مذبحة في عيد الحب و تساؤلات محيرة
اي مصادفة يحملها اغتيال الحريري في يوم الحب ؟! وكيف سيرتبط هذا التاريخ بأذهان اللبنانيين بعد هذه المذبحة ؟ وإذ لا يمكن الخوض في التكهنات بمن يقف وراء هذه الجريمة فيمكن القول ان التداعيات كانت لافتة بدءا من التظاهرات المتفرقة في انحاء لبنان وانتهاءا بالادانات الداخلية والعالمية لهذه الجريمة.
ويمكن الوقوف هنا عند عدة امور لافتة : الاول هو صب جام غضب بعض المتظاهرين على رموز سورية في لبنان من محاولة احراق مقر حزب البعث الى تمزيق لافتات تشير الى سورية الى الهتافات ليس ضد الوجود السوري في لبنان فحسب بل ضد سوريا (بدنا نحكي الحقيقة سوريا ما منطيقة ) وهو ما يشير بوضوح الى ان الناس تحمل سورية بعفوية او قصدية مسؤولية ما عن هذه الجريمة.
الامر الثاني هو اجتماع المعارضة في منزل الحريري وتحميل السلطة اللبنانية وسوريا صراحة المسؤولية عن هذه الجريمة والمطالبة باستقالة الحكومة وخروج الجيش السوري من لبنان قبل الاستحقاق الانتخابي،دون افصاح عن دواع هذا التحميل او شرحه. بل ان احد نواب كتلة الحريري قال صراحة " لا نريد بان تشارك السلطة في الجنازة". وانتقل هذا الموقف الى عائلة الحريري.
الامر الثالث هو البيان الصادر عن دار الافتاء والذي يقول صراحة ان ( المسلمون في لبنان يضعون هذه القضية بكل خلفياتها وتداعياتها في يد الشعب اللبناني، وفي ضمير الامة العربية والاسلامية، ويشددون على ان يتحمل الجميع مسؤولياتهم الكاملة على هذا الصعيد. ) وهو يدل بوضوح شديد انه ليس هناك ثقة بأجهزة الدولة اللبنانية لكشف خيوط هذه الجريمة او عدم التستر على هذه الخيوط وقد تحدث البيان باسم المسلمين والسنة تحديدا وهو ما يشير الى تحول واضح في موقف احد رموز الطائفة السنية من السلطة اللبنانية
هذه الملاحظات تقود الى : ان اغتيال الحريري سيكون علامة فارقة ليس في تحرك المعارضة وتصعيد لهجتها ضد السلطة وسوريا بما يشبه طلاق نهائي، ولا بعلاقة السلطة بهذه المعارضة، بل انه يشير بوضوح شديد الى تحول اخر يضاف الى تراكمات العلاقة اللبنانية السورية وهو انتقال التيار المؤيد للحريري الى صف الكره الشديد للوجود السوري وقبله كان تحول انصار الحزب التقدمي الاشتراكي سواء في صفوف الطلبة او في الشارع المسيس او غير المسيس
اذا كانت جريمة الاغتيال حدثت عشية اجتماع كان مقررا للحريري مع اركان المعارضة لتنسيق المواقف وإن كان تحت سقف الطائف كما قال الحريري فهذا يقود الى ان الجهة التي تقف وراء هذا الاغتيال قد هدفت الى ارسال رسائل بالجملة ليس للمعارضة فحسب بل ان بعضها يطال الوضع الدولي وملابسات القرار 1559
ان السلم الاهلي في لبنان غير محصن ويمكن ان تعود الامور الى الاقتتال في أي لحظة وقبلها كانت محاولة اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة ابرز وجوه الحزب التقدمي الاشتراكي وكذلك ما ذكر بعد عملية الاغتيال عن ظهور موكب لوليد جنبلاط مسلحا، وهو ما يبدو انه كان في اذهان من خططوا لهذه العملية، اي اظهار الوضع الامني هشا وقابل للانفلات باي لحظة وكذلك اظهار سهولة اختراقه عبر عملية ضخمة ومنفذة بدقة
ان المضي قدما في مطالب المعارضة ومعركة كسر العظم بينها وبين السلطة وعلو صوت المعارضين بالمطالبة بتنفيذ القرار 1559 لا يمكن ان يمر هكذا وخصوصا اذا تذكرنا تصريح قريب لاحد اركان المولاة يهدد فيه وليد جنبلاط ورد الاخير بان هذا الاسلوب لن يرهبنا ومذكرا هذه الجهات بوقوفها وراء اغتيال الزعيم الراحل كمال جنبلاط
محاولة اعادة خلط الاوراق بشدة في الساحة اللبنانية قاطبة ونشوء وضع مربك وضبابي للجميع لا يستطيع احد فيه ان يشير الى احد او جهة صراحة تقف خلف هذه العملية وان كان من السهل للجهات الموالية للسلطة وسوريا ان تشير لاسرائيل كمستفيد رئيس من هذه العملية فأن هذا سيعتبر بنظر الناس نوع من تكرار اسطوانة ممجوجة دون سماعها او حتى مساءلة هذا الاتهام
ان اغتيال الحريري بالذات امر قد يؤدي الى نفي التهمة عن سوريا او عن الجهات الموالية لها كون الاخير كانت اخر معاركه السياسية هي خوض معركة التجديد للرئيس اميل لحود رغم ان هذا الخيار لم يكن شعبيا حتى لدى انصار الحريري نفسه لكنه خاضه التزاما بالرؤية السورية للوضع الداخلي اللبناني والدولي.. ولايمكن ايضا وبنفس الوقت تجاهل ميل الحريري في الايام الاخيرة الى تيار المعارضة للسلطة وسوريا وكان مؤكدا ان انضمامه للمعارضة سيجعل السلطة والموالين لها ولسوريا ايضا في موقف لا يحسدون عليه
امام هذه التساؤلات والاتهامات التي بدأت تتطاير ضد اسرائيل وسوريا يمكن القول ان سوريا ستكون الخاسر الاكبر من هذا الاغتيال لانه سيكثف التدخل الدولي في الوضع اللبناني الداخلي الذي بدأت بوادره بالمطالبة الفرنسية بجهة تحقيق دولية حول هذه الجريمة وكذلك ابداء المتحدث باسم البيت الابيض قلقه ازاء الاحتلال الاجنبي للبنان وهو يتحدث عن وجوب معاقبة الجهة التي تقف وراء هذه العملية ولا يمكن ان تمر هذه الحادثة كحوادث اخرى سبقتها لاساب عديدة منها ان لبنان منذ فترة غير قصيرة ومنذ قبل القرار 1559 تحت المجهر الفرنسي والامريكي وستكون هذه العملية مدعاة لتدخل دولي اكثر تأثيرا في الساحة اللبنانية
ذهب الرجل و قد وسم مرحلة من تاريخ لبنان باسمه الا ان رحيله اغتيالا وتداعياته جعل السلطة وسوريا يقفان في العراء
"ايها المهر الاسود
اين تمضي بفارسك القتيل"
خلف علي الخلف - ايلاف
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونية
التعليقات (0)