مذكرات من بيت الاغتراب:5
الدول التي يمر على استقرارها السياسي و الاجتماعي فترة طويلة،لا تهتم الغالبية الساحقة من شعوبها بمتابعة الحياة السياسية العامة وتفاصيلها المملة لانها خرجت من دائرة تأثيرها المباشر في الحياة الشخصية وخصوصيتها!...ومن بين تلك الشعوب هو الشعب الاسترالي، ومن هنا كان الضعف الشعبي الواضح بمعرفة حتى اسماء السياسيين البارزين والذين من بينهم الحاكم العام وهو نائب الملكة وهو مايعادل منصب رئيس الجمهوري التشريفي في البلاد التي تحكم بأنظمة برلمانية مثل المانيا والنمسا واسرائيل وغيرها،اما المنصب الفعلي فهو لرئيس الوزراء وللبرلمان المنتخب،ونفس الحال ينطبق على كل ولاية،اي حاكم عام ورئيس وزراء وبرلمان خاص بها،والجميع لهم صلاحيات محدودة وموزعة حسب الدستور والقوانين...
وكما هو معروف فأن الاشخاص يتغيرون بصورة دورية دون ان يكون هنالك ادنى اهتمام بهم وحتى أسمائهم تبقى مجهولة رغم تداولها بحرية في الاعلام، ومن المحتمل ان يكون رئيس الوزراء واحيانا رئيس وزراء الولاية محط اهتمام نسبي ومعرفة بسيطة!...هذا يذكرني بالنكتة اليابانية الشهيرة والتي تنطبق على بلاد اخرى مشابهة لها،وهي ان الياباني عندما يعود لبلده بعد رحلة طويلة للخارج،فأن اول سؤال يوجهه الى سائق التاكسي في طريق العودة هو عن اسم رئيس الوزراء الحالي لكونه عارفا بأحتمالية التغيير في فترة سفره!...اين هذا من الملوك والامراء واخيرا رؤساء الجمهورية في العالم التعيس المسمى بالعربي! فهم مع المولود عندما يولد، حاضرون ويستمرون معه حتى لحده بعد ان يأكله الغم والهم والحزن! بل وحتى في قبره يبقى معرضا للانتقام والتشويه!...
الجهل العام بأسماء معظم السياسيين المتصدين لقيادة البلاد،هو مشهد عام في النظم الديمقراطية كونها تشهد تصدي الكثيرين للمشهد السياسي العام مع وجود الصلاحيات المحدودة وهو ما يساعد على الاستغلال الامثل لقدراتهم والتقليل من سلبيات القلة المتحكمة، وهذا ليس معناه ان الشعب جاهل ويقاد بدون معرفته!...كلا ، بل ان المتابعة هي شديدة ومتواصلة ولكن التقاليد الديمقراطية عريقة ويتم توريثها للاجيال القادمة بطريقة محكمة ولا مجال للخروج عنها بسبب وجود مختلف التيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني المتعددة،ولكن الغالبية الساحقة التي لا تهتم بالسياسة هي من تتجاهل عن عمد او لا ترى من الضروري متابعة ذلك بل يبقى الفيصل هو السياسات المتبعة وتأثيراتها على السكان بصورة مباشرة!.
نساء ومهاجرين!
اثناء كارثة الفيضانات في استراليا في بداية عام 2011 ،ظهرت عدة مرات في وسائل الاعلام رئيسة وزراء ولاية كوينزلاند التي تعرضت للكارثة...وحينها اثارت انتباهي ظاهرتين:الاولى هي كثرة النساء في المناصب السياسية وبخاصة القيادية منها سواء على المستوى الاتحادي او الولايات وبخاصة المنصبين الرئيسيين:الحاكم العام ورئاسة الوزراء!والاخرى هي ان المهاجرين او أبنائهم،لهم نصيب وافر في المناصب العليا للدولة كما هي في المجتمع!.
فالحاكم العام لاستراليا،هي امرأة وهي نائبة لملكة،ورئيسة الوزراء ايضا امرأة مهاجرة من ويلز في بريطانيا! وزعيم المعارضة ايضا مهاجر من نفس البلد!ووزيرة الدفاع او بقية الوزارات الاخرى وكذلك زعماء الاحزاب الخ...
الحاكم العام لاكبر الولايات(نيو ساوث ويلز) هي امرأة ايضا ومن اصول لبنانية(ماري بشير) كما ان رئيسة وزراء الولاية ايضا امرأة امريكية مهاجرة حصلت على الجنسية عام 2000!...هذا بالاضافة الى وصول امرأة اخرى مولودة خارج البلاد الى رئاسة الوزراء في ولاية تسمانيا(24/1/2011) ،كما ان الحاكم العام لولاية فيكتوريا مهاجر سيلاني ورئيس الوزراء السابق هو لبناني ورئيس البلدية السابق من هونغ كونغ ! وهذه بالطبع نماذج للاشارة وليست للحصر!...هذا يعني ان النساء لهن دورا رئيسيا في ادارة استراليا يفوق معظم البلدان في العالم ،وادارتهن ثبت للجميع نجاحها لان الاغلبية تقريبا يملكن قدرات علمية او ادارية رفيعة المستوى والا لما وصلن الى ما وصلن اليه من مقدرة على الحكم والادارة والابداع.
الشيء الذي اثار الانتباه هو ان العاطفة والتي تتميز المرأة بها، قد دخلت معها في صميم العمل السياسي وقراراته ايضا!...فبكاء المرأة او تأثرها الواضح نتيجة الكوارث الطبيعية او مع الحالات الانسانية الخاصة مثلا،هو شائع ودون ان يواجه بأستنكار او استهجان من قبل الرجال خاصة اذا كانوا من المعارضة التي تتصيد الاخطاء!...
فقد رأينا رئيسة الوزراء وهي تبكي في البرلمان حينما تحدثت عن كارثة الفيضانات ورفعت صورة فتى استرالي(13عام) ضحى بنفسه من اجل انقاذ والدته واخيه الاصغر في ايثار نادر في هذا العصر،وقد ذكرتني تلك الحادثة بالمقاتلين العطشى الجرحى الثلاثة في الجيش الاسلامي في معركة اليرموك والذين استشهدوا بعد ايثارهم لزملائهم في رغبتهم شرب الماء قبلهم!.
رئيسة وزراء الولاية المنكوبة ايضا كانت تبكي او تظهر متأثرة بأستمرار،والظاهر ان تلك العواطف اثرت كثيرا في اتخاذ الكثير من القرارات ليس فقط في داخل البلاد بل في خارجها ايضا عندما حصلت الزلازل في نيوزيلندا واليابان...اذا في هذه الحالة ومع التصور الشائع بتغير الطبائع نحو الاسوأ مع الارتفاع في مستوى الدرجات الوظيفية والسياسية نحتاج الى الارتفاع بالمستوى المهني للنساء كي يمنحن تلك الوظائف مسحة انثوية خالصة وبخاصة عواطفها المتدفقة في الكثير من القضايا الانسانية التي يتجاهلها من يحاول اثبات رجولته في عدم التأثر او الادعاء بصلابة الموقف!.
ان وصول النساء الى تلك المناصب وبتلك الكثرة السائدة ،هي دلالة واضحة على مقدار التقدم الحاصل من نتائج منحها الحقوق الاساسية ونقلها من النص الى الواقع،كما ان نصيبها في الحياة العملية هو واسع بلا شك وسوف يضيف الى الدخل القومي مصادر هامة كانت مقدر لها الضياع لو تم حرمانها من المشاركة الفعلية... وهذا الحديث يجرنا الى حجم الطاقات المعطلة والمهدورة للاناث في العالم العربي من كافة النواحي والتي يصعب تقديرها بدقة متناهية مع الاضطهاد والقمع الاسري اللذان يسلبانها الحقوق الاساسية التي تنص عليها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية...
حالة المهاجرين ايضا لها دلالة واضحة فهي تدل على ان الدول التي دمجتهم في مجتمعاتهم وبصورة عملية قد حققت اعلى النتائج الرائعة في مختلف المواقع،ولنا امثلة في امريكا الشمالية واستراليا كنماذج مثالية الى حد بعيد،وقد وصل البعض منهم الى اعلى المستويات سواء من الناحية السياسية او المادية بل وحتى المعرفية ومنها الادب والفكر...صحيح قد تكون هنالك خروقات نادرة ولكنها من وراء القوانين،وتلك المعاملة والمساواة تتوافق مع المطالب الاساسية لحقوق الانسان وحرياته الواردة في الاديان والمذاهب الوضعية والتي تدعو لها صراحة دون ان تجد من يستمع اليها بالرغم من الادعاء بعكس ذلك!...وفي هذا المجال ايضا مازالت دول العالم العربي متخلفة كثيرا في منح تلك الحقوق للمهاجرين واللاجئين والعمالة المؤقتة،بل مازالت العبودية والرق موجودة وبصور متعددة، قد يظهر البعض منها في وسائل الاعلام عندما تكون الحالة ماسأوية! ومن هنا نرى حالة الكره المتبادل تبقى بين الاطراف كافة والتي تنفجر في لحظة غضب جماعية،بينما كان الاولى تحويلها الى حالة من الانسجام الاجتماعي التي تعود بالنفع العام...بل الاسوأ ان اغلبها مازال يضع القيود على مواطنيه في الوصول الى المناصب العليا ويبحث بتأني وصبر شديد عن اصوله قبل خمسة قرون او الف عام! ناسيا ان دولته لم تكن بنفس الحالة في ذلك العصر!.
ان التخلف والجهل ليس منحصرا في موقع واحد، بل يدخل في الحياة الى درجة يوجه العقل واللاوعي الشعوري نحو سلوك مشين نراه صائبا ونزينه بمختلف الاوصاف الدينية والوطنية النادرة ...وفي تلك اللحظة من فقدان الذات نفقد كل شيء معها!.
التعليقات (0)