريم قاسم، وذلك لمواقفه ومساندته الكبيرة لثورة التحرير الجزائرية .. ولا يمكن لنا أن ننسى ذلك أبداً..
فنهض عمرو موسى، وقال : (حبيبي بو تفليقة، أنت فين وعبد الكريم فين .. الكلام ده مر عليه نصف قرن .. وإحنه أولاد الساعة)؟
لكن إصرار الرئيس الجزائري على موقفه الرافض أسقط ترشيح الدكتور أياد علاوي .. ( ألم أقل لكم بأن هذا الإجتماع سريالي ) ؟
بعد ذلك أعلن عن إسم الدكتور إبراهيم الجعفري، وقبل أن يتحدث الرئيس عن شخصية المرشح نهض خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ليؤشر بعصاه على رئيس الجلسة قائلاً : - أشطب هذا المرشح (يعمرو) .. أشطبه (يعمرو) .. (يلله أشطبه يبو فاروق) ..
فقال له عمرو موسى:على عيني وعلى راسي يا جلالة الملك ، ولكن لماذا؟ فقال الملك عبد الله : لأن لقبه ثقيل على قلبي، ويسبب لي الضغط. فأشطبه. فشطب إسم الدكتور ابراهيم، وكتب أمامه : شطب من الترشيح لأن لقبه ثقيل على قلب خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وأبقاه.. !!
بعد ذلك أعلن عن إسم المرشح الدكتور حسين الشهرستاني، وراح الرئيس يتحدث عن القدرات العلمية الكبيرة للدكتور الشهرستاني في مجالات الطاقة النووية، والنفط، والصناعات المتقدمة .. ونضاله ضد الدكتاتورية، وسجنه في ( أبو غريب) وهروبه من السجن، وغير ذلك من المواصفات المتميزة. وما ان إنتهى الرئيس من حديثه، حتى نهض الرئيس السوداني عمر البشير معترضاً على ترشيح الشهرستاني، قائلاً : ان هذا الشخص مهووس بنفط العراق، وهو يريد زيادة تصدير النفط العراقي الى أرقام خرافية، ولو أصبح رئيساً للوزراء فسيؤثر كثيراً على حصصنا نحن المنتجين في أوبك..
فضحك رئيس الإجتماع، وقال له : يا فخامة الرئيس، السودان عرض بطول فيها سبعة براميل من النفط، فأية حصص؟ وأي تصدير؟.. و(أي بلاوي على رؤوسنا يا عم)؟ بعدها وافق المجتمعون على إعتراض السودان، وخاصة قادة الدول النفطية، فشطب إسم الدكتور الشهرستاني من قائمة الترشيح .. وعندما أعلن إسم النجيفي كمرشح سادس، إعترض الرئيس السوري على هذا الترشيح مبرراً ذلك بأن النجيفي شخص ( مو عربي ) وإن أصوله ترجع الى الشركس .. وبقي الأسد مصراً على إعتراضه، مدعياً أن العراق عربي، ويجب أن يكون رئيس حكومته ( عروبياً ) وحدوياً.. إشتراكياً..
فأخذ بإعتراض الأسد أيضاً، وأسقط إسم النجيفي من القائمة، ولا احد يعرف حتى هذه اللحظة سبب إعتراض الأسد حوله، فالنجيفي عربي من عائلة معروفة في الموصل، فضلاً عن أن توجهاته السياسية قريبة من توجهات الأسد .. لكن الأمر ظل لغزاً ولم يحل حتى هذه اللحظة ..
بعد ذلك، اعلن عن إسم المرشح مسعود البرزاني، وبدأ رئيس الإجتماع يتحدث عنه، وعن خصائصه، ومزاياه الطيبة وهي كثيرة جداً .. بدءاً من حمله البندقية والقتال جندياً في الثورة الكردية، ومن ثم قائداً لها، وليس إنتهاء بإتزان شخصيته. وما ان إنتهى من قراءة سيرة البرزاني، حتى نهض الرئيس الموريتاني، ليقفز نحو المنصة صارخاً : (نو برزاني نو.. نو).
فسأله الرئيس : (ايه الحكاية يا أخينا) ..؟
فأجابه الرئيس الموريتناي بالفرنسية : البرزاني لا يتكلم العربية؟؟
وهنا نهض الرئيس جلال الطالباني الذي كان حاضراً الإجتماع قائلاً : (أسكت يا قشمر)، فالأخ مسعود عراقي إبن عراقي، وهو يتحدث العربية أحسن منك، ومن (نص) الحاضرين.. كيف تتحدث عن عربية البرزاني وأنت تتحدث بالفرنسية ، ولا تعرف كلمة واحدة عربية؟
ورغم موقف الرئيس جلال الطلباني القوي ضد إعتراض الرئيس الموريتاني ، إلا ان الإعتراض قبل وتمت الموافقة عليه فأسقط إسم البرزاني من قائمة المرشحين.. وهنا وقف الدكتور عمرو موسى قائلاً : والآن ماذا نفعل يا حضرات السادة، فالقائمة العراقية رفضت بكل أسمائها.. ولم يعد لدينا أي مرشح للحكومة العراقية الجديدة .. وبعد دقيقة هي أشبه بدقيقة الحداد، وقف الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وقال : -
أنا أرشح الأخ عزت الدوري رئيساً للحكومة الجديدة كمرشح تسوية.
فسأله الرئيس : وما هو تبريرك لترشيح الدوري؟
فقال علي عبد الله صالح : هو شخص مناضل، وله تجربة طويلة في الحكم، ورجل عروبي، ومقبول من التنظيمات العربية والإسلامية، كما له كرامات شخصية ... فأنا رأيته بأم عيني، وهو يدخل السيف في بطنه من جهة، ويخرجه من الجهة الأخرى دون أن تسقط منه قطرة دم واحدة.. فضلاً عن أن في أبي أحمد ( ريحة ) الحبيب صدام ..
فوضع الحاضرون أياديهم على أنوفهم ... وكأنهم يشمون رائحة نتنة.. وهنا نهض أمير الكويت قائلاً بحدة : (يُبه) علي عبد الله، عمن تتحدث.. . (يا مناضل)، (يا مقبولية) .. هذا ( الريَّال ) يعَّض .. وكلكم تتذكرون عضَّاته أثناء المؤتمر الثلاثي (اللي صار بيني وبينه) بجدة قبل ( القزو ) ؟
فضحك الحاضرون، لكن الرئيس اليمني قاطعهم قائلاً : ياجناب الأمير هذا الكلام كان زمان.. اليوم عزت الدوري كبر وشاخ وهرم، وأصبح بلا أسنان، ولم يعد يعض، ولا حتى يخرمش
التعليقات (0)