كثيرا ما نسمع أن الاختلاف في المسائل الفقهية إنما هو رحمة , وأنا أجد هذا مقبولا لو كان الفقه مقصورا على شؤون العبادات , إذ أن المصلي حر في أن يسر بالبسملة أو يجهر بها وفق ما المذهب الذي يتبعه , كذلك هو حر في الجهر بالتامين أو السر به .. أما إذا كان الأمر له علاقة بالدولة و النظام وحكم ولي الأمر , مثل الأمور التي تتصل بالأموال و الأعراض و الدماء , فلا يمكن أن تبقى الحكومات بمعزل عن خلاف الفقهاء في هذه الميادين , فعلى الحكومة ان تتبنى مذهبا وتهمل غيره .. هنا تقع المشكلة .. فكثير من الدول يوجد بها أكثر من مذهب سني , هذا أذا ما كان بها مذاهب غير سنية و لا تخلوا هي أيضا من مذهب مختلفة .. وطبيعي أن يتنافس أتباع المذهب المختلفة في جعل الدولة ألي جانبهم, قد يكون الأمر طبيعيا في غير هذا الزمان الذي نحن في أمس الحاجة فيه إلي توحيد الأمة على مذهب واحد يعود بنا الي الأصول والجذور بعد ان تفرعت الأصول إلي فروع والفروع إلي فروع وهكذا دواليك .. في العصور الإسلامية الأولى أي بعد القرن الأول الهجري لم يكن هناك مجالات علمية يتعلمها الناس ويحصلون بها على الشعبية و الصيت إلا التفقه في الدين , وهذا بحد ذاته جيد أورث لنا ارث ديني عظيم , ولكنه أيضا ارث متخصص لا يفقه إلا أولو العلم من الناس وليس ألعامه , لقد كان العلماء في تلك ألأزمانه يتنافسون في استنباط الأحكام , حتى ان الإمام أبو حنيفة الذي ولد عام 80 للهجرة أفتى بصحة صلاة الإنسان طائرا .! تصورتم إلي أي مدى وصل الاستنباط , وحين تدرس حال أئمة المذاهب وحياتهم تجد ان كل منهم كسا مذهبه من صفاته الشخصية , فالمتسامح منهم والذي عاش في رخاء تجد ان مذهبه فيه كثير من التسامح , و المتشدد الذي قبع في السجون ظلما أعوام عديدة تجد ان مذهبه متشدد , لذلك تكون الحاجة ملحة للتجديد , و أجد ان أمام علماء الأمة جمعاء فرصة لا تعوض ألان ,ففي ظل التوجه الحكيم من لدن خادم الحرمين الشريفين للحوار في كل جوانبه الوطني و العالمي الدنيوي والديني مثل الحوار بين الأديان ,فليس هناك حرج في ان يسعى لعلماء إليه حفظة الله لتذليل العقبات وإيجاد الجو و المكان المناسب والخلوة التي يحتاجها هؤلاء العلماء للعمل على توحيد المذاهب السنية أولا وإيجاد كتاب حديث جامع شامل للأحاديث التي لا اختلاف فيها ويصبح هذا هو كتاب الحديث يرجع له العامة وما عداه فهو للمتخصصين فقط , وكتاب فقه يجمع ما يحتاجه المسلمين بشكل مبسط و واضح وترك بحور الفقه للمتخصصين , وبهذا يصبح للأمة مذهب واحد و وكتاب حديث مجمع عليه وكتاب فقه واضح المعالم مبسط ,وهذا سيعجل أيضا توحيد المذاهب الأخرى و الانخراط في هذا المذهب الكبير الذي سيعتبر ثورة على الإرث الشتات ورجعة للأصول , وهنا ستقل درجة الخوف التي تصيب أصحاب المذاهب الأخرى إذا أرادوا الالتحاق بمذهب أخر , لان المذهب المجمع عليه والذي ارمي أليه في كتابتي هذه يعتبر ثورة على النسق السائد ألان من تناحر بين المذاهب المختلفة .
وكما هو معروف فان المذاهب السنية المعروفة و المشهورة هي الأربعة : مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل ,وقد نمت وامتدت على أنقاض مذاهب أخرى ليست - من الناحية العلمية – اقل منها قيمة , كمذهب الليث بن سعد , وسفيان الثوري , والاوزاعي , وابن جرير الطبري , وأبي ثور وآخرين .. و الواقع ان المذاهب الأربعة التي اشتهرت كان أصحابها نماذج جليلة للتقوى والعلم , ولذلك التفت الجماهير حولهم وارتضت الأخذ عنهم .
وقد تضخمت هذه المذاهب على مر الزمان وكثرت التأليف فيها , ولا يمكن أن نجزم بان هؤلاء الأئمة الأعلام مسئولون عن كل ما صنعه المتأخرون , كما لا يمكن حصر الفقه الإسلامي في اجتهاد أولئك الأربعة الكبار أو إغلاق أبوابة بعدهم ,فان فضل الله لم يحتكره نفر من العلماء مهما علت منازلهم , ومصالح الشعوب تتجدد على اختلاف الزمان و المكان , وتحدث فتاوى واقضيه لم تتم إلا في هذا العصر , ومن المعلوم كما أسلفت أن كل مذهب من المذاهب الأربعة تأثر بالعصر الذي عاش به صاحبة و بالظروف التي عايشها , وكذلك بصفاته وطباعه الشخصية من مرونة ألي تشدد ونحوه , ثم أن احد من الأئمة الكبار لم يزعم لنفسه العصمة فيما روى.
إذا الاجتهاد الفقهي مطلوب الي قيام الساعة , ورفع الخلاف لا بد منه كي تمضي الحياة في طريقها , وهنا دور الدولة , فإذا رأى مثلا أبو حنيفة أن المسلم يقتل في ذمي ورأى غيرة أن المسلم يعزر وحسب فلن تبقى القضية معلقة إلى الأبد ان حكم القاضي أو رأي ولي الأمر يحسم الأمر , وكذلك إذا رأى ابن تيمية أن الطلاق ألبدعي لغو , ورؤى غيرة أمضاءة فان الدولة لن تترك هذا الخلاف نظريا إلي الأبد .
أن المذاهب الفقهية الشهيرة توزعت بين أقطار المسلمين , وعند العامة و الدهماء يعتبر هذا النسب الى مذهب معين دين , وبما أن ثورة الاتصالات جعلت العالم اجمع يسمع بعضة بعض , وأصبح رجال الدين يتصدون للإفتاء على القنوات الفضائية , ويطلب فتواهم من يعيش في قطر يتبع مذهب مغاير لمذهب هذا العالم الذي يفتي فضائيا , فقد وجب كما قلت سابقا على علماء الأمة الثقات ان يجتمعون ويجعلوا المذاهب الكبرى تجارب محترمة ويجعلون الأمور الطارئة على الأمة والتطور العلمي بين أعينهم ويمعنوا النظر في تراثنا الفقهي كله ويعملوا على توحيد المذاهب على أساس :
· تقرير الأحكام المتفق عليها بين فقهاء الإسلام , أي التي لم يثر حولها خلاف .
· في المسائل المختلف عليها اختلاف تنوع يؤخذ بجميع الآراء ما دامت ثابتة في الشريعة ولا معنى للاقتصار على واحد منها , ومخاصمة غيره.
· في المسائل المختلف عليها اختلاف تضاد ينظر في دليل كل مذهب , ويؤخذ بأقوى الآراء وأرجحها دون تعصب لمذهب.
· في المسائل التي يصعب ترجيح رأي من الآراء فيها , وتتساوى أدلتها في القوة , يجوز الأخذ بأي رئي منها ويحسن تقديم ما يحقق مصلحة عامة للمسلمين .
· يترك من الآراء ما ظهر بطلانه آو ضعفه .
( ويسمى هذا المذهب مذهب الكتاب والسنة وجميع الأئمة )
إن النقاط السابقة لم أتي بها من عندي , بل هو كلام الشيخ محمد عيد عباس , واقره الشيخ محمد الغزالي رحمة الله تعالى ,.
ثم يكملوا هذه الثورة التجديدية الغير مسبوقة عبر التاريخ الإسلامي كله, والمواكبة للتطور الغير مسبوق أيضا في مجال التواصل بين الناس في كل بقاع العالم بإيجاد كتاب للأحاديث الشريفة الصحيحة و المتفق عليها و التي لأتعارض النصوص القرآنية ليصبح مرجع العامة من الناس في كل الأقطار الإسلامية , وتبقى كتب الأحاديث العديدة والتي هي ارث إسلامي مهم للعلماء و المختصين من علماء الأحاديث الذين يعرفون علوم الرجال و ألأسانيد وأحاديث الآحاد ونحوها , فليس من العقل ترك هذا الإرث المتنوع و الذي يحتاج إلي دراسات متعمقة لكل من هب ودب يأخذ منه ما يريد وما يوافق توجهه ويلزم به أناس قد يكونوا جاهلا يفتيهم به بالقتل و التكفير , فنحن يكفينا كعامه وغير متخصصين كتاب حديث اجتمعت عليه ألامه عبر علمائها نرجع له في كل أمورنا الحياتية , ويسمى هذا الكتاب مثلا( صحيح الصحاح ), وكتاب للفقه جامع لكل الأمور الفقهية التي تعلم الناس الفقه الإسلامي المبسط بدون غوص فيما لا ينفع الناس ويشكل عليهم , كتاب إذا أعطيناه إلي حديث إسلام من الناس كفاه , ويترك باقي الإرث الفقهي الإسلامي العظيم للعلماء الربانيون يغوصون في بحاره ويستنبطون الإحكام , ويسمى هذا الكتاب مثلا (كتاب الفقه الجامع )
إن علماء المذهب الكبار وعلماء الأحاديث رجال, وفي عصرنا هذا أيضا علماء رجال , فان فضل الله لم يحتكره نفر من العلماء سواء السابقين أو ألاحقين ولن نملك زمام الحياة , ولن نثبت صلاحيتنا للقيادة وصلاحية ديننا لنفع العالم ألا إذا راجعنا تراثنا الفقهي وأزلنا عنه الشوائب و وحدناه , وبهرنا العيون في النواحي العقادية دون المساس بالثوابت وجعلنا ذلك التنقيح من مهام العلماء الربانيين دون تدخل سياسي او معنوي من غير المتخصصين , واني اجزم إننا بذلك سنبهر العالم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ,,
والله من وراء القصد ,,
عبدالعزيز عبدالله الرشيد
التعليقات (0)