مذكرات من بيت الاغتراب 8:
وجوه مختارة:
نصادف في حياتنا اليومية وجوها متعددة،مصادفة او بدونها،سواء اكانت رؤية مباشرة او سماعا بوسائط متعددة! ولكنها تترك آثارا متباينة قد تكون مختلفة احيانا عما يتركونه عادة من نصوص مكتوبة في وسائل الاعلام...
في يوم 27/5/2011 كانت محاضرة ولقاء د. رفعت السعيد وهو سياسي يساري مصري ينتمي الى المعارضة ولا يجد بأسا في انتمائه للسلطة السابقة كنائب مثلا بالرغم من التناقض الصارخ في ذلك!لان الحياة البرلمانية فاقدة لمعناها الحقيقي قبل الثورة...كانت المحاضرة والحوار المفتوح في قاعة مكتبة عامة وقد اعلنت للجالية المصرية والمجال مفتوح للاخرين ايضا...كان الحضور قليلا بالقياس لحجم الجالية واغلبية الحضور كان من كبار السن ومن الاقباط تحديدا،كما كان الحوار جيدا نوعا ما وقد تناول الكثير من الامور الغير معروفة في وسائل الاعلام.
ظهر الهدف من الزيارة الرغبة في الحصول على دعم الناخبين لحزبه السياسي: التجمع الوطني التقدمي الوحدوي،والاسم طويل ولو الغيت كلمة التجمع لكان افضل لانه يسبقها كلمة الحزب التعريفية والتي هي قريبة في المعنى...عموما لم تخلوا محاضرته واجوبته من هجوم شرس على الاخوان المسلمين ومن يسير في خطاهم،بالرغم من انهم معارضين ايضا!كما ان خطابه السياسي يخلوا من برنامج شامل لادارة البلاد وتطويرها خاصة في تلك المرحلة الحرجة التي تستوجب تخفيف حدة الخلاف مع الاخرين وبخاصة لاغراض شخصية!ولا ادري كيف يقود البلاد في حالة فوزه اذا كان برنامجه خالي وحملته مشحونة بصراعاته مع الاخرين وخالية من البرامج التنموية؟! اكيد سوف ينشغل عنها في محاربة القوى السياسية الاخرى المخالفة!...هذا الخطاب السياسي والمنهج الفكري سائد في العالم العربي في اثناء وجود الانظمة الاستبدادية وظهر حتى بعد سقوطها بين اغلب القوى السياسية!... فالمعروف وبخاصة في الدول الديمقراطية ان التركيز يكون بين الحكومة والمعارضة لان ادارة شؤون البلاد بيدها والاخطاء الطبيعية تظهر من خلال الادارة وفشلها،والاختلاف مع بقية القوى المعارضة حتى في حالة اختلاف المنهج هو خلاف ثانوي فهم في النهاية خارج الحكم وعليه فأن الصراع معهم يبقى عبثيا!ولو انشغل كل حزب بكتابة مناهج عامة لادارة البلاد وتطويرها بأقل الامكانيات المتاحة،حينها سوف يكون الاختيار بين الناخبين وفق البرنامج الانتخابي الانسب،اما العزف على وتر تخويف وترهيب الاخرين من بعض القوى السياسية فذلك منهج الضعفاء،وللعدالة ان يكون للاخرين حقهم ليس فقط في الرد بل في الهجوم وحينها تنشغل القوى السياسية بصراعاتها الجانبية التي لا تنفع الجميع بشيء...الملاحظ بأسلوبه كان السخرية احيانا وكانت نرجسيته حاضرة ولم ارى قوة ظاهرة في تأثير خطابه على الحاضرين،وقد يكون تشبع الحاضرين بتاثيرات المحيط الغربي المتنوع والمفتوح عاملا مساعدا على عدم نفوذه من خلالهم! وفي منتصف المحاضرة كان اعلانه توزيع استمارات الانتماء للحزب وطلبه التأييد في الانتخابات القادمة! ولكن يبقى للداخل المصري كلمة الفصل في الخيار كونهم اكثر العارفين بحاله واحوال بقية السياسيين،والاختيار الدقيق يجب ان يكون نحو الاكثر معرفة ومقدرة على ادارة الامور من غيره مع شروط النزاهة والتاريخ الابيض!.
وفي مقابل ذلك الحضور المرئي كان الحضور السماعي اثناء الانصات لراديو اس بي اس يوم 6/6 فقد كان هناك لقاءا ممتعا مع احد الكهنة الشباب واسمه الاب يوسف جزراوي، ولاول مرة اسمع بأسمه قد قدم الى استراليا من هولندا منذ بضعة شهور واصله من العراق وهو من مواليد 1978 ولكن لديه لحد الان 17 كتابا مطبوعا غير اثنان مخطوطان! وعندما استغرب المذيع ذلك النشاط،اجاب انه يأتي من الرغبة الذاتية الملحة في التأليف مشفوعة بتأييد وتشجيع اساتذته في المعهد الكهنوتي،وكان الحوار معه مفيدا وجذابا لكونه يحمل روحا انسانية مثالية وحب للعلم والمعرفة بشكل يثير الاعجاب خاصة في مثل حداثة سنه الصغير نسبيا...دعا الاب يوسف الى التفاعل مع التكنولوجيا الحديثة للاغراض السلمية والانسانية وفي خدمة البرامج التربوية،اي استغلالها لخدمة الانسان وتطويره،كما انه يدعو الى التعليم والتعامل مع الجيل الجديد وفق تقاليد العصر وما استحدث معه من تقاليد ومعارف جديدة،وحديثه ذكرني بعبارة الامام علي(ع)الشهيرة: لا تعلموا اولادكم على عاداتكم فهم مخلوقون لزمان غير زمانكم! وهي عبارة عامة لا تخص بمجتمع او فئة او حقبة زمنية محددة بل لجميع البشر وخلال مسيرتهم في الحياة!...والاكثر من ذلك انه يرفض التقليد وبخاصة تقليد اشخاص اخرون في مسيرتهم الحياتية ويحث على ان يكون لكل انسان خصوصيته وتفرده في اختيار مايريد بشكل يناسب قدراته وحاجاته.
هنالك الكثير من رجال الدين سواء اكانوا مسلمين او مسيحيين او من بقية الملل الاخرى يحملون الشهادات العالية والمقامات العلمية الرفيعة مع المؤهلات الدينية الخاصة بهم والتي ترافق حياتهم العملية وخصوصياتها المتعارف عليها وبخاصة ضرورة تفوق الجانب الروحي على الجوانب الاخرى،وهم بذلك يمنحون لرجل الدين المكانة الحقيقية المثالية الواجب اتباعها والتي تستحق المزيد من الاحترام والتقدير الواجبة على الجميع كما يعطون امثلة نموذجية للسلوك الحضاري وبخاصة في تجنب اثارة العصبيات والعنف واشاعة التخلف والجهل والكراهية والتفرقة والطاعة العمياء لكل من هب ودب!.
لقد ضرب الكثير من علماء الدين امثلة رائعة في البذل والعطاء والتضحية والفداء وكانوا خير قدوة حسنة وعلى مر العصور والامثلة عديدة بلا شك وتشهد دوائر المعارف وموسوعات التراجم على ذلك.
مظاهرات متعددة الجنسيات:
عادة يكون لعطلة نهاية الاسبوع خير زمان لعمل المظاهرات السلمية للتعبير عن الرغبات الجماعية وهي تؤدي دورها في الضغط وفق الوسائل السلمية...وقد صادف في يوم واحد ثلاث مظاهرات قرأت عنها دون ان اراها وهي تخص تأييد الثورات في العالم العربي وقد اشترك المعارضون مع المؤيدين والمتعاطفين الاخرين من الجنسيات الاخرى...فكانت هناك مظاهرة سورية ومظاهرة ليبية ومظاهرة اريترية التي يتوقع المشاركين فيها ان تثور بلادهم ضد الطغيان المستمر منذ استقلال بلادهم عن اثيوبيا عام 1991 اسوة ببقية شعوب المنطقة.
لقد اصبح التفاعل قويا مع البلد الام في ظل التطورات الحاصلة هنا والتي يتلقفها الجميع بلهفة عارمة في ظل تمنيات الاغلبية في ضرورة احلال الحرية والامن والاستقرار في كل البلاد...
المصير الانساني المشترك اصبح واقعا عمليا يفرض وجوده على الساحة الدولية وبخاصة في الجانب الشعبي الذي ازداد تأثيره على النظام الرسمي...انها من ثمار العولمة الايجابية التي حصلت بفضل التطورات الهائلة في التكنولوجيا الحديثة والتفاعل الانساني معها.
التعليقات (0)