مذكرات من بيت الاغتراب 6:
في الماضي عندما كنا بعيدين عن ديار الاغتراب،كان التساؤلات تنساب بكثرة حول طبيعة النظم السياسية الحاكمة والكيفية التي تتم بها آلية تداول السلطة في بعض دول الغرب،وكان من اكثر الامور استغرابا هو لماذا يتم اختيار احزاب يمينية؟ تكون محافظة ولها سياسة تختلف عن تطلعات شعوبنا وفق تصوراتنا،اليس لديهم يسار قوي ويرغب في معاونة الشعوب الاخرى في الحرية والعدالة...لقد كانت تلك الاسئلة تنحصر اساسا في السياسة الخارجية،كما ان هذا التقييد الفكري بين صبغتي اليسار واليمين ايضا غير دقيق لانه في بعض البلدان مثل فرنسا لعب اليسار الاشتراكي دورا خطيرا في دعم الانظمة الاستبدادية الدموية وعادى بشدة التطلعات العربية مثلا في دولة فلسطينية مستقلة بينما كان اليمين اكثر قربا للقضايا العربية! وعليه فقد يكون اليمين اكثر جرأة في الدعم.
بعد العيش في بلاد الاغتراب،اصبحت الرؤية اكثر وضوحا ودقة وذلك لان الناس تختار مرشحي الاحزاب المختلفة،وفق ثلاث اسباب رئيسية وهي:
اولا: الاختيار طبقا للوعود الانتخابية والتي غالبا ما تكون مغايرة للوضع الراهن او مصححة لبعض الاخطاء الناتجة منه،وهذا يعني ان الوضع الداخلي له الاولوية على الخارج وثانيا:ان الحكومة تتعرض للانتقاد بسبب سياساتها اذا كانت خاطئة لانه بيدها القرار وبالتالي فأن تعرض المعارضة للانتقاد لايصح لانها خارج الحكم ويكون النقد الموجه لها اقل بكثير بحيث لا يقارن بالاولى بعكس ماهو شائع في العالم العربي حيث النقد غالبا موجه للمعارضة(قبل الثورات المعاصرة) ومركز عليها ليس فقط من قبل الحكومات بل من المعارضين الاخرين وبقية المستقلين!... ثالثا:الناس تمل من الحاكمين ولا تصبر على اخطائهم الى مالانهاية وبالتالي فأن تداول السلطة وتغيير الوجوه يكون دافعا قويا للناخبين حتى لو لم يهتموا بالشأن السياسي او النهج الفكري الحاكم مادام هنالك تغيير يقضي على اية نزعة للبقاء لاطول فترة....
وهناك شبه اتفاق على ان التغيير لا يكون كبيرا بسبب الصلاحيات المحدودة ووجود معارضة برلمانية ومؤسسات مجتمع مدني واعلام حر وكذلك وجود القوانين والانظمة المعمول بها منذ فترة طويلة بحيث يصعب تغييرها في فترة زمنية قصيرة
من هذا المنطلق تبنى القناعات المتعددة في الاختيار لدى الاغلبية الساحقة، ومن هذه الاسباب المتعددة واكيد هنالك اسباب اخرى يكون الاتجاه نحو ميل البقاء لفترة قصيرة والتقاعد من العمل السياسي والغاء العمل نهائيا اذا فشل في الانتخابات!.
حينها لن تكون هناك دماء وفقدان ارواح وضياع ممتلكات والاهم الزمن الذي لا يقدر بثمن،بل الجميع سوف يكون سعيدا ويسعى الى اسعاد الاخرين.
اركلونا خارجا:
بعد طول فترة، حكم فيها حزب العمال وهو يمثل يسار الوسط ،اكبر ولايتين في استراليا،فاز المحافظون من اليمين في انتخابات تلك الولايتين بأغلبية وفق رغبة التغيير في اتجاهات الناخبين وتطلعهم في اجراء تغيير في الوجوه والادارة وتصحيح الاخطاء التي يعتقد بها المحافظون بالاضافة الى منحهم الفرصة من خلال السماح لهم بتطبيق ارائهم وافكارهم في الحكم الذي لا ينحصر بفئة او فكر واحد!.
الطريف في الامر ان رئيس ولاية نيو ساوث ويلز الفائز اوفاريل وهو محافظ، كان في حملته يقول لبعض الناخبين وبخاصة في بعض ادارة البلديات:اذا لم نف بما وعدنا به،اركلونا خارجا!...واضاف :على الشعب معاقبتنا اذا لم نقدم ما تعهدنا به،وسأكون سعيدا واقدم استقالتي في حال لم اف بتعهداتي!!...بتلك العبارات يلخص هذا المسؤول الجديد كيفية الاختيار وايضا طبيعة النظام السياسي العام والمحلي في استراليا...قال تلك العبارات والعالم العربي يصارع الطغاة في ثورات شعبية عارمة اثارت انتباه العالم اجمع بعد ان يئسوا من حدوث اي تغيير طفيف، سقط فيها عدد كبير من الضحايا الابرياء المطالبين بالحرية والعدالة والكرامة الانسانية المهدورة وبدم بارد دون ان يجدوا العون من المجتمعات الشقيقة (اغلبيتها ينتظر نتائج الصراع لكي ينطلق!) او دعم ضعيف من قبل الغرب لا يوازي حملة القمع الوحشية من جانب الانظمة العربية!.
الشعوب سنحت الفرصة لها لكي تركل بقدميها حكامها ولكنهم متمسكون بكرسي الحكم بعد كل ركلة خارجية!.
اين هذا القول من رئيس ساحل العاج باغبو الذي رفض نتيجة الانتخابات وبقي مستمسكا بالحكم حتى وهو محاصر في القصر الرئاسي! ولم ينفع معه اي مناشدات حتى اقتيد اسيرا مهانا الى المحكمة الجنائية جراء انانيته وتخلفه! ولو اتبع المسار الديمقراطي برحابة صدر لاحتفظ بكل مستحقاته الرئاسية وتأييد الشارع مجددا مع الاحتفاظ بالكرامة والتاريخ الشخصي،ولكن هيهات اذا فهم معادلة ان الحكم هو وظيفة مؤقتة لخدمة الشعب وليس تسلطا عليه!.
ولماذا نذهب لافريقيا! ونحن نمتلك رموز مثالية للطغيان في هذا الزمان!...لماذا نذهب بعيدا وامامنا نيرون العرب وعميد الطغاة بلا منازع:القذافي الذي اشعلها حربا بلا رأفة ولا ادنى ذرة حياء تجاه شعبه والعالم الرافض له،يتصور بغباء لا حدود له ان الشعب راضيا عنه طوال 42 عاما من حكمه دون ان يعي فكرة انه لولا القمع والارهاب لكان في المنفى على افضل تقدير بركلة!.
والبقية الذين بدأوا المنافسة معه دون ان يستفيدوا من الدرس ويحافظوا على كرامتهم وامن بلدانهم عن طريق ترك الحكم لمن يرغبه الشعب، وهم نظام ال خليفة الطائفي في البحرين ونظام البعث الدموي في سوريا واخيرا وليس اخرا نظام علي صالح في اليمن الذي ذكر كذبا عام 2006 انه لن يرشح نفسه ولم تمضي ايام حتى رشح نفسه! وفاز بالطريقة المعروفة،والان هو يحارب بوقاحة لا مثيل لها الملايين الرافضة له بطريقة همجية ومفضوحة متصورا ان الشعب ينسى الاعيبه وفساده وحروبه الداخلية!.
لم نبتدأ السير بعد!...حتى لا نقول مازالنا في بداية طريقنا للحاق بالاخرين الذين تفوقوا علينا بالركلة الخارجية!.
التعليقات (0)