مذكرات من بيت الاغتراب 4
تسبح في بحر الواقع الذهني وخياله، الكثير من الافكار والاراء والمواقف التي تطرأ فجأة على البال من جراء محاكاة الواقع،مرئيا او سمعيا والذي يتبين اثره لاحقا.
وقد تثبت في الذهن بعض التأثيرات الجانبية من زمرة تلك الوقائع والحوادث الشخصية والعامة،والبعض الاخر قد يطويها النسيان في غمرة الوفرة الغير مسبوقة والحاصلة من جراء التدفق المعلوماتي الهائل او الانشغال بأمور الحياة التي تزداد تعقيدا بمرور الايام...وقد يكون من ضمن المفقودات اكثر اهمية مع الاسف!.
ليس كل ما يقال او يكتب هو نتيجة رد فعل ذهني لاهم الاحداث!...ولكن يمكن استخلاص المهم من وفرة الكثافة الموجودة!.
1-كانت تأثير زلزال نيوزيلندا المدمر كبيرا على الداخل الاسترالي لكونها اقرب البلاد لها من كافة النواحي...وبالرغم من كون نيوزيلندا بلدا غنيا ولا يحتاج الى اي مساعدات مادية سوى الخبرات في انقاذ ما يمكن انقاذه واعادة البناء وفق احدث التقنيات...الا ان المساعدات الاسترالية الحكومية والخاصة وصلت الى ابعد مستوى بحيث ان الاذاعات الخاصة والعامة على سبيل المثال واصلت في حملات جمع التبرعات وقد اشتركت الجالية العربية بقوة في هذا المجال تعبيرا عن عمق الروابط الانسانية والتأثير الحضاري المتبادل...وبالتأكيد فأن حصيلة المبالغ المالية والمساعدات العينية كانت ضخمة جدا...لكن هنالك الكثير من المواقف التي يقف المرء عندها في محاولة لاستخلاص الدروس والعبر ومنها قيام جامعة ادلايد على سبيل المثال في فتح الدراسة مجانا امام الطلبة الجامعيين في المدينة المنكوبة لحين الانتهاء من اعادة بناء الجامعة وحتى لا تتوقف الدراسة ويقف الطلبة حائرين بالرغم من ان الجامعات في نيوزيلندا قادرة على سد النقص...وهذا لم يحدث وغيره مع شديد الاسف في اوطاننا التي لازمت المحن والكوارث بعضا منها!.
ان التعاون الانساني الرفيع المستوى بين الشعوب هو دليل تحضر ودليل على عمق العلاقات الانسانية وتطورها واثرها في البناء السليم للمجتمعات وخلق شخصيتها الحرة الخالية من النفاق الاجتماعي والانحطاط الاخلاقي واللامبالاة والكسل،والعكس صحيح!...
ومع شديد الاسف فأن تلك الكوارث عندما تحصل في داخل العالم العربي او حتى لدى الشعوب المجاورة له...فأننا نرى ليس فقط عدم الاكتراث بمصيبة الاخرين وتجاهلها بطريقة دالة على تخلف وجهل وسوء تربية وضعف الوازع الديني وانعدام الضمير الانساني الحي...بل نرى لدى شرائح واسعة حصول الابتهاج والغبطة والفرح والسعادة لاسباب قد تكون دينية او مذهبية او عرقية او قومية على وقوع تلك الكوارث الطبيعية او حتى الناتجة من الصراع المسلح، بطريقة وقحة اقرب للهمجية القبلية ولا يمكن لاكثر الالفاظ السيئة دلالة على تقريب الوصف بدقة لذلك المستوى المنحط من الاخلاق وانعدام الضمير الانساني!...الغريب ان ذلك ليس سريا بل هو شائع حتى في وسائل الاعلام الالكترونية والمطبوعة والمرئية والمسموعة ويتقاذفها احيانا اعيان المجتمع وبطانة الحاكم بطريقة تجعلنا في ادنى مراتب الامم تحضرا في وصف المشاعر الانسانية النبيلة...كما لا يمكن للثورات المعاصرة ان تزيل ذلك الكم الهائل من الاحقاد او الاخلاق السيئة من النفوس المريضة ولكنها تستطيع تخفيف حدته! فالحالة تحتاج الى جهاد ذاتي مستمر في معالجة هذا النوع من الامراض النفسية والاجتماعية التي تحيط بنا من كل حدب وصوب بطريقة تثير الغثيان!.
2-كان اللقاء لهذا اليوم5/3/2011 في راديو اس بي اس العربي هو مع الرحالة التونسي رضا بلحاج احمد ممتعا بحق...
فهذا الرحالة التونسي ترك بلده تونس في 20/2/1998 في رحلة حول العالم مشيا على الاقدام لغرض الدعوة الى السلام والمحبة والتعاون بين مختلف شعوب العالم وايضا لغرض التعرف على عاداتها وتقاليدها وثقافتها والانماط الحياتية المختلفة بين مختلف المجموعات البشرية معيدا بذلك سيرة الرحالة العرب القدامى امثال ابن بطوطة وابن جبير واضرابهم والذين اعتبرهم وبخاصة من بلاد المغرب العربي في كونهم الاكثر حضورا وأثرا في التاريخ وادب الرحلات...وقد وصل الرحالة الى استراليا في تموز 2010 وهو الان في وسط البلاد في مدينة صحراوية تبعد الاف الكيلو مترات عن المدن الكبرى.
وقد اجاب في حواره الممتع والمهذب مع المذيع على الكثير من الاسئلة والتي من المحتمل ان يدونها بعد الانتهاء من رحلته حول العالم.
والرحالة رضا يسير يوميا وحسب الظروف المناخية بين 30-45 كيلو متر ولا يسكن القرى والمدن بل يقوم بتثبيت خيمته في خارجها بطريقة لا يدخل اليها اي نوع من الحيوانات او الحشرات...وقد أثار اعجابه اخلاق الناس وتفهمهم العالي عن رحلته واهدافها لكون استراليا قارة كبيرة ومن الشائع ان يقوم الناس برحلاتهم الطويلة الامد حولها مما يعني ان لدى الاخرون معرفة مسبقة بما يقوم به الرحالة المحليون والاجانب،وبالتالي فأن تلك الحالة الشائعة هنا هي نادرة الى حد ما في العالم حسب وصفه لها...وعن المساعدة التي يتلقاها من الناس...اجاب انهم اول شيء يسألونه عن الماء ثم الطعام ثم اذا يود الركوب في السيارة او المواصلات العامة الاخرى!...وما اثار استغرابه هو انه اقام متعمدا بالقرب من قرية لسكان البلاد الاصليين من الابورجنيز،للرغبة في معرفة طبائعهم وتقاليدهم وثقافتهم، ولكن الذي اثاره انه لا احد يسأله عن حاله ووضعه رغم انه غريب عنهم او لا يتدخلون بشؤونه بالاسئلة المحرجة وهي عادة شائعة في مجتمعاتنا!.
يمتلك الرحالة التونسي رضا بلحاج احمد ثقافة واسعة ومتنوعة وثرية مع صبر نادر على الشدائد وحب استطلاع والعيش في منتهى البساطة وفي ظروف مختلفة وسوف ننتظر آثر ذلك في نصوصه التدوينية من خلال رحلته حول العالم وما صادفه من غرائب وعجائب ومعيدا لادب الرحلات عصره الذهبي وبخاصة من خلال عدم الاعتماد على الوسائل الحديثة للاتصال او المواصلات مفضلا الاساليب والطرق البدائية التي تعتمد على قوة البدن ومحاكاة الواقع عن قرب ونقله وتسجيله.
واكيد ان امام هذا الرحالة المثالي سنوات اخرى طويلة لكي يكمل رحلته حول العالم ثم يعود الى وطنه الحبيب:تونس الذي وصف للمستمعين اشواقه الحارة له وافتخاره برفع اسمه خاصة بعد سماع اخبار الثورة وانتصارها المدوي على الطغيان والارهاب والتي نقلت اسم البلاد الى جميع بلاد المعمورة...
ان ادب الرحلات يستلزم له شروط مثالية لتحقيقه والتي من بينها حيازة مجموعة من المعارف المختلفة مع البنية الجسدية القادرة على تحمل الرحلة المتعبة،وهذه المعارف تكون كافية لتلبية متطلبات اسس ومبادئ الحوار الثقافي مع الشعوب الاخرى وخلق قاعدة جامعة معها لغرض اشاعة الامن والاستقرار في العالم،ومعرفة ادق التفاصيل عنها مع التدوين الكامل لها كي تكون تحت خدمة الجميع ومن يدري فقد تتحول الى مراجع تاريخية ووثائقية هامة...
التعليقات (0)