مرافعات في محاكمة نابليون الثالث
" أنا امامكم ايها السادة أمثل مبدأ, وقضية, وهزيمة. المبدأ هو سيادة الشعب. القضية هي الامبراطورية. الهزيمة هي واترلو. المبدأ اعترفتم به. القضية كنتم في خدمتها. الهزيمة تريدون الانتقام لها.... لا أنتظر منكم عدالة. ولن استجديها من سامحتكم". ( تصريح لويس نابليون امام المحكمة).
" بين كل قاض ومتهم يقوم حَكَم دائم لا يمكن تجنبه" ( بيريه محامي لويس نابليون).
اذا كنتم لا تستطيعون ان تكونوا نزهاء تحت سيطرة وضغط قانون سياسي كيف يمكن اذن ان تكونوا قضاة" ( بيريه)
" اكثر الرجال حيوية, أكثرهم شعورا بما تفرضه عليهم الواجبات, وايمانا ووفاء لما التزموا به من افكار, هم من ُينظر اليهم على انهم متمردون ومواطنون سيئون, وهم الاكثر عرضة للاتهام والملاحقة" (بيريه).
العودة منا لدعاوى قديمة لماذا؟
وثائق مداولات واحكام وقرارات القضاء تسجل وقائع تاريخية مهمة , وتعطي مصداقية كبرى لرواية احداث التاريخ. كما تعكس حضارة وثقافة الشعوب وطرق تفكيرها, والقوانين والاعراف السائدة فيها في مراحل معينة. ومنها يتبين تطور القوانين والعقوبات, وطرق تنظيم العلاقات داخل الدولة وعلاقاتها مع الخارج.
فتاريخ القضاء في فرنسا خلال 5 قرون يسجل دعاوى وقضايا كبرى , منها ما اشتهربنزاهته, ومنها ما كان مجال جدل, ومنها ما كان مشوبا بأخطاء قضائية اشرنا لبعضها في مقالات سابقة ومنها مقالنا " في ادبيات القضاة". واعادة ذكرها في ايامنا هذه ليس بقصد اعادة الحقوق لمن فقدها, ولا الحياة لمن فارقها, ولا للعن من كان السبب, فهذه امور لا تخطر بطبيعة الحال بعقل عاقل. وانما لأخذ الدروس والعبر من التاريخ, والتمعن في تجارب السابقين من بني البشر.
ولا يُفهم القضاء جيدا: تنظيمه, مهامه, تطوره, وحتى مشاريع اصلاحه, الا بالعودة لتاريخه, ولوثائق محاكمه, وللتاريخ بشكل عام. فمثلا لفهم الإجراءات الجزائية inquisitoire في القانون الجزائي الفرنسي, والتطورات اللاحقة, لابد من العودة للتاريخ القضائي في فرنسا في القرون الثلاثة الاخيرة من العصور الوسطى ( الاجراءات inquisitoire هي الاجراءات السرية غير المكتوبة وغير الوجاهية. في حين ان الاجراءات accusatoire هي اجراءت مكتوبة وعلنية , ووجاهية. والقاضي فيها لا يملك اية سلطة تحقيق, ويحكم فقط بمقتضى العناصر المقدمة امامه من قبل اطراف الدعوى). وصولا الى ما يجري العمل عليه حاليا : إجراءات inquisitoire في مرحلة التحقيق و accusatoire في مرحلة الحكم. و للاستيعاب الجيد لمفهوم العقوبات وانواعها, لابد من الاطلاع على التطورالكبير من نظام المحاكمة بالتعذيب ordalie والدليل الالهي , وحكم الله, الذي تخلت عنه الكنيسة عام 1215. والمبارزة القضائية المنتهي في القرن 14 , مرورا بنظام العقوبات الجسدية التي كان يتفنن بدرجات وحشيتها, وصولا الى مفهوم العقوبات و تطبيقها في ايامنا هذه. لابد اذن من التاريخ, أو شيئا من التاريخ.
ساهم المحامون, المبرزون, ورجال القانون مساهمة كبيرة في كتابة هذا التاريخ, في مرافعاتهم التي كان لها الاثر الكبير في اصدار الاحكام والقرارات التي تصدرها المحاكم بأنواعها ودرجاتها على النحو الذي تصدر به. كما كان لهذا اثره العميق في توجهات المشرعين وصياغة القوانين .
ليس هدفنا هنا الحديث, أو بعضه, عن العوامل العديدة التي قادت وتقود لتطور المجتمعات والشعوب والدول وانظمتها, وانما اردنا فقط الاشارة الى ان تاريخ القضاء, كما اشرنا, يعكس بصدق القيم السائدة في مجتمع معين في مرحلة معينة. ومن هنا يبدو لنا من المفيد الاشارة لمرافعات في دعاوى وقضايا كبرى امام المحاكم الفرنسية ليس فقط لأهمية ومكانة الاشخاص الذين مثلوا امامها, ولخطورة الاتهام وجرأة الدفاع, وانما كذلك للإشارة لطبيعة المرافعات التي يختلط فيها , أحيانا كثيرة, القضائي بالسياسي. والنزوع الدائم للسياسي على ارضاخ القضائي. لقد سبق ان عرضنا مرافعة فيكتور هيجو في الغاء عقوبة الاعدام. ومرافعات في قضية لويس السادس عشر. ونرى ان نضيف هنا مرافعات في دعوى لويس نابليون.
مرافعات في دعوى شارل لويس نابليون بونابرت
نبذة موجزة عن المتهم في الدعوى المذكورة
شارل لويس نابليون بونابرت ( 1808/04/20 ــ 1873/12/09 ) أمير فرنسي وامير هولندي بالولادة: الابن الثالث للويس بونابرت ملك هولندا. والدته Beauharnais Hortense ابنة الامبراطورة Joséphine . ابن اخ الامبراطور نابليون الاول الذي كتب لأخيه مهنئا " اهنئك بولادة ابنك الثالث وارغب ان يُسمى هذا الامير : شارل نابليون". اصبح شارل نابليون الوريث على العرش الامبراطوري بعد موت اخيه البكر عام 1831 واخيه دوقReichstadt (نابليون الثاني) عام 1832.
قام بمحاولة انقلابية فاشلة في 30 اكتوبر 1836 ابعد بعدها الى الولايات المتحدة الامريكية. في 6 اوت 1840 قام بمحاولة انقلاب أخرى كان مصيرها كسابقتها, ولكن تم ايقافه هذه المرة وتمت محاكمته التي سنتعرض لها, وحكم عليه بالسجن المؤبد. استطاع الفرار من سجنه في عام 1846 ليقيم في لندن. وقد اعلن الجنرال كيبير Gubière المكلف بحقيبة الحرب عن هذه المحاولة بقوله: " انتهكت عصابة من المتآمرين القادمين من موانئ بريطانيا بأمرة شارل لويس نابليون بونابرت, بعد العفو الذي صدر بشأنه, مع عدد قليل من مثيري الاضطرابات, حرمة التراب الوطني, فتجرأوا على الانتشار في ساحة بولونيا حاملين راية التمرد. وقد تم ردهم الى الامواج التي كانت قد تقيأتهم على شواطئنا. القي القبض على بعض انصار بونبارت, وقتل بعضهم وغرق الاخرون. " (مشار اليه في كتاب P. Milza نابليون الثالث).
من الازمة الاقتصادية التي بدأت عام 1847 ولدت ثورة 22 ـ 24 عام 1848 التي اسفرت عن خلع الملك لويس فيليب.
في 10 ديسمبر 1848 انتخب شارل لويس نابليون بونابرت اول رئيس للجمهورية بفرنسا باقتراع عام بنسبة 57% . وفي 2 كانون الثاني 1851 اعد انقلابا على حكومته للاحتفاظ بسلطاته قبل انتهاء فترة رئاسته. في 21 ـ22 1851 تم اقرار النظام الجديد وابقاء السلطات بيد لويس نابليون باستفتاء وبنتيجة 7 ملايين صوتا بنعم ضد 60000 صوت بلا.
في 2 ديسمبر 1852 اصبح شارل لويس نابليون امبراطورا واخذ اسم نابليون الثالث, وبدأت الامبراطورية الثانية من 1852 الى 1870. انتهى نظامه اثر هزيمته في الحرب الفرنسية البروسية عام 1870. عام 1873 توفي شارل لويس نابليون بونابرت في بريطانيا.
تصريح لويس نابليون امام المحكمة:
بعد محاولة الانقلاب الفاشل على النظام الملكي ليلة 5 اوت 1840 القي القبض على لويس نابليون بونابرت وجرت محاكمته امام محكمة باريس Chambre des pairs . وسنشير هنا لتصريحه اثناء محاكمته ثم الى مرافعة محاميه برييه Berryer . واخيرا لرسالة شكر لويس نابليون للمحامي المذكور.
بدأ لويس نابليون تصريحه بالقول:
" للمرة الاولى في حياتي سُمح لي اخيرا بإعلاء صوتي والتحدث بحرية في فرنسا. رغم الحرس المحيط بي, ورغم الاتهامات التي سمعتها للتو, فاني أرى هنا بين جدران مجلس الشيوخ هذا ,(مكان محاكمته), الكثير من ذكريات طفولتي الاولى, وبينكم انتم الذين اعرفكم .
ايها السادة لا اعتقد اني بحاجة هنا للتعريف بنفسي, ولا اعتقد بانكم تستطيعون ان تكونوا قضاتي. ولكنها مناسبة علنية لأشرح لمواطني سلوكي, و نواياي, و اهدافي, هذا ما اعتقد انه باستطاعتي.
اُذكّر بهذه المناسبة المفتوحة لي, دون استعلاء ولكن دون ضعف, بما وضعته الامة من حقوق بأيدي عائلتي. هذا فقط للتذكير بما تفرضه هذه الحقوق علينا من واجبات تجاه الامة.
منذ 50 عاما ومنذ ترسخ مبدأ سيادة الشعب في فرنسا وفي العالم بفضل القوة العظمى للثورة, لم تكن مطلقا الارادة القومية معلنة ومكرسة ومعبر عنها بالاستفتاءات العامة العديدة والحرة, ودون معارضة, في تبني دساتيرالامبراطورية مثلما كان الحال عليه آنذاك.
لم تلغ الامة مطلقا عقد سيادتها, وقد اعلن الامبراطور " كل ما يتخذ خارج سيادة الامة هو غير مشروع".
احتفظوا باعتقادكم باني كنت مدفوعا بطموحات شخصية, وباني, رغم عدم رغبة فرنسا, حاولت اعادة الامبراطورية اليها.
لقد تربيت على الدروس الكبرى, وعشت في ظل انبل الامثلة. والدي تنازل عن العرش, دون اسف, في اليوم الذي قدر فيه بانه من المستحيل التصالح مع مصالح فرنسا ومصالح الشعب الذي دعاه للحكم.
عمي الامبراطور فضل التنازل عن الامبراطورية على ان يقبل بمعاهدات تضيق حدود فرنسا وتعرضها للاحتقار والازدراء والتهديد الخارجي, مثلما هو الحال اليوم
الابعاد الفظ وغير المستحق الذي عوملت به خلال 25 عاما من حياتي, من المسيرة نحو العرش حيث, ولدت, الى السجن الذي منه اليوم خرجت , امور اتعبتني, ولكنها لم تستطع ان تجعلني يوما خارج الكرامة, غريبا عن المجد, بعيدا عن الحقوق وعن مصالح فرنسا . سلوكي وقناعاتي تبرهن على ذلك.
عندما استعاد الشعب الفرنسي عام 1930 سيادته اعتقدت, غداة هذا الفتح, انه سيكو ن ميمونا, كالفتح نفسه, وان اقدار فرنسا قد تحددت نهائيا. ولكن البلد عرف تجربة حزينة في اعوامه العشرة الاخيرة. اعتقدت ان تصويت اربعة ملايين مواطن لعائلتي تفرض علينا على الاقل واجب استدعاء الامة و استجواب ارادتها. اعتقدت انه ان ظهرت , خلال المؤتمر الوطني الذي اردت الدعوة اليه, بعض المطالبات , سيكون عندي حينها حق ايقاظ الذكريات المضيئة في الامبراطورية, والتحدث عن الاخ البكر للإمبراطور, هذا الرجل صاحب القيم , الذي كان جدير قبلي بالميراث, هو اليوم مستضعف ومنسي في مؤتمر الملوك. كانت فرنسا عندها قوية في الداخل قوية في الخارج ومحترمة. نهاية الآمنا وخصوماتنا تتبع القرار الحر لفرنسا, جمهورية اكانت, ام ملكية ,ام امبراطورية.
فيما يتعلق بأهدافي اكرر بان لا يوجد لي شركاء. لقد عزمت على ما قررته وحيدا, لا يعرف احد مقدما مشاريعي ومصادري ولا آمالي. فاذا كنت مجرما ضد أحد فذلك فقط تجاه اصدقائي. مع ذلك لا يتهمونني باني تجاوزت حدود الشجاعة و الوفاء تجاههم. انهم يتفهمون الاهداف النبيلة والحذر الذي يسمح لهم بان يكتشفوا بأنفسهم كم هي نبيلة وعميقة اهدافي, وكم كان الأمل بالنجاح كبيرا.
الكلمة الاخيرة ايها السادة: أنا امامكم أمثّل مبدأ , وقضية, وهزيمة. المبدأ هو سيادة الشعب. القضية هي الامبراطورية. الهزيمة هي واترلو. المبدأ اعترفتم به. القضية كنتم في خدمتها. الهزيمة تريدون الانتقام لها. لا. لا يوجد خلاف بيني وبينكم. ولا استطيع الاعتقاد بان اكون منذورا لتحمل عقوبة اخلال الاخرين بواجباتهم.
كممثل لقضية سياسية, لا اقبل ان تكون محاكمة اهدافي واردتي وافعالي من قبل محكمة سياسية. هيئتكم هذه لا ينخدع بها أحد. في الصراع المفتوح لا يوجد الا منتصر ومهزوم, لا اتنظر منكم عدالة. كما لا أريد استجدائها من سماحتكم.
مرافعة محامي الدفاع اما م المحكمة المذكورة.
اختار لويس نابليون بونابرت محام للدفاع عنه هو السيد برييه Berryer رغم علمه ان هذا الاخير ملكي ومن اشد انصار الملكية التي اراد لويس الانقلاب عليها. برييه ( 1770 ـ 1868 ) رجل سياسة ومحام ببداية متواضعة , اصبح, بعد تشجيع والده المحامي, من المع محامي عصره. ملكي التوجه ولكنه ليبرالي, مدافع عن حرية الصحافة وعن الحقوق المقدسة للملوك. وكان من غير المعقول ان يختاره لويس نابليون للدفاع عنه وهو المعروف بأفكاره المتناقضة كلية مع افكار موكله لولا ايمانه بنزاهته واستقلاله المهني. انتُخب برييه عضوا في الاكاديمية الفرنسية عام 1855 , وكان معارضا قويا لنظام موكله الذي اصبح فيما بعد, كما اشرنا أعلاه, رئيسا للجمهورية ثم امبراطورا. وعند الزيارة الرسمية لهذا الاخير للأكاديمية الفرنسية طلب برييه اعفاءه من حضور استقبال الامبراطور مقدما ذريعة ان من غير الملائم ان يجد لويس نابليون الامبراطور نفسه أمام من كان محاميه. ( يا لروعة المحاماة حين يكون الفكر مستقلا. والارادة حرة. والضمير المهني محركا ومرشدا. والجرأة في قول الحق نبراسا. والشرف رادعا).
بدأ بيريه مرافعته كما يلي:
" قبل قليل اعلن النائب العام " انها دعوى حزينة ومؤسفة" وانا ايضا لا استطع المشاركة في هذه المرافعات دون كشف الانعكاسات الاليمة في قلبي . اي بؤس ألم ببلد عرف في سنوات قليلة هذا العدد من الثورات العنيفة المتتالية, قالبة كل شيء رأسا على عقب بما فيها الحقوق التي كان ينادى بها. وهذا ما القى الشك عميقا في القلوب والعقول, وفي الشعور بالواجبات !! ماذا!! في مدة لا تتجاوز حياة انسان واحد.!!. لقد خضعنا للجمهورية , ثم للإمبراطورية, ثم لعودة الملكية, ولملكية 7 جويليه. قبول هذه الحكومات المنقلب بعضها على بعض بسرعة الم يكن على حساب حيوية ونقاء الضمائر وكرامة الانسان, على حساب طاقة الانسان. وحتى على حساب سيادة القانون؟. (ململمة في قاعة المحكمة).
الاحساس الذي انتابني, واسمحوا لي ببوحه: عندما تتعاقب مثل هذه الاحداث على شعب الا يصبح عندها صحيحا ان أكثر الرجال حيوية, اكثرهم شعورا بما تفرضه عليهم الواجبات, وايمانا ووفاء لما التزموا به من افكار, هم من ينظر اليهم على انهم متمردون ومواطنون سيئون؟. ويصبحون الاكثر تعرضا للاتهام والملاحقة؟. اما اولئك الذين يبقون في تلك الثورات المتعددة خاملي التفكير ضعفاء القلوب, لا يؤمنون باي مبدأ, اليس هم من يقيّمون على انهم مواطنين صالحين ومخلصين شرفاء؟. من اجل كرامة العدالة, المعتدى عليها. ايها السادة لا تدينوا بتهمة جريمة ما هو ليس بجريمة.
من الواقع الاجتماعي هذا, قد يتألم ويتأثر رجال الدولة, والمفكرون. والاخلاقيون, ويرون ان من واجبهم التنبيه اليه. اما رجال العدالة, قضاة ومحامون ,عندما يرون انفسهم في مثل هذه الدعاوى السياسية, وهذه الاتهامات الجنائية, حين تكون حياة انسان موضوع نظر, عليهم عندها واجب التسلح بالحقيقة والشجاعة, والاعتراض بشدة وحيوية قبل الموافقة على ارضاء مطالب المجتمع والسلطة بالانتقام...
الواجب الذي فُرض علي اليوم كنت اقوم به منذ بداياتي في المهنة. عام 1815 جرت ملاحقات قضائية لوزراء لم يعترفوا بحقيقة النظام الملكي, ولم يكونوا اوفياء لكيانه, واقتيدوا امام المحاكم. رجال نزلوا في فرنسا مع نابليون بعد هزيمة واترلو ونجوا من الكارثة. لقد تبنيت طيلة حياتي المبادئ القائلة بحق الدفاع. كنت عنيدا وجادا في اعتقادي بان المشهد المعروض تحت ناظري يقوى من يوم لأخر. ومع اني ملكي, فقد دافعت عن رجال بقوا على ولائهم للإمبراطور. لإنقاذ حياتهم, لقد كنت أرجع للأحداث, للقوانين, للمعاهدات, للأفعال, حتى لأخطاء الحكومة, وعليه فان قضاة الملك قد برءوا حينها الجنرال كامبرون .
شرّف اليوم المتهم استقلالي وطيب نيتي بثقته, طالبا مني الدفاع عنه, مع اني في موقع فكري مختلف عن موقعه كليا, وسوف لا يراني اخون هذه الثقة مطلقا.
الاسئلة التي تثيرها هذه الدعوى تلامس بعمق نقاط اساسية في نضالنا السياسي. اطمأنوا ايها السادة فسوف لا اتطرق لها الا من الزاوية التي انتم مدعوون للنظر فيها هنا, من الزاوية القضائية فقط.
في 6 اوت الماضي خرج الامير لويس بونابرت من لندن دون ان يعلن عن اغراضه, عن قراراته. كان مصحوبا بعدد من الرجال موضع ثقته واعتماده. ابحر واقترب من السواحل الفرنسية. وعلى ارضها اصدر قراره المعلن ان بيت اورليان Orléans توقف عن الملك. وبان الغرف قد حُلّت, وبان مؤتمرا وطنيا سيُعقد. وبان رئيس الوزراء سيصبح رئيسا للحكومة المؤقتة. كل هذه الافعال تم اعترافه بها. وانتم مدعون للحكم فيها. ولكني اسألكم: بالوضع الشخصي للأمير لويس نابليون, بعد الاحداث التي مرت على فرنسا , والتي هي الان محل نظركم, وبوجود مبادئ اعلنتموها , وبموجبها استدعيتم القوانين السائدة في البلاد. ولكن هل أفعال, واهداف الامير نابليون, وقراراته, تشكل عناصر اجرامية تسمح لكم بإمكانية اعلانه مجرما وادانته قضائيا؟. هل الامر متعلق بتطبيق, على مواطن متمرد ومقتنع بالتمرد, احكام القانون الجنائي؟. الامير فعل شيئا اخر: لقد فعل اكثر من القدوم لمهاجمة الوطن الذي جعله مجرما بحق الشعب الفرنسي: لقد جاء يعارض سيادة بيت اورليان, جاء الى فرنسا ليطالب بحقوق عائلته وسيادتها, وبمقتضى نفس المبدأ السياسي الذي على اساسه اقمتم الملكية الحالية.
في هذه الحالة الامر بالنسبة لكم هو النطق بقرار بين مبدأين اشتد الصراع بينهما وتعمق وانتشر الاضطراب الذي مزق بلدنا خلال 50 عاما. اليس الدفاع عن المبدأ المهيمن حاليا على كل السلطات في فرنسا, لتطبيق القوانين الموجودة ضد المبدأ الاخر المعارض مشكلة بحد ذاتها.
كلمتين لشرح ذلك:
طالما امراء فرع بربون Bourbon (عائلة بيت بربون تنقسم الى فرعين : بيت بربون باسبانيا ونحدر من لويس الرابع , و بيت اورليان في فرنسا المنحدر من لويس الثامن.) يقيمون على العرش, فان السيادة في فرنسا تقيم في شخص الملك. وتم نقلها له بنظام ودون فوضى وباعتراف الجميع, ووطدت نفسها فوق كل ادعاءات جميع المنافسين, بقوانين اساسية, لا يستطيع احد مهما كان مخالفتها. وهكذا توطد الحق السيادي واصبح في الوقت نفسه العنوان والضمان لكل حقوق المواطنين في الدولة, وذلك بفعل الزمن وبعامل الدين... المشروعية ليست مجال نقاش في دعوانا هذه. ولكن تجب الاشارة الى ان الشعب طالب عام 1830 بسيادته وقال بانها تقوم في حقوق وارادة كل المواطنين. لقد عرفتموها انتم بهذا الشكل ووضعتموها في مقدمة القانون الاساسي.
قيل لنا قبل لحظات: انه منذ 25 عاما تتابع فرنسا طريقها, تريد سيادة القوانين, الاحتفاظ بالمؤسسات والدفاع عن استمراريتها. ايها السادة, هل لا يعني شيئا ما تم تغييره عام 1830؟ أو أنه لا يراد معرفته؟. هل لا يعني شيئا التغيير الكامل لنظام القانون العام لبلد من البلدان؟. هل لا يعني شيئا قلب مبدأ القوانين الاساسية واستبدالها بقوانين اخرى؟. هل لا يعني شيئا المطالبة بمبادئ تحمل لشعب ذكي وشجاع حق ممارسة كل حقوقه؟. هل هذا لا شيء؟ هل كل هذا لا يعني شيئا ايها السيادة؟. ماذا قال الامير نابليون :
" السيادة القومية اُعلنت في فرنسا. وهذه السيادة القومية كيف يمكن نقلها وتفويضها؟ , كيف يمكن ان يكون التفويض صحيحا بغير الارادة القومية الاكيدة وغير المنازع فيها؟" . ويقول الان بحضوركم: " هذا التعبير غير المنازع فيه عن ارادة المواطنين لا اراه في قرار ال 219 نائبا وجزء من أعضاء الغرفة العليا لعام 1830 (ململة متواصلة في القاعة). ( الغرفة العليا chambre des pairs قامت في فرنسا من 1815 الى 1848).
" المبدأ الذي يحكمكم اليوم, والذي وضعتموه فوق كل سلطات الدولة هو مبدا91. هذا المبدأ الذي كان سائدا في العام الثامن. هذا المبدأ الذي بمقتضاه طالبت الامة ان تعبر عن نفسها دوريا. باقتراع عام 1804 على دساتير الامبراطورية, عبرت فرنسا بأصوات 4 ملايين فرنسي بانها تريد ان يكون الميراث من ذرية نابليون, او ذرية اخيه جوزيف, او ان تعذر ذلك من اخيه لويس, وهذا هو لقبي".
عام 1814 الغى مجلس الشيوخ هذا التوريث, ولكن ماذا جرى عام 1915؟. ماذا فعلت غرفة النواب؟, ماذا جرى في شان دو ماي champ de mai؟. كم من الاصوات تم الحصول عليها في قبول العقد الاضافي الهادف لتجديد مرة اخرى الاعلان عن ارادة البلد؟....
دعونا للحظة أيها السادة, نبتعد بتفكيرنا عن طبيعة الظروف التي قادت لما قام به لويس نابليون, فسوف نرى لاحقا بأية لحظة وباي شعور يسرع الامير نابليون بجسارة من الموانئ البريطانية الى السواحل الفرنسية. دعونا لا نفكر هنا الا بحق المقاضاة. الا بحق تسوية هذه المنازعات, التي هي من هذه الطبيعة المعروضة امامكم , بقرار. دعونا لا نفكر الا بإمكانية المحاكمة في ظل وجود مبادئكم القانونية الوطنية, باسم السلطة القائمة, وتلك التي تطالب بحق, وليس بحلم أو وهم.
ويمضي محامي الدفاع ليبين ان محاولة انقلاب لويس نابليون لم يكن مجرد مغامرة او حلم او وهم.
"هل المطالبة بإعادة بناء الإمبراطورية مجرد حلم أو وهم أيها السادة؟ ان ما تم فعله استوقف الاهتمام العالمي. ويجري الحديث عنه بصوت عال ليس في فرنسا فقط وانما في كل اوروبا. لا , ليس بناء الامبراطورية مجرد حلم.
مات الامبراطور, وكل شيء انتهى معه!!. هكذا اذن؟ هذه العائلة الامبراطورية القائمة, باسم السيادة القومية, هل انتهت فعلا بانتهاء حياة انسان؟. اي انه لا يسمح لها بالاستمرار بالإقامة في البلد الا مدة حياة رجل واحد؟. هكذا كان عليكم مهاجمة حتى نفس الضمانات للسلطة القائمة التي اتيتم للدفاع عنها من اجل رفض السلطة التي كانت قد تم بناؤها بالإرادة القومية , وتكريسها بالإجماع, من قبل الامة كاملة التي منحتها اصواتها.
في الوقت الذي رضخت العقيدة السياسية التي قامت عليها الامبراطورية ماذا فعلتم؟ بدلتم هذه العقيدة, استرجعتم هذه السيادة الشعبية التي اعطت الميراث للعائلة الامبراطورية. الوريث الان ماثل امامكم, وسوف تحاكمونه في بلد فيه كل سلطات الدولة تخضع لمبدأ السيادة القومية, تريدون محاكمته دون سؤال البلد؟. ماذا : ادانة, اعدام, اطاحة رؤوس!! ولكنكم لم تفعلوه. فطالما بقي دم يورث في هذه العائلة فان الادعاء بالإرث المستند الى المبدأ السياسي في فرنسا سيورث كذلك. ستوقعون عقوبات شديدة فضيعة ظالمة وستكونون عندها, بممارستكم هذه, مغتصبين لصفات القضاة. وكل هذا غير مفيد.
لنرى ايها السادة, الطبيعة الحقيقية لهذه القضية. هل هي مادة قابلة لإصدار حكم بشأنها؟ اليس هي حالة فريدة في العالم حيث لا نرى فيها محاكمة قضائية , ولكن عملا سياسيا؟. أعلم ايها السادة انه يجب الدفاع عن السلطات, يجب الحفاظ على النظام العام, يجب حفظ الدولة من هزات جديدة, من اضطرابات جديدة. انه الحكم. ولكن هل من الممكن المحاكمة في مسائل من هذا القبيل والنطق بقرار بصددها؟. لا ايها السادة في المرافعات الحالية حق التوريث قائم, ومكرس من قبلكم, بمبدأ انتم ووضعتموه. هذا الحق يطالب به وريث غير منازع بوراثته, وانتم لا يستطيعون محاكمته. بينكم وبينه قضية منتصرة وقضية مهزومة, يوجد صاحب التاج وتوجد العائلة المخلوعة. اقول مرة اخرى وسأبقى اكرر دائما, لا يوجد قضاة لا نه لا يوجد متقاضين (حراك كبير وململة على مقاعد المحكمة).
حاكموا ايها السادة ان اردتم!! ولكن هل عليكم التنكر لوحدة العدالة صاحبة الجلالة!!. في خضم الثورات التي ارهقت البلد, دعوا ايها السادة شيئا سليما يمكنه الحفاظ على سلامة تفكير الشعوب, دعوا النزاهة, الصفة الحقيقة للعدالة, دعوها سليمة. لقد جئتم الى هنا للمحاكمة. ولكن هل يوجد احد بينكم قال لنفسه حين دخوله هذه القاعة: هل سأكون نزيها, سأزن حقوق كل طرف, سأضع في الميزان ملكية جويليه/تموز من جهة والسيادة القادمة من قبل دستور الامبراطورية من جهة اخرى؟. ولكنكم لا تستطيعون فعل ذلك. انتم اليوم سلطة الحكومة, واية ثورة لا يمكنها ان تحدث الا اذا حطمتكم .لقد تم حل غرفة الشيوخ chambre des paires وغرفة النواب. ( اضطراب).
جئتم تدافعون عن الحكومة في مناخ سلطاتكم. فاذا كنتم لا تستطيعون ان تكونوا نزهاء تحت سيطرة وضغط قانون سياسي كيف يمكن ان تكونوا اذن قضاة؟. ماذا يبقى عندها من وحدة القضاء وقداسته؟ فكروا بهذا, فاذا كان الكثير من الاشياء المقدسة قد دنست اتركوا على الاقل العدالة للشعب حتى لا يخلط بين قرار قضائي وعمل من اعمال الحكومة.
جئتم تحاكمون!! لماذا؟ لتحموا الحكومة؟ للدفاع عنها؟ لتثأروا من اهانة؟ من هجوم هددها؟. في إجراءات حديثة مورست على الشخص الاول من المتهمين, الم تدعوكم الحكومة اليوم للمحاكمة؟ جرى الكلام عن اعتراف المتهم. سأجاوب عليه, ولكن في الانتظار اجيبكم: " في مثل هذه المواد لا توجد الا السياسة وليس القضاء" في احدى الدعاوى صرح وزير سابق " الصيغ القانونية ليست الا كوميديا علنية مفروضة". واليوم الا يوجد تناقض صارخ حين تستدعى مبادئ اخرى مضادة لفرضها هنا؟
تتحدثون عن اعتراف الامير, الم يكن ممنوعا على هذا الاخير وضع قدميه على ارض الوطن؟ الا يوجد قانون منعه من ذلك؟ ولماذا هذا؟ لأنه خارج القانون العام. لأنه لا يمكن معاملته كالأخرين. طالبت عام 1830 بمناسبتين مختلفتين بإلغاء هذا القانون لتكريم المبدأ السياسي للسيادة القومية. لقد اصدرتم قانونا معارض كليا لهذا المبدأ لوضع الامير خارج القانون العام. ومن جهة اخرى الم يوضع كذلك خارج هذا القانون عندما فرضتم على دولة مجاورة طرد الامير حين كان قريبا من والدته المتوفية؟ ( تأثر عميق في القاعة).
قد تقولون: نعم ليس لنا الحق بذلك. ولكن ليس له عندنا حقوق او وطن أو حرية. لدينا قوانين تحكم عليه بالموت. هذا ما سيؤجج النفوس, وسيكون في الاتجاه الخطأ, وضد المنطق, وضد العدالة, وبكلمة, ضد مفهوم الحق.
اذا كانت المبادئ التي كرستموها, اذا كانت الاجراءات العلنية لحكومتكم, تسمح بمحاكمة الامير نابليون, واذا اصررتم ان تكونوا قضاة, اقضوا على الاقل بإنسانية في الامور الانسانية. خذوا بعين الاعتبار الظروف التي تفجر فيه مشروع بولونيا. سوف لا اتحدث سياسية , ولا خصومات , انما سوف اشير الى وقائع ثابتة.
اسُندت السلطة اليوم في فرنسا لوزارة حديثة التشكيل .لاقت هذه الوزارة حتى قبل نشؤها , وخلال سنوات, احتجاجا وجدلا عنيفا ومستمرا.
وزارة تئن بعمق من السياسة التي كانت قد اتبعتها تجاه الخارج باسم حكومة فرنسا. كانت خجولة, لا اريد استعمال كلمة اخرى, في كل علاقاتها بالدول الاخرى وبأوروبا. تئن من الاهمال وعدم الاكتراث البلجيكي, وصولا الى مسالة اللكسمبرغ , تئن هذه الوزارة التي تحكم اليوم من التخلي عن Ancône دون شروط ..."
يمضي المحامي معددا اهمال الوزارة وضعفها وانحسار وزن فرنسا في اوروبا. وتجمع كل القوى الاوربية ضد فرنسا, وعزلها, وما تركه وضع فرنسا هذا من اثر في نفس الامير نابليون الذي
" أراد ايقاظ الذاكرة بإيقاظ الذكريات. ذكريات ذلك الذي اجال سيف فرنسا العظيم من اقاصي البرتغال الى اقاصي البلطيق. اراد ان يعيد لفرنسا ذلك السيف الساطع الذي استطاع احناء الاهرام. الذي استطاع عزل بريطانيا تقريبا عن القارة الاوروبية. ذكريات التعاطف مع الامبراطورية. كل المشاعر البونابرتية قد تحركت بعمق لإيقاظ الذهنية المحاربة في فرنسا. لقد تم فتح قبر البطل وتم جمع رفاته لنقلها الى باريس ووُضع سلاحه بمجد على ضريحه.
تريدون المحاكمة ؟ هل فاتكم ما كان لمثل هذه المظاهر من اثر على الامير الشاب؟. ..
لنكن رجالا ايها السادة, وكالرجال نحاكم الافعال الانسانية. ...
لنكن شجعانا ولنقل كل شيء قبل ان نحاكم. اذا كان هناك جريمة فانتم من حرض عليها بفرضكم المبادئ التي وضعتموها. وحرضت عليها تصرفات الحكومة. انتم من استوحاها من المشاعر التي اثرتم بها الفرنسيين, كل الفرنسين, بمن فيهم وريث نابليون نفسه.
تريدون محاكمته. و لتحديد قراراتكم, وحتى تقيمون من انفسكم قضاة دون عناء, يقال لكم ان القضية متعلقة بمشروع مجنون ( محاولة الانقلاب), بتصرف غير متعقل, غير قابل للنجاح, بأهداف مشبوهة. ولكن هل اصبح النجاح ايها السادة هو الاساس الذي تقوم عليه القوانين الاخلاقية؟. هو اساس الحقوق؟. مهما كانت صفات المشروع: ضعف, وهم, تهور, فان عدد الجنود وقوة السلاح ليس هو ما يؤخذ في الحسبان. ما يؤخذ في الحسبان هي الحقوق, هي المبادئ التي يتم التصرف باسمها. هذه الحقوق, هذه المبادئ لا تستطيعون محاكمتها.
لا اعتقد ان الحقوق التي باسمها قام الامير بمشروعه يمكن ان تسقط امام كلام الازدراء الذي اطلقه السيد النائب العام. لقد اشرتم الى ضعف الوسائل لفقر المشروع, ضعف الامل بالنجاح!! وهنا سأقول لكم انتم الرجال, الرجال الاوائل في الدولة, اذا كنتم اعضاء كبار في الكيان السياسي: ان بين كل قاض وكل متهم يوجد بشكل لا يمكن تجنبه حَكَم arbitre دائم. قبل التقاضي امام هذا الحَكَم وفي مواجهة البلاد التي تنتظر قراركم, بغض النظر عن ضعف الوسائل, عن الحق, عن القوانين, عن الدستور, امام الضمائر, امام الله امام البلاد ليسأل كل نفسه: " لو كان قد نجح مشروع الامير, هل كنت سأنكر هذا الحق؟" (حقه في الميراث). سأرفض كل مشاركة بهذه السلطة.
قانونكم أيها السادة اقبله في المحاكمة (حركة في الصالة). هل اتحدث عن العقوبة التي يمكن ان تنطقوا بها؟ لا توجد الا واحدة اذا اقمتم محكمة, اذا طبقتم قانون العقوبات: هي عقوبة الموت!!.
مُنصّبون قضاة رغما عنكم, عليكم ان تصدروا عملا سياسيا, لا تريدون الاساءة و
جرح كل العواطف في البلاد, كل وجدان, كل المشاعر التي تجهدون انفسكم للتحمس لها. لا تريدون تسجيل اسم نابليون العريق هنا مجدا على ضريح, وهناك ادانة بعقوبة مشينة. لا. سوف لا تنتطقون بالإعدام.
تصدرون اذن عملا سياسيا, تدخلون ضمن الاعتبارات السياسية. تضعون القانون جانبا. لم تعد هنا مسألة تسامح, هو السبب السياسي الذي سيحدد الجسم السياسي ... هل تستطيعون بحسب قوانينكم النطق بالحبس المؤبد؟ بعقوبة شائنة؟.
ايها السادة, سأتخلى عن كل ما قلته. ساترك جانبا سلطة المبدأ السياسي, سوف لا اعود للكلام عن عدم امكانية النطق بقرار دون ان يكون الشعب مدعو للنطق بين الحق الذي اقمتموه انتم, والحق المكرس بدستور الامبراطورية وتجدد في الايام المئة. ساترك جانبا الاعتبارات التي اتخذتها حكومتكم. سوف لا اعود للكلام عن العواطف الطبيعية جدا , سأقتصر على القول بانكم سوف لا تلقون عقوبة شائنة على هذا الاسم العريق. هذا غير ممكن في مواجهة البلاد. هذا غير ممكن في هذه الايام وفي هذا الوقت.
هل العقوبة الشائنة التي تمس باسم نابليون هي التزامكم الاول بالسلام الذي تريدون تقديمه لأوروبا (ململمة كبيرة).
اخرجوا من الاعتبارات العامة للواجب والتشريع, وعودا رجالا, وصدقوا بان فرنسا ما زالت تعطي ثمنا كبيرا, وشرفا كبيرا للعواطف الطبيعية للرجل.
ارادوا لكم ان تكونوا قضاة, ارادوا منكم ان تتخذوا عقوبة ضد ابن اخ الامبراطور, ولكن من انتم:
كونت, بارون, منكم من كانوا وزراء, جنرالات, مارشالات, maréchaux , لمن يعود الفضل في وظائفكم والقابكم هذه , من شرفكم بها؟ نعم يعود ذلك لقدراتكم دون شك, ولكن يعود كذلك لفضل و كرم الامبراطورية. ولها يعود الفضل اليوم بجلوسكم للحكم كقضاة .. صدقوني توجد اشياء خطيرة في الاعتبارات التي اشرت اليها .. انزال عقوبة مشينة هذا غير ممكن, بوجود جمائل الامبراطورية, سيكون ذلك عملا غير اخلاقي.
بوجود التزامات فرضت عليكم بذكريات حياتكم, بوجود قضايا عملتم على خدمتها, بوجود ما اقسمتم عليه, بوجود جمائل تنعمتم بها. هذا ما يجعلني اقول بان انزال عقوبة به سيكون عملا غير اخلاقي. يوجد منطق محتوم ورهيب في ذكاء وغرائز الشعوب: كل من يخرق قانونا واحدا اخلاقيا عليه انتظار اليوم الذي سيحطمه فيه الشعب .
(تبعت المرافعات اضطرابات شديدة وطويلة ).
رسالة شكر من لويس نابليون بونابرت لمحاميه بيريه:
باريس. 15 اكتوبر 1840
عزيزي السيد بريه,
لا اريد مغادرة سجني في باريس دون ان اجدد لك خالص شكري للخدمة النبيلة التي قدمتها لي خلال فترة محاكمتي. منذ اللحظة التي عرفت فيها باني سأقدم للمحاكمة امام مجلس الغرفة العليا, فكرت بان اكلفك بالدفاع عني, لأني اعلم ان استقلالك ومزاياك ستضعك فوق كل حساسيات الاشياء الحزبية. ان قلبك كان مفتوحا للمنكوبين. كما ان فكرك اهل لفهم كل الافكار الكبرى وكل المشاعر النبيلة. لقد اخترتك لتقديري لك. الان اغادرك مع كل الاعتراف والتقدير لصداقتك. لا اعلم ما يبيته القدر لي, لا أعلم اذا ما كنت سأستطيع ان ابرهن لك عن تقديري وصداقتي. لا اعلم ان كنت انت ستتقبل مني هذه البرهنة. ولكن مهما كانت مواقفنا المتبادلة, خارج السياسة ومتطلباتها المكدرة, نستطيع حفظ التقدير والصداقة الدائمة كل منا تجاه الاخر. واعترف لك باعتقادي الاكيد انه اذا لم ينتج عن الدعوى المقامة ضدي اية نتائج اخرى غير كسب صداقتك فهذا يكفيني واعتبر اني ربحت ربحا كبيرا, ولن اشتكي من المصير.
الوداع عزيزي السيد بيريه, وتقبل مشاعر التقدير والعرفان.
التوقيع نابليون لويس بونابرت.
مرجع.
Grandes plaidoiries et Grands procès du XVe au XXe siècle. RATA. 2004
دعاوى كبرى ومرافعات كبرى من القرن 15 الى القرن 20
د. هايل نصر.
التعليقات (0)