مواضيع اليوم

مذكرات من بيت الاغتراب 12

مهند الموسوعة الحرة

2011-12-26 14:51:18

0

مذكرات من بيت الاغتراب 12:

دار الافتاء في الديار الغربية!

احيانا تجمع وتختصر وتعزز المصادفات والحوادث اليومية الكثير من الرغبات والجهود وتوفرها بلا ادنى جهد وفي مختلف الاتجاهات والافكار!...فقد كانت مصادفة بديعة جمعتني في احدى المراكز الصحية(24/11) مع المفتي السابق لاستراليا ونيوزيلندا...الشيخ فهمي الامام الذي لم اكن اعرفه من قبل سوى من خلال ما يحضرني في الذاكرة من بضعة صور واخبار عامة تتطلبها المواقف المختلفة من قبيل سماع لقاء او خطبة له على الاثير.

لم يكن مرتديا زي رجال الدين بالطبع حين التقيته ولذلك لم اميز شكله عن غيره وكان مريضا نتيجة لكبر سنه(مواليد 1927)وهو في الاصل من مواليد لبنان وهاجر الى استراليا عام 1951 وعليه فأنه متشبع بخبرة كبيرة في الغرب وما ينتج عن العيش فيه من ايجابيات وسلبيات وكذلك من طلبه للعلم الديني بعد مجيئه لاستراليا وهي نادرة نسبيا واستمراره في المطالعة والبحث.

كان الحوار معه بديعا وخاصة في تقبله للتساؤلات والاجابة عليها بروح مرحة وهو ما ذكرني بمنظره في صحيفة عام 2000 وهو يحمل الشعلة الاولمبية في مشاركة رمزية جميلة دالة على رغبة روح التفاعل الصادقة ضمن الاحتفالات التي سبقت دورة العاب سيدني الاولمبية،وقد ذكرت ذلك له بالطبع والتي اعقبها بأبتسامة مثنيا على قوة الذاكرة واستحضارها السريع في هذا اللقاء.

تولى الشيخ فهمي الامام منصب الافتاء عام 2007 وتقاعد منه لاسباب صحية عام 2011 فاسحا المجال لجيل جديد، كان من نصيب المفتي الجديد د.ابراهيم ابو محمد الازهري المصري...والحقيقة تقال ان الشيخ الامام وسلفه الشيخ تاج الدين الهلالي وخلفه ابو محمد هم اناس منفتحون ووسطيون ويعادون التطرف والارهاب والتكفير وينادون بالوحدة والحوار والاندماج في العصر بروح خلاقة دون فقدان الاصول وهي من المواصفات المثالية لرجل الدين المعاصر وبخاصة في بلاد الاغتراب حيث يعيش البشر ضمن مجتمعات متعددة ثقافيا واثنيا لا حصر لها في مساحة واسعة من الحرية مما يفرض الوجوب في التعايش السلمي ضمن الاحترام المتبادل وبالتالي يقودون المؤسسات الاسلامية بطريقة عصرية خالية من التعصب الاعمى وضمن سياقات التطور...وطبيعي ان ذلك لن يكون في صالح المتعصبين والباحثين عن قادة ومؤيدين من ممثلي الجانب الروحي بالخصوص لتبرير اعمالهم وآرائهم المرفوضة!.

اثنيت كثيرا على صراحة الشيخ فهمي وقبوله الاستماع والترحاب وعلى شجاعته في التنازل عن منصب الافتاء في وقت يتهالك على الزعامة الدينية او الزمنية كثيرون في العالم العربي حتى اصبح علامة دالة عليه!.

دور الافتاء في البلدان الاسلامية هي من المؤسسات الاسلامية التي تعنى برعاية الجانب الفقهي والعقائدي لاتباعها المقلدين حسب مذاهبهم المختلفة بغية سد احتياجاتهم النظرية والعملية في ادارة شؤون حياتهم العامة والخاصة ضمن اطار التعاليم الدينية،وهي تلعب دورا مهما في ادارة الكثير من المؤسسات والهيئات الخيرية الاخرى التي تقوم بواجبها الرعوي والتي تقدم الخدمات الاجتماعية الجليلة.

ومع نشوء الجاليات المسلمة في الغرب وتضخم اعدادها بمرور الزمن...اصبحت الحاجة ملحة لتأسيس الكثير من المؤسسات والجمعيات والهيئات الاسلامية لغرض الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية واللغوية وادارة المعاملات الشخصية بل وحتى اصبحت تعنى بالشؤون الاقتصادية وما يتفرع منها من فروع عديدة تؤثر بصورة كبيرة في طبيعة التواجد الاسلامي في بلاد الاغتراب وهو لا يختلف ايضا عن دور الكنائس المختلفة للطوائف المسيحية المتعددة...ومن بين تلك المؤسسات،نشأت دور الافتاء والتي تستجيب لكافة احتياجات الفرد والجماعة المسلمة في الغرب بدلا من البقاء منتظرة استجابة قرارات وفتاوى وتوجيهات دور الافتاء العديدة في العالم الاسلامي مع ما يعرف عنها من اختلاف وتناحر وخضوع البعض منها لتوجيهات السلطة الحاكمة مع جهل فاضح لطبيعة الاختلاف الجذرية بين المجتمعات وسبل التعامل معها!.

تحديات عمل دور الافتاء في الديار الغربية هي اعظم بكثير من المتواجدة في الديار المسلمة من عدة عوامل،ويكمن اهمها الاستجابة للتحدي الاعظم المتمثل بالحفاظ على الهوية الخاصة بالجاليات المسلمة مثلما تفعل بقية الجاليات العرقية واللغوية الاخرى،كما ان المستحدثات من المسائل الفقهية في الغرب والتي اصبحت واقعة بفعل العيش المشترك تمثل تحديا جديدا يحتاج الى اجابة دينية معاصرة تختلف احيانا عن ما موجود في العالم الاسلامي الذي يتميز ببيئة اسلامية سائدة بالرغم من سيادة الكثير من الاعراف والعادات والتقاليد المنافية للدين واحكامه الشرعية الواضحة!.

لم يعد كافيا التوجه نحو البلد الام او للنصوص القديمة في استنباط الاحكام بل امست الحاجة ضرورية لاستحداث وسائل جديدة تناسب العصر وتحدياته المستجدة ومن هنا ازدادت الحاجة الى الاجتهاد وترك التقليد الاعمى...

البقاء ضمن دائرة الماضي وقيودها هو انتحار مقصود وليس تبعية عمياء!.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات