فجأةً ودونَ سابق إنذار سكتْ مُحدثي عَبود عن الكلام المباح وحدّق فِي وجهي تَحديقةً تنبىء عن حُمق أزلِي موروث - ذكرتني بالمرحوم دحيِّم وكأني أراه ماثلا بشحمه أمامي - قائلاً حدسي وذكائي الفطريان يُحدثاني انك متلهف لسماع باقي المذكرات، قلت: مادمت أصغيتَ لذكائك فما الذي أوقفك.. لِمَ لا تكمل؟ أم إنك تخشى نفاد عجائب هذه المذكرات الدحيِّمية وانفراط عقدها المنضود، هنا اكفهر وجهه وامتقع لونه واستحضر كل غباء الدنيا وقال ها.. كأنك «تتطنز!!» ثُم أردف مشكلة أخي دحيِّم أنـه عالم ضاع بين جُهال والمشكلة الأخرى أني لوطلبتك مقابلا ماليا لسماعك لأدركت قيمتها، ولو أني في أوروبا والدول المتغدمة لكالوها بالذهب.. فسكتُّ غضبانَ آسفاً وبلعتُ إهانته وقلتُ في نفسي إنه كأخيه خِبل ويسويها فليس بينه والجنون إلا مقدار مابه من عقل.. لم يمنحني كثير وقت لأشطح بخيالي عندما نط كالسعدان صارخا في وجهي وإصبعاه كادا أن يفقآ عيني: كأن الكلام لم يعجبك؟؟ لا أبداً إنه يعجبني وهمست: لعن الله الحاجة لأمثالك..
فقال عبود وهو ينفض كتفيه إعجاباً بعبقريته وأخيه إذن اسمع :
يقول دحيم :
بعد تفضله علي بإزاحة سيارته عن كراجي بكل برودة هرولت كالملدوغ ونطيت في سيارتي نطة يحسدني عليها الخاملون ويشزرني لها المترفون - ومن كدحيم في لياقته وتنطيطه وتخبيطة - ثم وبلمح البرق انطلقت لمجلس القراءة الذي أؤمه دائماً حيثُ وصلتُه لحظة انفضاضه فوجدتُ الناس في هرج ومرج تسألُ عني ولدقة دحيم في مواعيده والتزامه فقد كثرت الأقاويل في تأخري لعل أكثرها إلحاحاً بأفواههم أني متُّ أو داهية أخذتني وأراحت العباد مني لم أشأ أخبارهم بما حل بي خوف اجتماعهم على لومي واتهامي بقلة الدين فرأيتُ أن إشغالهم بأمر آخر أحجى فسألتهم عن أقرب مجلس للقراءة فأجابوني دون أن يغيب تأخري عن أذهانهم عندما زموا شفاههم لتصبح كيوم السبت طولا وتـهامسُهم يصك أذني «توا متفرغ تلاقيه راقد» أو مشغول كعادته بأمور الدنيا كتمت غيظي ووصلتُ المجلس الموصوف في العاشرة والنصف مساءً أخذت مكاني ضمن زحمة كيوم الحشر أو قل أخذتُ نصف مكاني حيث كان قعودي في المكان هبوطاً من فرط اكتظاظ الناس حتى أنّ ركبتيّ التصقتا بصدري فضممتهما بيديّ، التفتُّ نصف التفاتة فالتصق وجهي بوجه جاري حين سألتُه - وقد ركضت الساعة للحادية عشرة مساءً - أين الخطيب أليس موعده في العاشرة والنصف؟؟ لماذا تأخر كل هذا الوقت؟ لماذا لا يلتزم بموعدٍ هو من حدده؟؟ ألا يعلم أن لدينا ارتباطات هامة وشخصٌ مثلي الدقيقة عنده بميزان والثانية بُحسبان وهذا الزحام الذي نحن فيه كتم أنفاسي؟؟ فأربد وجهه وجحظت عيناه «وتثمّن» حاجباه أي صارا كرقم «٨» وقال هؤلاء خدام الشريعة كيف تسمح لنفسك بانتقادهم شكلك لرباري!! قلتُ تقصد ليبرالي، قال ها.. الحمدلله إنك اعترفتْ..
وللحديث بقية..
التعليقات (0)