بعد مخاض عسير وفترة حمل طويلة متعبة منهكة ، وبعد وعود وعهود ، ومصالحات ومناكفات ، سياسية واجتماعية ، وفي خضم تناقضات مختلفة على كل الصعد ،انتهت ازمة الانتخابات التي وصفت بالديمقراطية ، واشرف عليها نادي قضاة مصر ، انتهت الازمة وبدات بوادر الانفراج بالمؤتمر الصحفي لرئيس هية الانتخابات واعلانه تلك النتائج والتي افضت الى فوز ( مرسي بتاع الاخوان المسلمين ) ولقد لاحظت تهافت العامة على الترحيب بهذا الفوز والذي جاء كانقلاب على عهد المخلوع مبارك الذي يعاني سكرات الموت ، ورايت الكثير من الناس في ارجاء الوطن العربي - طبعا على شاشات التلفزة وهي تهلل وتصفق وترحب بمرسي الاسلامي بتاع الاخوان - ومن هنا يمكن الولوج الى لب الموضوع .. وسأشرع بتوضيح بعض النقاط المهمة :
اولا : لا زالت عقدة الدين عند الغالبية العظمى من الناس هي السائدة .. بمعنى يرى البعض ان الاسلام هو الحل ( وطبعا هذه مقولة للاخوان ) ولكن الا يشعر المسيحي في البلدان العربية مصر - في حالتنا هذه ربما ان المسيحية هي الحل .
ثانيا : نادت الثورة المصرية ثورة 25 يناير بدولة مدنية ، وهذا يعني تهميش الدين ، وجاء الرئيس من خلفية دينية متزمتة - الاخوان المسلمين - واذا كانا الرئيس مرسي ينادي بدولة مدنية فهل يعني هذا انقلابه على شريعة الاخوان - واذا كان العكس فهل يعني هذا انقلابا على الثورة والثوار ؟
ثالثا: نادى الرئيس مرسي بانه رئيس لكل مصر والمصريين - حتى انه سماهم بالاسم - من العمال واصحاب البسطات والمعلمين والكادحين ورجال الاعمال والسلك الدبلوماسي والشرطة والامن والجيش .. الخ .. وقال انه سيحافظ على كل تلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة - وكأن كل تلك الاتفاقيات والمعاهدات قرآن لا يجوز العبث به - وطبعا لا احد يضحك على احد فمرسي نفسه يعرف كما يعرف كل مصري ان المقصود بكل تلك الاتفاقيات والمعاهدات هي فقط وحصريا - معاهدة كامب ديفد - التي لا زال المصري يتجرع سمها زعافا مع طلعة كل شمس .. وفي هذا ملاحظات يمكن ان نوجزها كالتالي :
أ - ان الاخوان لا يفرقون عن مبارك وانور السادات كثيرا .. فهذا وقع المعاهدة .. ومبارك اكدها ودعمها .. ومرسي بتاع الاخوان يحافظ عليها ويلتزم بها .. ولا يجوز له ان يخل بها لانها كالكتاب المنزل - العبث بها محرم - فما الفرق ايها الفرق .
ب- ان ثورة المصريين والتي تزعمها على نحو ولو مستتر الاخوان منذ مقتل السادت الى الاطاحة بمبارك كانت على الدوام تنادي بحرمة التعامل مع اسرائيل ، وحرمة البيع والتطبيع .. وشعاراتهم وملصقاتهم في الشوارع والجامعات العربية لا تزال شاهدة على ما نقول .. فهل سيصافح مرسي بتاع الاخوان .. النتن ياهو .. واخوانه من ( ابناء القردة والخنازير ) وهي سيفقد مرسي الوضوء بعد المصافحة ام ان الصلاة جائزة بعد هذا اللقاء وهذا السلام ..فكيف سيستقيم الامر لمصر .. ولمرسي ... وقد قال وليت عليكم ولست بخيركم .. فلا خير فيكم ان لم تقوموني ولا خير في ان لم ...
ج- كيف سيتعامل مرسي مع قطاع غزة والمعابر والحدود والانفاق وحركة حماس وحركات المقاومة الاخرى ، وما هو دور مرسي كرئيس وقائد اعلى للقوات المسلحة ..ملاحظة : نادت الحركة الاسلامية مرارا بقتح المعابر ابان عهد مبارك المخلوع .. واتهمت النظام بالعمالة لاسرائيل وامريكا ضد العرب والمسلمين وغزة بمن فيها .. كما نادت بفتح الحدود ودعم المقاومة ... فماذا سيقول اليوم مرسي للمرشد العام للاخوان المسلمين وقد بايعه فور اعلان الفوز ..
د- هل سيكون الرئيس مرسي - على الرغم من اعلانه انه سيقدم استقالته من الاخوان - هل سيكون بمعزل عن الحركة وافكارها ونهجها .. وهل سيكون مستقلا عن المرشد العام .. وكيف سيتعامل مع باقي التيارات الدينية والحزبية السياسية والفكرية - طبعا هناك معرضة كثيرة لفكر الاخوان على الساحة العربية وليس مصرفقط .
اكتفي بهذه النقاط واقول :
لعل مرسي يحمل طموحا كبيرا يدعمه فكر سياسي وديني وحزب قوي تقف خلفة جماعة من اكبر حركات المجتمع المصري والعالم العربي ربما - الحركة الاسلامية بقيادة الاخوان - ولكن من الملاحظات التي برزت على الساحة فور اعلان النتائج ، ان حركة الاخوان ممثلة بمرسي ، لم تحصد الاصوات كما كان يتخيل افرادها وكوادرها ، ففي حين ان مجموع من يحق لهم الاقتراع والتصويت يفوق الخمسين مليون بقليل .. نجد ان ععد الذي شاركوا بالتصويت اقل او يساوي خمسة وعشرين مليون .. وهذا يعادل نسبة 51 % .. وهي نسبة متدنية جدا ..وهذا طبعا يعكس حالة من الاحباط لدى الشارع المصري عموما كما في الشارع العربي ايضا ..
وبملاحظة اخرى نجد ان مرسي لم يتفوق كثيرا على شفيق ( مرشح الحزب الوطني ولو انه جاء مستقلا .. وهو خليفة مبارك ولو انه انكر ذلك ) ومن هنا يمكن الخلوص الى ان نسبة من ايدوا مرسي لا تتفوق كثيرا على من ايدوا شفيق وبالتالي على من ايدوا مبارك او لا يزالوان يدينون بالوفاء لهذا الرجل .. وعلى الرغم من اشاعة الاخوان ان المجلس العسكري اقحم الجيش والامن في عمليات التصوين وهم بالباس المدني .. وهذه تهمة جاهزة عند الاخوان في اي انتخابات في الوطن العربي حتى ولو كانت انتخابات نقابية او جمعية خيرية ..
اذا التركة التي ورثها مرسي تركة ثقيلة ..جسيمة ..عظيمة ... يكتنفها الكثير من القضايا والتناقضات الطائفية والحزبية والدينية والاقتصادية والاجتماعية ..وبالتالي فان العيون تتطلع الى مرسي 10/10 وسيكون تحت المجهر المحلي المصري والعربي والاسلامي والعالمي .. وسيواجه الكثير من القضايا التي ليس اقلها علاقة مصر بالعالم العربي وخصوصا غزة وفلسطين ... وسوريا ... واسرائيل ...
من وجهة نظر شخصية ( انا محمود المصلح ) اتمنى لمصر كل الخير والبركة والسلام والمحبة والتقدم والازدهار والمنعة والعزة ...كما اتمنى لمرسي التوفيق والنجاح .. ولكن من منطق الواقعية اجد الثورات في مصر لن تتوقف .. وان ميدان التحرير لن يخلو من الثوار في يوم من الايام .. وان مرسي سيخفق كثيرا في الكثير من القضايا التي خلفها النظام والتي تحتاج الى ارادة وطنية وقوية قادرة على اتخاذ قرارات تغير شكل المنطقة والعالم ...ولا اجد في مرسي ما يمكن ان يحقق ذلك .. وسيواجه الكثير من العقبات والمعيقات على مستوى التعاون بالداخل والخارج ما لم يخضع لكل تلك المنظومة التي تدير شوؤن الشرق الاوسط وربما العالم ضمن اطار المصلحة والمصلحة فقط .
التعليقات (0)