يرى المفکر الايراني الکبير الراحل مرتضى مطهري في کتابه المشهور(نظام حقوق المرأة في الاسلام)، و عند تصديه لمسألة"المکانة الانسانية للمرأة في نظر القرآن"، ان المرأة من المنظور الاسلامي هي شريك للرجل في الانسانية وان جوهر النظرة الاسلامية للمرأة هو الاخذ بمبدأ المساواة بين المرأة و الرجل و رفض کل مايخالف ذلك، وقبل تعمق و إستطراد و إسهاب مطهري في کتابه"الاطروحة"هذا، يتناول مسألة العلاقة العاطفية بين المرأة و الرجل و يؤکد على أن المرأة قد تنسى کل شئ لکنها لن تنسى أبدا کلمة(أحبك) التي يهمسها الرجل في أذن المرأة.
مطهري، العلامة و الفيلسوف الايراني الکبير، له طروحات و أفکار متباينة أکثر من جريئة و إستثنائية في مجال تفسير و تأويل النظرة و الفهم الاسلامي للواقع الموضوعي، فهو قد طرح النظرية الجنسية في الاسلام، کما أوضح بأن السمة و الصفة التي تميز الانسان عن الحيوان هي مسألة الايمان، فالانسان کائن مؤمن لکن الحيوان يفتقر الى هذه الصفة، ولذلك فإن الانسان من وجهة نظر مطهري هو أسمى و أرقى و أکثر الکائنات تکاملا و تکوينا، ومن هنا، فإنه وعندما يقر بمبدأ المساواة بين المرأة و الرجل و يصر على أنه ينبع من جوهر الفکر الاسلامي، فهو يضع حدا فاصلا بين فهمه و تأويله للنص الديني و بين فهم و تأويل أقرانه الآخرين من رجال الدين للنص الديني، والحق أن مرتضى مطهري الذي کان يحظى بصفة(آية الله)، و کان عضوا في مجلس قيادة الثورة الايرانية، والذي قد أغتيل على يد منظمة فرقان بعد شهرين فقط من نجاح الثورة الايرانية، لو قدر له البقاء لکان من المؤکد جدا إصطدامه الحتمي مع رجال الدين المتزمتين و من يدري فقد کانوا ينزعون عنه کل الصفات و المناصب و يفرضون عليه الاقامة الجبرية کما حددوها على آية الله منتظري(الذي کان نائب الخميني)لکونه کان يطرح أفکار و طروحات تناقض و تخالف جوقة المتزمتين و المتشددين من رجال الدين، بل وان مفکرا کالمطهري الذي کان يتميز بمحاججته و محاکاته الفلسفية العميقة لکل أبجديات الواقع الموضوعي، لم يکن أبدا بالامکان تليين مواقفه الفکرية او تأطيرها من أجل مسائل سياسية او مذهبية ضيقة، فالرجل کان أکبر من ذلك بکثير، فهو وان لم يبلغ مستوى العلامة الايراني الاکبر آية الله حسين طباطبائي، لکنه کان يسير بنفس الطريق و يسلك نفس السبل و يغرف من ذات النبع الرقراق، ومن أجل ذلك فإنه کان سيستمر على نهجه الفلسفي ذو البعد الاستقرائي المحاجج أبدا، ولانعتقد بأن فکر الخميني و أقرانه الاخرين کان بإمکانه إحتواء و تحجيم هذا المفکر الجليل، لأن من يطالع کتاباته و يتأمل بعمق و أناة في طروحاته الفکرية و الاجتماعية و الفلسفية، سيتوصل الى قناعة کاملة بإستحالة ذلك.
الثورة الروسية عندما حدثت أکتوبر عام 1917، شهدت فيما بعد امرا مهما وهو إنشقاق المفکر الروسي ليون تروتسکي صاحب اطروحة"الثورة الدائمة"، والذي کرس لينين و من بعده ستالين و أساطين الثورة الروسية الاخرين للرد عليه و دحض أفکاره و طروحاته و بالاخص نظريته بخصوص الثورة الدائمة، لکنهم لم يتمکنوا من دفعه للإستسلام و الرضوخ لمشيئاتهم ولذلك فلم يکن أمام الزعيـم الدموي ستالين في النهاية من مناص سوى اللجوء لإغتياله، وأعتقد بأن هناك الکثير من أوجه الشبه بين مطهري و تروتسکي إذ کما کان تروتسکي المفکر الوحيد الذي يضاهي لينين و لم يکن هناك من مفکر روسي آخر في ذلك الوقت يرقى الى مستواه، فإن مرتضى مطهري کان أيضا المفکر و الفيلسوف النادر من بين صفوف رجال الدين المشارکين بالثورة، وکما کان لتروتسکي آراء و طروحات و أفکار غير مألوفة و إستثنائية، فإن لمطهري أيضا آراء و أفکار مثيرة للجدل و تعتبر استثنائية ازاء آراء و أفکار و طروحات أقرانه الاخرين.
مطهري و تروتسکي، کلاهما أنهيت حيتهما بالاغتيال السياسي، لکن نقطة الاختلاف الکبيرة بينهما هو أن تروتسکي قد لبث فترة کافية ليشهد إنحراف الثورة الروسية عن مبادئها و إستغلالها من قبل أفراد دمويين کجوزيف ستالين، في حين لم يتسنى لمطهري البقاء حتى يشهد اطروحة ولاية الفقيه و جعل العمامة الدينية مکان التاج الشاهنشاهي!
التعليقات (0)