عبد الهادي فنجان الساعدي
كان هناك مذهبان فنيان على الاقل يتجاذبان النتاجات الفنية بمجملها وهما " مذهب الفن من اجل الفن" و "الفن من اجل الجماهير"وهذان المذهبان لم يولدا صدفة وانما هما انعكاس لفلسفات ومبادئ سياسية "فالفن من اجل الفن" هو وليد الفلسفات الرأسمالية التي بدورها ولدت مجتمعات رأسمالية ومن خلال الصراعات والمخاضات داخل هذا المجتمع الرأسمالي. ولد مذهب "الفن من اجل الفن" كانعكاس طبيعي لماهية هذا المجتمع. اما مذهب "الفن من اجل الجماهير" فهو المذهب الذي ترعرع في احضان دول اوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق ومعظم الدول التي تبنت الاشتراكية شكلا او مضمونا، اضافة الى العديد من الفنانين الذين كانوا يعيشون في دول رأسمالية او فقيرة ولكنهم يحملون الفكر الاشتراكي او يتعلقون باذياله. اما هنا في العراق وتحديدا في الفترة (الصدامية) فقد ولد مذهب جديد ممسوخ هو مذهب " الفن من اجل القائد" حيث تجد الفن التشكيلي يرسم القائد منذ كان صبيا متسعكا حتى وصل الى سدة الحكم. ومنهم من يرسمه في فترة حكمه البائد بمختلف الازياء والاشكال ليرضي عقدة النقص في شخصيته. وعندما ولدت الجداريات –والعراق معروف بجدارياته الرائعة في العصر الحديث وخصوصا بعد ثورة تموز 1958 مثل جدارية جواد سليم الاسطورية – ثورة 14 تموز وجدارية فائق حسن الخلابة – موزائيك – الرائعتين في حديقة الامة في الباب الشرقي – حيث احداها تطل على ساحة التحرير والثانية تطل على ساحة الطيران – نقول عندما ولدت الجداريات من جديد اصبحت المؤسسات والدوائر والجامعات والمصانع تتبارى في رسم صورة "القائد" بما ينسجم وذلك المكان. ثم اخذ بعضهم يرسمه في وسط بانوراما، وما يقتضيه الموضوع فهو في وسط بانوراما عسكرية حديثة او معركة تاريخية او وسط الجماهير عدا المهرجانات وخصوصا مهرجان بابل حيث كان يقرن بنبوخذنصر. ثم بدأت مرحلة "النحت" فبدأت "الاصنام". كل هذا ونحن نقول "لا باس" على الفن ما دام المسرح لم يتلوث فالمسرح قيم وتاريخ وحضارة وتجسيد لمجمل فعاليات أي امة من الامم. ولكن لم تمض الا فترة من الوقت حتى بدا بعض المسرحيين في العراق بالاتجاه بالمسرح صوب المذهب الجديد، مذهب "المسرح من اجل القائد" فقد انتجوا واخرجوا مسرحية "اكتب باسم ربك" ودعوا اليها "القائد الضرورة" الذي اوحى اليهم من خلال حديثه لينحو هذا المنحى. وستعلمون السبب من خلال سياق هذا المقال. فما إن عرضت المسرحية عرضا واحدا حضره مشاهد واحد هو "راعي الفن والفنانين" واغدق عليهم بالمنح والهدايا حتى بدا الاتجاه نحو "مسرحة" رواياته التي كانت اصلا مجموعة خطب واحاديث فجة ومملة، كلف بها احد الروائيين المرتزقة فاجرى لها العديد من عمليات الترقيع لتخرج على شكل رواية "زبيبة والملك" و "رجال ومدينة" و "القلعة الحصينة" فما كان من مرتزقة المسرح الا إن "مسرحوا" رواية "زبيبة والملك" في اضخم عمل مسرحي جندوا له كل "موظفي وموظفات" وزارة الاعلام السابقة ولا حاجة بنا الى القول إن هذا العمل المسرحي قد "فشل" من الناحية التأثيرية حيث إن النص المسرحي هش رغم كل عناصر الدعاية.
إن المسرح بناء فكري يتركز على عدة اعمدة منها التأليف الرصين والاخراج المتمكن والتمثيل المؤثر كل تلك العناصر كانت مفقودة في مسرحية "زبيبة والملك" اضافة الى بعدها عن الهم اليومي للشارع العراقي وبعدها عن واقع الحال. وتم التوجه مباشرة وباصرار احمق او بدافع الحوافز المادية الى التحضير الى "مسرحة" رواية "رجال ومدينة" تلك الرواية البائسة والتي كتب عنها الكثير من النقاد المرتزقة اضافة الى نقاد كان يحسب لهم حساب في الساحة الادبية ولكنهم سقطوا في خضم الوظيفة او الاستمرارية او الحاجة ولم يستطيعوا مواصلة الصمود صوروها كاحسن عمل روائي تاريخي ودافعوا عنها بجدلية وصلت حد اللعنة.
وبالرغم من كل ذلك فقد سقط مذهب الزيف مذهب " المسرح من اجل القائد " بمجرد سقوط " القائد الضرورة" وبقي المسرح شامخا بكل طقوسه وكل تاريخه العريق.
التعليقات (0)