تحدثنا في مقالات سابقة عن سياسة التغيير التي اعتمدتها ادارة الرئيس اوباما في موضوع الرئيس بوعمامة و اليوم عبر موقع القوة الثالثة ينشر موضوع عن مذكرة رئاسية لم تعلن للرئيس الأمريكي اوباما ارتأيت نقلها لنقل صورة منتظرة حول التغيير الحاصل في الشرق الأوسط و رؤية بوعمامة الجديدة لواقع الحال في الدول العربية..
بمذكرة حملت عنوان «توجيهات دراسة رئاسية رقم 11»، اصدر الرئيس باراك اوباما تعليماته، في اغسطس الماضي، الى الوكالات الحكومية طالبا منها الاستعداد لتغيير مقبل في دول عربية، على حد وصف مسؤولين اميركيين رفيعي المستوى.
وكشف الصحافي في «واشنطن بوست» دايفيد اغناتيوس، اول من امس، عن جزء من النص الذي تضمنته هذه الوثيقة، وقال ان اوباما ذكر فيها وجود «ادلة على تنامي استياء المواطنين من انظمتهم» في منطقة الشرق الاوسط.
وقال اوباما للوكالات الحكومية ان «المنطقة تدخل مرحلة دقيقة من التغيير»، وان عليهم «ادارة المخاطر الناجمة عن التغيير بالاظهار لشعوب الشرق الاوسط وشمال افريقيا محاسن التغيير التدريجي، ولكن الحقيقي، الناتج عن انفتاح سياسي اكبر والتحسن في شؤون الحكم».
هذه المذكرة هي التي املت على اوباما وادارته كيفية التعاطي مع الاحداث المستجدة، منذ مطلع هذا العام، في كل من تونس ومصر، فلم تهب الحكومة الاميركية لنجدة اي من حليفيها، الرئيسين المخلوعين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك.
وتقول مصادر في الادارة الاميركية ان الرئيس اوباما سبق ان حذر بن علي ومبارك من مخاطر الاستمرار في نهجيهما في الحكم، ودعاهما الى الانفتاح والبدء باصلاحات فورية تنتقل ببلديهما الى ديموقراطية حقيقية، الا ان الرئيسين العربيين «استخفا بنصائح الادارة الاميركية».
وتجزم المصادر الاميركية ان الوكالات الحكومية الاميركية لا تتدخل في اي من الاحداث الدائرة في الدول العربية، بل هي «تتفاعل مع حدوثها وتتعاطى مع نتائجها». وقالت ان «هذه الثورات هي ملك من يقوم بها، ونعتقد ان الشبان والشابات العرب هم فعليا من يقوم بها، ونحن نحترم مواقفهم».
كما قالت المصادر الاميركية ان الانقسامات ظهرت داخل صفوف الادارة الاميركية، اذ حاول عدد من كبار المسؤولين الاميركيين التحذير من مخاطر رحيل مبارك، وتأثير ذلك على «اسرائيل حليفة اميركا وعلى مصير معاهدة السلام بين البلدين وميزان القوى في المنطقة بشكل عام».
بيد ان اوباما اظهر حزما شخصيا في انحيازه لمصلحة الانتقال الى الديموقراطية بالرغم من مخاطرها. وتنقل مصادر شاركت في اجتماعات رفيعة المستوى ترأسها اوباما ان الرئيس الاميركي تصدى بحزم للمشككين في الثورة المصرية. وقالت المصادر ان اوباما توجه الى احد مستشاريه بالتأنيب والقول انه «لا يحق لاميركا، ولا لاي دولة، منع حرية الشعوب او الوقوف عكس التاريخ». كما نقل مسؤولون عن اوباما قوله في اجتماع آخر، تم عقده قبل ان يتنحى مبارك، ان «الشعب المصري خرج من الصندوق، ولن يعود اليه مجددا».
العارفون بشخصية اوباما يقولون انه غالبا ما يتصرف وفقا «لاحساس داخلي، وشعور بمسار التاريخ وبوجوب وقوف اميركا على الجهة الصحيحة منه».
الا ان مسار الاحداث في ليبيا فاجأ المسؤولين الاميركيين الذين لم يستعدوا لسيناريو يقوم بموجبه «الحاكم بممارسة افعال دموية ضد شعبه». وتقول المصادر الاميركية انه على الرغم من كل الاستعدادات التي قامت بها الوكالات الحكومية، فقد ظهر بعض الارتباك في التعاطي مع تونس ومصر، بيد ان المفاجأة الكبرى جاءت من ليبيا وفرضت على اوباما وفريقه المزيد من الحذر.
وقال مسؤولون في البيت الابيض ان اوباما يتابع التطورات الليبية عن كثب اذ يقوم مستشاروه باطلاعه على آخر التطورات ثلاث مرات في اليوم. كما طلب الرئيس الاميركي من مستشاريه مقاطعته في اي وقت من النهار لابلاغه «في حال حصول تطورات دراماتيكية».
المشكلة الاميركية في ليبيا، على حد قول مصادر مقربة من البيت الابيض، تكمن في ان واشنطن وقعت في «فخ اخلاقي»، فهي «في مأزق ان وقفت موقف المتفرج وسمحت لمعمر القذافي اراقة الدماء الليبية»، وهي في «مأزق كذلك ان تدخلت منفردة في الوضع في ليبيا فتظهر وكأنها المحرضة على قيام هذه الثورات او المحركة لها».
ومما يزيد في التعقيدات في وجه اوباما وفريقه ان الداخل الاميركي لا يتفاعل لمصلحة تدخل اميركي منفرد في ليبيا، وعلى المرء ان يعلم كيف تعمل المدارس التي تدير السياسة الخارجية الاميركية ليعرف كيف تتخذ اميركا قرارها تجاه اي تدخل محتمل لها في ليبيا.
في الولايات المتحدة ثلاث مدارس في السياسة الخارجية، الاولى معروفة بالجاكسونية نسبة للرئيس اندرو جاكسون، وهي عبارة عن خليط من الشعبوية والتدخل في شؤون العالم فقط عندما تكون اميركا نفسها في خطر، مثل في مواجهة الخطر السوفياتي او في شن حرب ضد الارهاب بعد احداث 11 سبتمبر. والخطران اصبحا من الماضي، اليوم، مما يدفع بانصار المدرسة الجاكسونية، واكثرهم من اليمنيين والمؤيدين لما يعرف بـ «حفلة الشاي»، الابتعاد عن التدخل في الشؤون العالمية.
اما المدرسة الثانية، وهي الجيفروسنية، نسبة للرئيس الثالث توماس جيفيرسون، فهي مدرسة واقعية تتبع المصلحة الاميركية فقط، وفي حالة ليبيا، لا مصلحة اميركية ضاغطة تفرض على واشنطن تحريك اساطيلها من اجل نجدة الثوار ضد القذافي او العكس.
اما المدرسة الثالثة، وهي الولسونية نسبة للرئيس وودرو ويلسون مؤسس «عصبة الامم» التي سبقت قيام الامم المتحدة، وهي المدرسة المثالية وهي التي ينتمي اليها باراك اوباما. هذه المدرسة تقول إن على اميركا مناصرة «مبادئها»، القائمة على الحرية والديموقراطية، بدلا من السعي خلف مصالحها.
المشكلة في هذه المدرسة انها مبنية على عدم تفرد الولايات المتحدة بأي خطوة تقوم بها في سياستها الخارجية، وانها مبنية على سعي الولايات المتحدة الى بناء تحالفات دولية عريضة تسعى من خلالها الى مناصرة المبادئ الحسنة والتدخل لمصلحة الثوار في محاولتهم التخلص من اربعة عقود من حكم القذافي ومواجهة الدموية التي يمارسها ضدهم اليوم.
إذا المشكلة التي تواجه اوباما الويلسوني هي في الدول الاعضاء في الامم المتحدة، وخصوصا روسيا والصين. ومع ان اوباما نجح في استقطاب روسيا لناحيته في السياسة الخارجية منذ وصوله الى البيت الابيض قبل عامين، الا ان الصين مازالت مشكلة مستعصية. لكن الخبراء يتوقعون ان ينقلب الموقف الصيني في حال خسر القذافي مصادر النفط الليبي لمصلحة الثوار.
ما هي المذكرة الرئاسية الجديدة التي سيصدرها اوباما للتعاطي مع ثورات عربية، ليبية وغير ليبية، قد يعمد الحكام الى مواجهتها دمويا؟ «سنراقب ونتعلم»، يقول مسؤول اميركي رفيع.
«ا
«الا ان الشعوب العربية لن تعود الى الصندوق، والتاريخ لن يعود الى الوراء»، يختم محدثنا قوله
التعليقات (0)