مراجعة التُراث
في السابق لم يكن مقبولاً البوح بنقدِ بناء تجاه التراث الديني والمُتمثل في كتب الفقة والحديث والعقائد ، ولم يكن مقبولاً المناداة بالتفكير قبل التطبيق والممارسة ، كل ذلك كان ولم يزل لكنه اليوم وطئته ليست بالشديدةِ التي عهدناها ، الأمر اليوم مُختلف فالتفكير خرج من نطاقه الضيق والصوت ارتفع مُطالباً بمراجعة التراث الفقهي والفكري الذي أُنتج في أزمنةِ ماضية لها ظروفها السياسية والاجتماعية والثقافية والإقتصادية المختلفة عنا ، تراث كانت له بعض الإسهامات في النهضة البشرية لكن تلك الإسهامات لم تشفع له فتُهمة الإخفاقات التي أصابت العالم الإسلامي تُحيط به من كل جانب ولا صوت يعلو فوق صوت الحق والحقيقة .
الكثير من الحوادث والصراعات الدموية السياسية والمذهبية والطائفية حدثت بسبب ذلك التراث وكثيرُ من جرائم تهجير وملاحقة المُفكرين وإحراق مؤلفاتهم ورسائلهم حدثت بسبب ذلك التراث وكثيرُ من السلوكيات البشرية الجافة الخالية من الإنسانية كإضطهاد المرأة وبيعها في سوق النخاسة كان سببها الرئيسي ذلك التراث فالبشر لم يخلقوا مخطئين في الأصل بل هناك ما يدفعهم لذلك ويحفزهم عليه والعقل وما يحتويه من مرويات وأقوال يضع السلوك خلف عربة تلك المنقولات التي لا يمكن الجزم بصحتها ولا يمكن الجزم بصوابها من حيث العمل بها لأنها عبارة عن آراء بشرية ووجهات نظر ولا تحتمل أكثر من ذلك ، لو تأملنا ولو للحظة في مصائب أمتنا لوجدناه مولوده من ذلك التراث ، التكفير والتحريم والتفسيق والتخوين والمنع والظلم جميعها ممارسات نعيشها على أرض الواقع ويدعمها تراث منقول يقدمه المُمارس كدليل على صحة ما يمارسة من قُبح بشري فالاستدلال منحصر في ذلك التراث المروي المنقول المضاد للعقل والمنطق وليس منحصراً في القرآن الكريم .
في ثقافتنا الدينية نقرأ ونسمع عن مقولة وقاعدة "كل بدعة ظلاله" ولو فحصنا معنى بدعه لوجدنا أهل التراث والمتعصبين له يفسرونها بأنها كل أمرِ مُحدث في الدين سواءً في العبادات أو المعاملات وما إلى ذلك ، لو طبقنا تفسير أهل التراث لمعنى كلمة "بدعة" لوجدناها تنطبق على كثيرِ من مرويات وآراء وإستنباطات ذلك التراث ولوجدناها تنطبق أيضاً على كثيرِ من السلوكيات والممارسات الدخيلة كإقفال المحلات التجارية وقت الصلاة وإضطهاد المرأة واحتكار الدين وإضطهاد المخالفين الذين أختاروا طريقاً أخر عن قناعةِ لا يخالطها شك ، البدعة كما هيّ لا تتغير في معناها لكن ممارسوها ومبتكروا بعضاً منها يرونها غير ذلك والسبب التعصب والحماقة التي اعيت من يداويها .
نحن اليوم في أمس الحاجة لمراجعة ذلك التراث بداءً من كُتب الأحاديث وليس إنتهاءً بكُتب الفقه والعقيدة مراجعة علمية منهجية فالأمم تستمد قوتها من تراثها وأمتنا تستمد مصائبها وتخلفها من تراثِ جعله البعض مُقدساً وحاكماً وصالحاً لكل زمانِ ومكان وهذه هيّ المهزلة البشرية في أقبح صورةِ لها فأمتنا تعيش الحاضر وتتطلع للمستقبل وقلبها مُعلق بتراثِ كُتب قبل الآلاف ومئات السنين .
@Riyadzahriny
التعليقات (0)