مذكرات من بيت الاغتراب 7:
انهمكت خلال اسابيع بقراءة كم هائل من المجلات العربية المتنوعة والحديثة الصدور والمستعارة من المكتبة العامة مستغلا الفرصة التاريخية النادرة التي تتحق لنا من خلال قراءة وسائل الاعلام المطبوعة قبل واثناء وما بعد انتصار الثورات وانقلاب الاوضاع رأسا على عقب لتبيان مواقفها الجديدة ومقارنتها بالقديمة!...
لقد كانت قراءة وداعية بلا شفقة او حنين لمنهج سابق درجت عليه تلك المطبوعات وساد فترة طويلة من الزمن بقوة السيف والارهاب والتمويل، ابعد من خلاله الاعلام الجاد واقلامه الحرة وجعل الساحة فارغة لاشباه المثقفين والانتهازيين...المقارنة الاعلامية بين الحقب الزمنية ممتعة بحق لعدة وجوه اهمها بلا شك عندما نرى جيوش المنافقين الذين يبدلون جلودهم بسرعة البرق ويقومون بوقاحة لا نظير لها بتبرير ماقاموا به من خدمات ذليلة لمؤسسات النظام البائد وفكره المتحكم بحجج هزيلة لا يمكن ان تقنع احدا! بالاضافة الى ذلك تكون المقارنة بين الاعلام ووسائله وغاياته في السابق وما حصل له من تغيير فرصة لاستنباط الدروس والعبر لايقاف حقب الظلام والتردي والعمل على تأسيس النهضة العربية الشاملة التي تبعد النفاق والدجل واهله وتقرب الاحرار الصادقين.
الفوائد لا تتجلى في المعرفة النصية المجردة من الرأي والهوى،لان اغلب المنشور هو اما غير صحيح او مشوه بطريقة غير متقنة لان الغرض الاساسي من النشر هو ان يكون بأتجاه موالاة الحكم وليس ضده!لا بل ظهر ان اغلب الاحصائيات والتي بنيت عليها تحليلات وميزانيات عمومية وتلقفتها المنظمات الدولية هي الاخرى مزورة لاسباب معروفة ومجهولة! بالرغم من بعد بعضها عن آثار نتائج السياسات التطبيقية ولكن حسب لها حساب آخر ولو ضعيف!. الفوائد الكبرى يمكن استغلالها في معرفة رموز النظام وابواقه الاعلامية والتاريخ الاسود لهم وضرورة معاقبتهم حتى لا تتكرر المآسي مرة اخرى ومحاربة ثقافة النفاق واستئصاله من جذوره هي مهمة مثالية في غاية الاهمية،كما وحفظ ذلك للاجيال اللاحقة لكي تتم تربيتها بطريقة عقلانية بعيدا عن المناهج المنحرفة التي تشوه سلوكياتهم وتمسخ الشخصية الحرة المستقلة لكي تحولها الى تابعة ذليلة تستسهل الاستعباد لكل من هب ودب!.
كان مجمل القراءة اكثر من مائة مجلة متنوعة اغلبها مصرية الاصدار بحكم وصولها بكثرة للمكتبة بالاضافة الى مجلات اجتماعية مختلفة(لبنانية وسعودية)وغيرها كما تتفاوت سعة الانتشار فيما بينها.
البداية مع مجلة الحوادث اللبنانية،وهي احدى المجلات النادرة في تأييدها لجميع الانظمة العربية! حتى ان شعارها انها مجلة الملوك والرؤساء العرب! وهذه دلالة على المستوى الارتزاقي المنحط الذي تسير عليه من خدمتها العلنية لحفنة من الاوغاد لا يملكون مستوى ثقافي او اخلاقي ممكن ان يثير الانتباه او يشار اليه،وقد يكون علامة دالة على مصادر تمويلها وصدقيتها...تلك المجلة كانت تنشر المواضيع المؤيدة لكل بلد على حدة بالرغم من حالة التناقض بين المكونات السياسية العربية من خلال شبكة مراسلين لا يختلفون عن اي تابع امني ومن يدري فلعل البعض منهم عملاء امنيين اصلا!...المجلة في مستواها العام ضعيفة وماعدا مقال ثقافي جيد وصغير لجهاد فاضل فأن البقية يغلب عليهم المقال الانشائي الهزيل والتراكم المعلوماتي الغير متناسق وهي اكيد فوجئت بالثورات العربية،فعلى سبيل المثال كانت تصور الحالة التونسية بأنها مثال للتطور الحضاري وتذكر ارقام النمو الاقتصادية والثورة المعلوماتية زمن الطاغية بن علي! ولم تنقلب على هذا التصور الا بعد انتصار الثورة وكذلك الحالة في مصر،وبقيت مترددة في تغيير مواقفها تجاه بقية المتصارعين!...
اذا هي سقطت في الفخ الشعبي الذي طالما تصورته مستحيلا من خلال التبجح الوقح كمجلة جامعة للحكام العرب لنشر فضائلهم واخبار عبقرياتهم الفذة على شاكلة الجامعة الميتة المسماة بالعربية!.
المجلات الاجتماعية ومن ضمنها النسائية هي بعيدة غالبا عن الواقع العربي وبالتالي فأنها كانت تنشر المواضيع الخفيفة والتي تلائم طبائع الطبقات المخملية في المجتمع،وهي دأبت بصورة مستفزة لاغلب الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تشكل الاغلبية الساحقة في نشر الكثير من اللقاءات الصحفية مع زوجات الزعماء وحواشيهم او اثرياء السلطة والنفوذ،وهذه اللقاءات تصور طبيعة حياة وسلوك هؤلاء بصورة مخالفة للوضع الحقيقي بدرجة يصعب تصديقها في النصوص الاخرى!...ومن المثير للانتباه هو انه قبل الثورة التونسية بأسابيع تم نشر الحياة الشخصية والعامة لزوجة الديكتاتور التونسي وايضا المؤتمرات الجامعة لها مع زوجة الديكتاتور المصري لخدمة القضايا الانسانية المختلفة وكأن القدر اراد لهما نفس النهاية بوقت متقارب!والبقية على نفس المنوال...
في تلك اللقاءات يتم تصوير المواقف الانسانية المزيفة لتلك الزوجات المسيطرات على شؤون بلادهن بطريقة غير مشروعة والتي كشفت جوانبها الخفية بصورة جزئية بعد سقوط تلك الانظمة او اندلاع الثورات الاخرى...سقوط تلك المجلات الاجتماعية والفنية متزامن مع البقية ولكن تبدل القناع تم بصورة هادئة دون ادنى اعتذار او اعادة الاعتبار للشعوب وضحاياها.
المجلات المصرية العديدة كان لها حصة الاسد في التواجد بسبب الدعم الحكومي...وكما هو معروف فأن الاعلام الرسمي المصري السابق هو ضعيف القيمة والتأثير وهزيل الى ابعد مدى حتى رأينا كيف ان محطة فضائية واحدة تسرق الاضواء من الصحافة المصرية العريقة التي تحولت الى ابواق اعلامية تافهة منذ عقود لا تستطيع اقناع كتابها فضلا عن القراء لها ان كان لديهم قراء من الاساس في ظل النسب المرتفعة للامية والفقر!...
المجلات المصرية كبقية وسائل الاعلام الاخرى،هي ضعيفة الجودة ايضا ويسيطر عليها جهاز بيروقراطي متضخم وفاسد ثار عليه الموظفون الصغار بعد انتصار الثورة في محاولة منهم لتطهيره من تلك العناصر الفاسدة التي طالما دعمت النظام الارهابي الفاسد لعقود طويلة!...بعض المجلات كانت متطرفة جدا في تأييدها للنظام البائد مثل روز اليوسف والاخرى على مستويات مختلفة مثل الاهرام العربي واكتوبر والمصور واخر ساعة ونصف الدنيا وغيرها ووصلت الى حد السباب والشتم بألفاظ محلية بطريقة غريبة ومنفرة للقارئ،كما ولاحظت ان جميعها بقي على مستوى التأييد حتى بعد اندلاع الثورة في 25 يناير 2011 بعد ان استبعدت تكرار المشهد التونسي بل ومهاجمته! وحاولت تشويه صورة الثورة في الاسبوع الاول ثم خففت من لهجتها في الاسبوع الثاني عندما رأت ان الكفة بدأت تميل في صالح الثورة ثم تركت النظام في الايام الاخيرة وما بعد الانتصار دون ان تؤيد الثورة بشكل كامل! الى ان جاء شهر (مارس) آذار حيث بدأ هجومها على النظام السابق الذي كان داعما رئيسيا لها يظهر بصورة اكثر وضوحا!.
تتبعت مقالات الكبار والصغار ولاحظت نبرة الاعتذار بطرق متعددة، وعرض سيل من التبريرات الوقحة لمواقفهم السابقة دون ان يصرحوا بذلك في اغلب الاحيان للحفاظ على ماء الوجه او البقاء في مناصبهم لاطول فترة!...وفي الحقيقة ان هؤلاء مترهلون بحكم بقاءهم الطويل في قيادة تلك المؤسسات وبالتالي يستحقون التقاعد السريع اذا لم يكن الطرد الذي هو عملية تصحيحية ضرورية لواقع اعلامي يراد منه خدمة البلاد وقضاياها الاساسية بدون نفاق علني،وهذه الزمر تمثل في الذاكرة رمزا للخيانة والفساد وبالتالي ان الاستهانة بتواجدهم على الساحة الاعلامية هو خطأ كبير يجب ان ينتبه اليه الثوار وقياداتهم وقواعدهم الشعبية على حد سواء، لانه سوف يؤسس الى مرحلة جديدة من التهاون في اتباع القواعد القانونية والوطنية والعملية التي تجعل من وسائل الاعلام سلطة رابعة تراقب ما يجري في الساحة وتعيد تقييمه بطريقة تلائم المزاج الشعبي والواقع الوطني والامني، وهم من الممكن ان يكونوا ادوات الثورة المضادة التي تأتي بطرق ملتوية...
لقد انتظرت ان ارى ردة فعل رؤساء تحرير وكبار مسؤولي تلك المؤسسات الاعلامية في الثورة وانتصارها،وتوقعت منهم الثبات على آرائهم ولكن ظهر للجميع ضحالة مستوياتهم من خلال الانقلاب التام على النظام البائد والسلوك الشخصي تبعا لظروف المرحلة الراهنة!.
الاعلام الرسمي العربي لم يكن بمجمله مستعدا لتقبل فكرة الثورات العربية المعاصرة بحكم تبعيته المطلقة للانظمة الحاكمة وعليه فأن تحريره من تلك التبعية مسؤولية كبرى اذا اريد للاصلاح الحقيقي ان يأخذ مجراه الحتمي من خلال الغاء التبعية المادية والحدود المرسومة له وان يؤسس لثورة ثقافية شاملة يكون الاعلام الواعي والملتزم والصادق جزءا رئيسيا منه لا يتبع احدا وهو حر في اختياراته.
التعليقات (0)