مدخل لصاحب المدونة ..
قلة هم الذين يتطرقون للحديث عن مدينة فيد التاريخية على الرغم من ذكرها في الكثير من المراجع التاريخية المهمة .
ومن أبرز تلك الكتب والأعمال كتاب الدكتور عبد العزيز بن راشد السنيدي والذي يحمل عنوان : "مدينة فيد دراسة في تاريخها السياسي والحضاري حتى نهاية العصر العباسي "،
بالإضافة لكتاب " فيد حديث التاريخ والحضارة والفروسية والشعر والآثار " للأستاذ/ جزاع بن عبد الله الرضيمان وقد ذكرنا مقدمته في الموضوع السابق وقد تمت طباعة هذين الكتابين في العام 2006 للميلاد ، ومن أهم الأعمال أيضاً أطروحة الدكتوراه للدكتور فهد بن صالح الحواس من جامعة ساوثهامبتون في بريطانيا في العام 2003 للميلاد والتي حملت عنوان " الآثار المعمارية في مدينة فيد بمنطقة حائل " و هذه الأطروحة لم تترجم للغة العربية حتى هذه اللحظة حسب ما أفادنا بذلك الدكتور فهد الحواس .
وإن شاء الله تعالى ومتى ما سمحت الظروف وبعد أخذ موافقة أصحاب الحقوق سنحاول إدراج هذه الأعمال في الشبكة العنكبوتيه ككتب إلكترونية من خلال هذه المدونة .
وسوف نواصل العمل من خلال هذه المدونة المتواضعة لنقدم المزيد فيما يتعلق بمدينة فيد التاريخية للتسهيل للمتتبعين والمهتمين بتاريخ مدينة فيد التاريخية وما ذكر عنها في مذكرات الرحالة والمستشرقين والذين كتبوا عنها منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر الميلادي أما فيما يختص بالتنقيب الأثري بمدينة فيد التاريخية والتقارير الحديثة فننصح بمتابعتها من خلال ملتقى خراش الأثري ( ملتقى غيداء الجبال ووردة الزعفران ) .
والذي تُقَدم من خلاله تقارير مصورة عن التنقيبات الأثرية بمدينة فيد التاريخية وكذلك تقارير خاصة بمدينة فيد التاريخية .
نأمل أن يكون ما يقدم هنا .. يحمل شيئاً .. فإلى مقدمة الكتاب ...
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
يكتنف الغموض تاريخ وسط الجزيرة العربية في العصور الإسلامية الأولى حيث تشح المصادر التاريخية المتاحة في تزويدنا بمعلومات تشفي نهم الباحثين ورغبة المطلعين ، فلا نجد من المعلومات التاريخية أو الحضارية عن نجد خلال هذه الحقبة سوى بعض الكتابات العابرة أو الإشارات النادرة في بعض المصادر التاريخية أو الجغرافية أو الأدبية .
ورغم إهمال السلطات الإسلامية لمنطقة نجد وما صاقبها ، خصوصاً بعد تغلغل الأتراك في كيان الدولة العباسية وكثرة المشاكل الخارجية والصراعات الداخلية في هذه الدولة خلال القرن الثالث الهجري ، حيث ساءت الأحوال المعيشية لسكانها بعد قطع الأعطيات التي اعتادت الدولة العباسية على منحها للقبائل ، واضطر عدد من أهل المنطقة لتركها بحثا عن الرزق ، وسادت حياة البداوة بين السكان ، وكثرت الصراعات الداخلية بين القبائل .
وعلى الرغم من ذلك حظيت المحطات والمراكز الواقعة على طرق الحج العراقية الكوفية أو البصرية في وسط الجزيرة العربية بنصيب من العناية التي حرمت منها مثيلاتها من مدن وقرى المنطقة ، حيث حرص الخلفاء – وبخاصة العباسيين – على استمرار قيامها والحفاظ على أمنها وإقامة المنشآت المختلفة فيها لضمان أمن وسلامة الحجاج القادمين من العراق وبلدان المشرق الإسلامي إلى الأراضي المقدسة في الحجاز . وكان اهتمام العباسيين وعنايتهم المتنوعة بهذه المراكز قد أسهم في استمرار الحياة في بعض المدن والقرى في المنطقة . من جانب آخر فقد كان لموقع هذه المراكز والمحطات على طرق الحج العراقية – أيضاً – أثره في معرفة بعض أخبار أو وصف هذه المدن والقرى وواقعهما الحضاري من خلال بعض كتابات من عنوا بالمواقع والبلدان وتحديدها ، أو من مروا بها من الرحالة وغيرهم .
من جهة أخرى فإن تسليط الضوء الدقيق على تاريخ الجزيرة العربية – في الحقبة التاريخية آنفة الذكر – يكشف لنا عن ولاية مغمورة لم تلق الاهتمام المطلوب من الباحثين ، رغم أنها لا تقل أهمية – في بعض الأحيان – عن ولايات الجزيرة العربية المعروفة ، بل كانت هذه الولاية تحاكي في بعض الفترات التاريخية أهم ولايات الدولة الإسلامية كمكة والمدينة والكوفة، وهذه الولاية هي ولاية فيــــــــــــد الواقعة شرق المدينة.
ومع أن الشواهد التاريخية تؤكد قدم وجود مدينة فيد ، إلا أن دخولها تحت راية الإسلام بعد ظهوره قد زاد من مكانتها ، بعد أن تولى حكمها بنو نبهان الطائيون بتفويض من المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت منذ ذلك الحين حاضرة قبائل طيئ وأسد ومقر واليها ، ثم ازدادت أهميتها بعد موقف أهلها المناصر للخلافة الإسلامية في المدينة لاسيما إبان حروب الردة . وبلغت أوج ازدهارها إبان العصر العباسي بعد أن غدت أهم مركز على طريق الحج العراقي المنطلق من بغداد والكوفة إلى الأماكن المقدسة في الحجاز ، والمكان الذي ينزل به والي هذا الطريق .
من جانب آخر فإن هذه المكانة التي حازت عليها مدينة فيد قد جلبت لها الكثير من المشاكل والويلات خاصة عقب تخلخل الأوضاع الأمنية في شبة الجزيرة العربية إبان ضعف الدولة العباسية ، فكانت فيد هدفا لغارات وهجمات بعض القوى الناقمة على السلطة العباسية آنذاك . ومن هذا المنطلق فقد جاءت هذه الدراسة محاولة تتبع تاريخ مدينة فيد ودورها السياسي في الجزيرة العربية منذ دخول أهلها في الإسلام حتى نهاية العصر العباسي ، وهي الفترة التاريخية المشرقة لهذه المدينة حيث قلت أهميتها ومكانتها بعد ذلك التاريخ.
ولقد حتمت طبيعة الموضوع وقلة الكتابات عنه تتبع ما ورد حوله متناثراً في عدد من المصادر التاريخية والجغرافية والأدبية وغيرها .
وقد اقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها إلى تمهيد وستة فصول وخاتمة ، بالإضافة لقائمة بالمصادر والمراجع التي استفادت منها الدراسة .
وقد أوردت في التمهيد تبياناً لموقع فيد الجغرافي وما قيل حول هذا الموقع مما يبرز أهميته ومكانته آنذاك ، وتناولت في الفصل الأول سكان فيد ، وفيه كان الحديث عن عناصرهم وتركيبتهم السكانية ، ثم دخولهم في الإسلام ، وأخيرا موقفهم من الردة التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديقرضي الله عنه .
وتحدثت في الفصل الثاني عن ولاية فيد وتنظيماتها ، وقد تضمن ذلك تحديد نطاق هذه الولاية ، وطريقة تعيين الولاة فيها ، والارتباط الإداري لها ، وأخيراً مهام والي فيد ، وفي الفصل الثالث استعرضت غارات القرامطة والأعراب على مدينة فيد آنذاك ، وجاء الحديث في الفصل الرابع عن المنشآت العمرانية المختلفة في فيد ، وفيه بينت مدى التطور العمراني الذي وصلت إليه المدينة آنذاك ، ثم فصلت الحديث عن المرافق العمرانية الموجودة في فيد كالأسوار ، والحصون والقصور ، والمنازل والأسواق ، والآبار والعيون والمنشآت المائية.. أما الفصل الخامس فقد كان عن الحياتين الاقتصادية والاجتماعية ، فتحدثت في الجانب الاقتصادي عن الزراعة ثم التجارة ثم تربية الماشية ، ثم أتبعت ذلك بالحديث عن الحياة الاجتماعية ومن خلال ذلك وضّحت طبيعة حياة سكانها والأعمال التي يمارسونها ، وفي الفصل السادس والأخير ألقيت الضوء على الحركة العلمية في مدينة فيد ، فبيّنت مدى اهتمام أهل فيد بالعلم وطلبه ، وتطور الحياة العلمية فيها ، وأسبابه ، وأبرز العلماء؛ سواء كانوا من أهل فيد ، أو ممن نزلها ، أو وفد إليها ، أو شارك بوجه من الوجوه في دعم الحركة العلمية فيها ، ثم بعد ذلك جاءت الخاتمة التي وضحت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة ، وأخيرا قائمة بأهم المصادر والمراجع التي استفدت منها.
آملاً أن تكون هذه الدراسة قد أماطت اللثام عن جوانب سياسية وحضارية مغمورة من تاريخ وسط الجزيرة العربية ، وأن تكون قد أضافت جديداً لمكتبتنا التاريخية العربية الإسلامية ، وما توفيقي إلا بالله وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين.
خاتمـــــــة الكتاب ...
أفضت بنا الدراسة السابقة للتاريخ السياسي والحضاري لمدينة فيد منذ ظهور الإسلام حتى نهاية العصر العباسي إلى نتائج متعددة من أبرزها الوقوف على ولاية مغمورة من ولايات الجزيرة العربية لم تكن ذات بال عند الكثير من المؤرخين الذين أشاروا إليها بمعلومات مقتضبة رغم الدور السياسي الذي لعبته في أحداث المنطقة المحيطة بها في بعض العصور التاريخية .
وقد رأينا أن الموقع المتميز لفيد سواء من حيث توسطها لعدد من القبائل خصوصا طيئ وأسد ، أو وقوعها في منتصف طريق الحج الكوفي ( درب زبيدة ) قد منحها أهمية سياسية متميزة حيث أصبحت بهذا الموقع مقراً لوالي هذه القبائل ، كما وجد منها العباسيون خير مقر لولاة الطريق الذين كلفوا بحمايته وإصلاحه عقب تأثر الأوضاع الأمنية على طرق الحج ، سيما الطريق الذي يربط عاصمتهم بغداد بالأماكن المقدسة في الحجاز .
وكان دخول بني نبهان من أهل فيد وما حولها في الإسلام خير معين لدولته الناشئة في المدينة ، سيما بعد ظهور حركة الردة من بعض القبائل ، وقد رأينا من خلال الأحداث أن الطائيين - بصفة عامة - أبرز من أصّر على التمسك بالإسلام ، بل إنهم نافحوا عنه في مواقف متعددة وما ذلك إلا برهان واضح على قوة إيمانهم بالدين الإسلامي ، وولائهم للدولة الإسلامية الجديدة .
وقد تأكد أن ظهور الدولة العباسية قد زاد من مكانة فيد بعد أن أصبحت هذه المدينة أهم مركز على الطريق الرئيس الذي يربط حاضرتهم بغداد بالمقدسات الإسلامية في الحجاز وهو الطريق الكوفي المعروف ( درب زبيدة ) ، ومقر الولاية التي استحدثوها لمراقبة الطريق وحمايتها بعد تأثر الأوضاع الأمنية في وسط شبه الجزيرة العربية .
ولعلنا لا نغالي إذا قلنا أن تأزم الأوضاع الأمنية على طرق الحج منذ القرن الثالث الهجري قد عاد ببعض الفوائد على فيد حيث ارتفعت مكانتها السياسية عند العباسيين فزاد الاهتمام بها عما قبل بعد أن غدت أبرز محطات الطريق كما أسلفنا .
من جانب أخر فقد رأينا أن هذه المكانة قد جلبت لفيد الكثير من المشاكل السياسية خلال العصر العباسي حيث تعرضت لهجمات قرامطة البحرين الذين ثاروا على الخلافة العباسية ، ووجدوا من تهديد الحجاج والاعتداء على مراكز طرق الحج خير أداة لخلخلة الأمن في الدولة العباسية ونزع ثقة المسلمين منها ، كما تعرضت فيد لغارات مشابهة من الأعراب قاست منها المدينة الكثير من الويلات ، وكان من نتائج إهمال الدولة العباسية للقبائل العربية في نجد تفاقم ثوراتهم وتزايد خطرهم على منازل الحجاج ، وقد رأينا كيف غيرت هذه السياسة من قبيلة طيئ بصفة عامة حيث قلبت ظهر المجن للدولة العباسية وناصبتها العداء ، محتجة - كما يبدو - على سياسة التضييق التي انتهجها العباسيون ضدها ، وكانت مدينة فيد ضحية المشاكل بين السلطة العباسية وهذه القبائل فقد وجدت بعض القبائل في الاعتداء عليها فرصة لضرب الدولة العباسية آنذاك ، وذلك لإضعاف سلطة الوالي المعّين على فيد من قبل العباسيين ، فضلاً عن الاستفادة من الخيرات التي تتوفر في أسواق فيد لتعويض ما فاتهم من مساعدات السلطة العباسية وأعطياتها ، والتي انقطعت بتزايد نفوذ الأتراك في البلاط العباسي .
وفي دراسة لنظام الولاية في فيد تبيّن لنا هذه المدينة لم تخضع – في حال استقلالها بوالي – لتنظيم ثابت ، فكانت في بعض الأوقات تمثل ولاية فرعية ترتبط بولاة المدينة أو العراق وفي حقب زمنية أخرى ترتبط بالسلطة مباشرة ، كما رأينا أن سلطة والي فيد قد توسعت خلال العصر الأموي فضّمت – بالإضافة لبقية بطون طيئ – بعض القبائل الأخرى المجاورة لمنازل طيئ ومن أبرزها قبيلة أسد ، من جانب آخر فقد تبيّن أن لهذا التوسع أثره في طريقة تعيين الولاة على فيد ، فبعد أن كان بنو نبهان يتوارثون ولايتها عمدت الدولة العباسية إلى جعل الولاية بالتعاقب بين قبيلتي طيئ وأسد ، وذلك لكسب ودّ الطرفين ورضاهم .
وقد كشفت لنا هذه الدراسة عن مدى التطور العمراني في مدينة فيد ، فظهرت فيها منشآت عمرانية متنوعة ، وأصبحت المدينة مكان استقرار دائم لكثير من الفئات بعد أن توفرت فيها مقومات الحياة وعوامل الاستقرار .
كما انتشرت فيها الأرباض السكنية والمنشآت العمرانية المختلفة ، سواء منها مرافق الخيرية العامة أو المنشآت الأمنية .
ومن خلال الحديث عن مظاهر الحياة العامة في فيد رأينا كيف ازدهرت التجارة فيها بعد أن تضافرت عدة عوامل وأسباب هيأت النجاح في ذلك . كما رأينا أن نشاطات السكان قد شملت معظم مناشط الحياة الاقتصادية ولم تقتصر على نوع منها . من جانب آخر فقد لاحظنا التحريات العلمية النشطة في هذه المدينة ، ورأينا كيف كان حب أهلها للعلم وسعيهم في طلبه ، بل تفوقهم في ذلك ، خصوصاً في طلب الحديث وروايته .
هذا بالإضافة إلى نتائج أخرى يجدها المطلع على هذه الدراسة ، التي نأمل أن تسهم في إثراء المكتبة التاريخية العربية الإسلامية .
والحمد لله أولاً وأخراً ، وصلى الله على نبينا محمد .
هذا ما أورده الدكتور عبد العزيز بن راشد السنيدي في مقدمه وخاتمه كتابه عن مدينة فيد التاريخية والكتاب من الكتب الممتعة والذي جاء في (136 صفحة 17في24 سم ) خلاف صفحات المراجع ، وقد تطرق الدكتور عبد العزيز من خلاله للعديد من الجوانب هذا ويعتبر الكتاب من الكتب الشيّقة الممتعة التي تجذب القارئ للإطلاع عليها أكثر من مرة .
وإن شئت عزيزي القارئ الحصول على نسخة من هذا الكتاب فسيصلك كإهداء خاص مقدم من مدونة عِشْقُ مَاضِي على آمل أن نلتقي مجدداً .. دمتم برعاية الله .. زيد المهناء
التعليقات (0)