المذبحة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي فجر الإثنين 31 مايو 2010 بحق الأبرياء العُزل على متن أسطول الحرية ، وأسفرت عن استشهاد وجرح العشرات منهم .. لا يكفي معها ما أسفرت عنه من غضب عالمي ، وعربي عارم ، وإنما يجب أن تُتبع بخطوات عملية ملموسة ، لمعاقبة وعزل هذا الكيان المسمى ب "اسرائيل" ، الخارج عن القانون الدولي ، بوصف عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية.
شأني وشأن الملايين من أبناء الأمة العربية والإسلامية وشعوب العالم الحر، اجتاحني شعور عميق بالألم ، والغضب ، والمرارة ، وأنا أتابع ما تنقله قناة "الجزيرة" القطرية من تطورات لاهبة لهذه المذبحة ، وردود الأفعال المتوالية عليها ، ليطاردني سؤال دائم: ماذا نحن فاعلون -أفرادا ومجتمعات- إزاء هذا الاستكبار الإسرائيلي المتصاعد؟
إنها جريمة واضحة المعالم والأركان.. قرصنة دولية سافرة.. تعبر بشكل رمزي عن جريمة القرصنة الأكبر التي تمت على وطن عربي كامل هو فلسطين ، بهدف محوها من الخارطة.. كلنا يعرف ذلك ، فالخطر الإسرائيلي ليس خطرا حدوديا ، ولكنه خطر وجودي ، وهو لا يتهدد الفلسطينيين وحدهم، ولكنه يتهدد الأمة العربية جمعاء ، ولا يمكن أن يجتمع هذا الكيان العنصري ، وكياننا العربي والإسلامي أبدا.
والأمر هكذا ، لا تكفي الاحتجاجات والإدانات وحتى المظاهرات -وحدها- للقضاء على هذه القرصنة الدولية التي تمت لوطن كامل ، تحت وعين وبصر العالم أجمع.. إذ القضية ليست حصار غزة فقط ، ولكنه احتلال فلسطين ، والأقصى ، والاستيلاء على الحقوق العربية ، ما بين سوريا ولبنان ومصر والأردن ، وما مذبحة أسطول الحرية إلا جولة في سجل جولات مفتوحة ، مع المحتل العنصري الإسرائيلي .
هذا المحتل لا يعترف إلا بلغة القوة ، ولا ينصاع إلا لها . ومن ثم لابد من العمل ليس على وقف الحصار الإسرائيلي لغزة فقط ، ولكن القضاء على ظاهرة وجوده أساسا..لأنه تواجد على أرضنا ، وفي فلسطين وسوريا والأردن ومصر، بتفريطنا وتقصيرنا وتسليم البعض منا بهذا الكيان المحتل.
وما المذابح التي يرتكبها هذا المحتل الغاصب إلا سياسة منهجية يتبعها لإخضاعنا ، وإرهاب الشرفاء الأحرار في كل أنحاء العالم ، لعدم التضامن معنا في مواجهته ، وصولا إلى تطهير العالم من عنصريته ، وعربدته.
والأمر هكذا ، تنتظرنا خطوات عملية لابد من أن نهب حياتنا لها ، وفي مقدمتها تحقيق الوحدة الإسلامية والعربية ، وسحب المبادرة العربية التي تقدم الاعتراف المشروط بهذا المحتل ، وكذلك يجب على دول الخليج أن توقف تعاونها الاقتصادي مع الاسرائيلي ، وسحب السفراء ، وطرد السفراء الإسرائيليين من العواصم العربية ، وإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد ، ووادي عربة ، وغيرها من الاتفاقات الظالمة التي عقدتها النظم العربية مع الكيان الإسرئيلي ، كما لابد من تحقيق الوحدة الحقيقية بين الفصائل الفلسطينية على مرجعة المقاومة وليس التسليم بشروط المحتل، وأيضا لابد من وقف الحصار المصري الآثم لقطاع غزة المحتل.
لابد من الكثير والكثير .. والأهم من ذلك ألا تختبيء الشعوب العربية خلف نظمها السياسية العاجزة والفاشلة والمتواطئة.. بل لابد من المواجهة معها ، وإجبارها على احترام الرأي الوطني العام ، ولا بأس هنا باللجوء إلى مقاطعة هذه الأنظمة نفسها ، وفضحها أمام العالم، وإتباع كل الوسائل السلمية ، من أجل وقف تواطئها الآثم مع الاحتلال الغاشم.
إن ما أُهرق من دماء الشهداء في أسطول الحرية لن يغسله ماء البحار والمحيطات جميعا.. وستظل الجريمة ماثلة في وعينا ووجداننا.وهذه الدماء ليست مسئولية الإسرائيليين وحدهم ، ولكنها معلقة في رقابنا جميعا ، لأننا لم نمنع ونحجز هذا الكيان الظالم عن ظلمه ، ولم نأخذ موقفا قويا من الذين ركنوا إلى ظلمه من حكامنا ، فركنَّا إليهم ، فسلطهم الله علينا ، باعتبار أن "من أعان ظالما سلَّطه الله عليه".
أما عدونا فإنه لم يتجرأ علينا إلا بذنوبنا ومعاصينا ، وليست هناك معصية أعظم في هذا الزمان من ظلم شعب ، سواء باحتلال أراصيه وطرده من أرضه، أو بالتفريط في سيادته وثرواته.
وليس هناك من ذنب أعظم أيضا من ترك واجب جمع الكلمة ، وتحقيق الوحدة في مواجهة هذا العدو الذي يتهددنا جميعا ، إذ المطلوب جمع الجهود ، وتركيمها ، مهما كانت بسيطة ومحدودة ، من أجل تخليص شعبنا الفلسطيني ، ومقدساتنا الغراء ، من نير أسوأ احتلال عرفه التاريخ ، ألا وهو الاحتلال الاسرائيلي ، وتخليص بلادنا -في الوقت نفسه- من الإدارة غير الوطنية ، التي تعمل لحساب الأجنبي . قال تعالى :" واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة..واعلموا أن الله شديد العقاب". (الأنفال:25).
www.arsaad.com
www.alsaaad.net
التعليقات (0)