ربطتني بالأخ الأكبر أسامة هيكل علاقة عمل امتدت إلى سنوات قبل أن ينتقل إلى مبنى ماسبيرو ليخدم الوطن من خلال عمله وزيرا للإعلام. ظلت نظرتي إلى "هيكل" نظرة حب وإجلال وإكبار لزميل وقائد حريص على الجودة والتميز والعلاقات الطيبة مع الجميع، وكنت ممن فرحوا فرحا شديدا بتوليه منصب وزير الإعلام، لأنه واحد من قبيلتنا وعَلَم من أعلامها ونجاحه نجاح لنا، وفي الوقت نفسه إن رأينا هفوات وجب علينا أن نلفت نظره إليها من منبع الحب ومصلحة الوطن معا.
أعلن وزير الإعلام الاستغناء عن 365 من رواد الإذاعة، وأبقى على 11 فقط منهم، بدعوى توفير 4 ملايين جنيه سنويا للدولة. وقد ذكر جمال نافع في مقال له أن وزير الإعلام هاتفه للتعليق على ما كتبه حول هذا الموضوع، وقال في مكالمته: "لسنا وزارة شئون اجتماعية لكى يكون اهتمامنا بمن خرج على المعاش، فليس من المنطق أن يظل هذا العدد الكبير الذى يحجب أجيالا وراء أجيال" (الأهرام/ 11 سبتمبر 2011) وأضاف أن الأسماء التى تم الاستغناء عنها ستوفر مئات الساعات تخصص لشباب الإذاعيين، وأن على من يصل إلى سن الستين أن يترك الساحة لإعطاء الفرصة للشباب.
قرار الوزير في ظاهره مراعاة للمصلحة العامة وتوفير للنفقات، لكن الخطير ما يحمله باطن القرار، ففيه مذبحة لرواد الإذاعة، لكنها مذبحة أشد وأقسى من مذبحة القلعة، لأنها تعني إزاحة عمالقة الإذاعة والتخلص من مواهبهم التي رعوها منذ التحقوا بالميكروفون قبل ما يزيد على 40 عاما، أي أنهم أفنوا أعمارهم في حب الإذاعة وتقديم كل ما لديهم للنهوض بها ونقل خبراتهم إلى الأجيال المتوالية، ولم يكن هؤلاء الإذاعيين الكبار عالة على مهنتهم، فهم لا يتسولون ما يتقاضونه فيرد عليهم الوزير بأن وزارته ليست "وزارة شئون اجتماعية"، بل إنهم عناصر نادرة، منهم من لا يوجد له مثيل في مجال عمله، مثل الدكتورة أميمة كامل التي تفردت في تبسيط العلوم وتقريبها إلى المستمع، ومما يدل على قدرها أنها حاصلة على جائزة الدولة لتبسيط العلوم وجائزة الأمم المتحدة للبيئة، وهناك أمين بسيوني صاحب برنامج "كتاب عربي علم العالم" الذي يذكرنا بما كنا عليه في الماضي من تقدم علمي ويحفزنا إلى صناعة المستقبل، وبين أعلام الإذاعة هدى العجيمي صاحبة الفضل في اكتشاف وإلقاء الضوء على مئات الأدباء عندما قدمتهم في برنامجها "مع الأدباء الشبان". ويضاف إلى المستبعدين كثيرون، منهم حكمت الشربيني وفؤاد فهمي وأمينة صبري وعبدالحميد سعيد وشيرين غالب ونجوى أبو النجا وعفاف المولد وكامل بيطار ونجوى الطوبي.
أخي وزير الإعلام، أربعة ملايين جنيه في العام لا تساوي شيئا في مقابل الانتقاص من قوة مصر الناعمة التي ينبغي أن تضيف إليها لا أن تسحب من رصيدها، ولعلك تعلم أن الإذاعة لم تفقد بريقها، فهناك من يحرص على ألا يحرم نفسه من متعة الاستماع إلى الراديو في المنزل أو السيارة أو المحل أو الحقل أو المدينة الجامعية أو أثناء فترة التجنيد، فلا تحرم هؤلاء من أصوات ارتبطوا بها وعشقوها، ولا تقطع الأجيال الجديدة من الإعلاميين عن ماضيهم، واعلم أن الرجوع إلى الحق فضيلة.
iabdelmoaty@gmail.com
التعليقات (0)