مواضيع اليوم

مرحلة من التاريخ .

هشام الصباحى

2009-03-22 08:40:59

0


 

 

 

مرحلة من التاريخ

   فرمان بونجق :

بعد انقضاء قرنٍ من هذا اليوم ، أو من هذا الشهر ، أو من هذا العام ، سيتحدث الناس آنذاك عن حيواتنا ، وما اكتنفته هذه الحيوات من أحداث جسام ، باعتبارها جزءاً من التاريخ ، و سيبذل الباحثون في التاريخ حينئذ المزيد من الجهد ، للوقوف على صحة وصدق ودقّة ما وصلهم من هذه المرحلة التاريخية ، وقد يتفقون ، أو يختلفون في بعض الجزئيات ، إلاّ أنه من المؤكد سيسِمونَ المرحلة ببعض سماتها الواضحة ، وستعمل المدونات التي سنورّثها لأجيال تلك المرحلة من المستقبل ، على إضاءة العديد من الزوايا المظلمة ، التي لا يرغب البعض في إضاءتها والوقوف عليها ، ليتسنى لهم تدوين ما يشاؤون ، إخفاءً وتزويراً ، وذلك أملاً لما سيعرف فيما بعد على أنها حقائق تاريخية .
ومن أبرز ما سيتناوله العامة قبل الخاصة ، أنه مع بداية انتصاف القرن العشرين ، ولغاية بداية القرن الحادي والعشرين ، نشأت دولتان مهمتان في شرق المتوسط ، وأدار دفة الحكم فيهما نظامان متشابهان ، تميزا بالإصرار على التمسك بمقاليد الحكم إلى الأبد ، مستندين في حكمهما لشعوب المنطقة ، على الترهيب والقمع والقتل والسحل ، وقد كثرت في عهديهما السجون والمعتقلات ، ونشط الجواسيس والعملاء ، ونشأت ظاهرة الاختطاف والاختفاء ، والمقابر الجماعية ، وغابت العدالة ، وساد الفقر والجهل والمرض ، وثُكّلتْ الأمهات ، ورُمّلت الأزواج ، ويُتّم الأبناء ، واختلط الحابل بالنابل .
وسوف يدرس الطلبة والتلاميذ في كتب التاريخ الإلكترونية ، أن إحدى هاتين الدولتين سُحقتْ تحت سلاسل مدرعات إمبراطورية غاضبة في ذلك العصر ، واقتيد رأس الدولة وأعوانه إلى المحاكم ، ولُفَتْ حبال المشانق على أعناقهم ، وتناثرت عائلاتهم في مجاهل الأرض ، ولم يبق فرد على فرد ، وقد تم توثيق كل تلك الأحداث بشكل مرئي ، وتناقله العباد عبر أقاصي المعمورة ، بالتلفزة ، والهواتف النقالة ، واليو تيوب ، وسيعرض المدرسون كوسائل إيضاح ، تلك الصور على السبورة البلازما بأبعادها الثلاثية .
وسيذكر التاريخ لحظتئذٍ ، أن النظام الذي كان يحكم الدولة الأخرى ، والذي أفلت من قبضة جحافل الإمبراطورية الغاضبة ، ازداد عداوةً لكافة مظاهر العلم والثقافة ، وفرض الرقابة على المثقفين ،وحاصر المطبوعات ، وحجب المواقع الإلكترونية ، واعتقل المدونين ، وأصدر قضاؤه الأحكام الجائرة بحق الكتاب والصحفيين ، وبنى المزيد من السجون لاحتجاز رواد الفكر الديمقراطي ، وعمل على هدم المسارح بالجارفات ، ومنع الاشتغال بالموسيقى والغناء والرقص ، وارتداء الملابس الفولكلورية ، وحظر تعليق الزينة وإيقاد الشموع في المناسبات ، تحت طائلة إطلاق الرصاص الحي دون تمييز .
أضف إلى ذلك أنه منع بيع وشراء ورهن العقارات ، إلاّ بإذنه . وقسّم الرعية إلى مواطنين ، وغير مواطنين ، ودخلاء ، وانتزع منهم أراضيهم الزراعية ، وحرم عليهم العمل ، والسفر ، والنوم في الفنادق ، والعلاج في المستشفيات العامة ، واتهم كل من يخرج عن طوعه وإرادته ومشيئته ، بالخيانة العظمى .
ربما في تلك الآونة ، أي بعد ألف عام ، ستُبدي تلك الأجيال اشمئزازها ، ويأسها وقنوطها ، من الاستبداد والإجحاف الذي لحق بهذه الأقوام ، متسائلين باندهاش : في أي زمن كان هؤلاء يعيشون ؟. وربما يزيدون على ذلك قائلين في صيغة تساؤل : ألم يكن في ذلك العصر منظمات لحماية حقوق الإنسان ؟. وماذا عن المحاكم الدولية ؟. ألم تكن موجودةً في ذلك الإقليم من العالم ؟. وعندما يعودون للوثائق التاريخية ، سيقرؤون : أن أحدهم وفي مكان مشابه ، كان يحكم زهاء أربعين مليوناً من البشر ، وكان يقتل منهم ما يشاء ، وعندما احتج المجتمع الدولي ، على قتل واغتصاب وتهجير مليون ونصف من مواطنيه ، وأصدر مدعي عام المحكمة الدولية مذكرة بتوقيفه وتقديمه للمحاكمة ، وقف وسط أعوانه قائلاً وبالصوت العالي : أعضاء المحكمة ، ومدعي عام المحكمة ، وكل من وقف وراء المحكمة ، تحت جزمتي هذه .
ربما عندها ، وأقول ربما ، سيقف أحدهم أو أكثر متسائلين وبشغف : هل كان هؤلاء البشر يعيشون عل هذا الكوكب ، الذي نعيش عليه الآن ؟!.

 





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !