مواضيع اليوم

مدينة الدارالبيضاء كفضاء للاحتجاج

عبداللطيف الحاجي

2012-08-06 17:40:09

0

 مدينة الدارالبيضاء كفضاء للاحتجاج:

-جل الحركات الاحتجاجية التي عرفها التاريخ المغربي منذ بداية الاستقلال، عرفت انطلاقتها من مدينة الدارالبيضاء وخصوصا انطلاقا من أحياء شعبية كانت تشهد نموا ديمغرافيا قويا وتوترات ناتجة عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزتها حركة السكان من القرى نحو مدينة الدارالبيضاء التي تشكل العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية.

وقد كان المجال الحضري يشكل منذ القديم ميدانا مفضلا للسلطة أو القوى التي تبرز معارضتها للسلطة القائمة، لذلك كانت السلطة دائما تشتغل على استغلاله كأداة من أجل تعزيز رأسمالها الرمزي، وذلك من باب الحفاظ على النظام القائم.

وهذا ما يعكسه توجه السلطة السياسية إلى إعادة الهيكلة المجالية بالفضاء الحضري بعد بروز كل حركة احتجاجية قوية يعرفها المغرب، وكأن هذه الحركة تساعد الدولة على معرفة مكامن ضعف الهيكلة التي تعتمدها وتحاول إعادة الهيكلة من أجل ضبط الفضاء بما يسمح بالتواجد لرموزها فقط.

فعقب موجة الاحتجاجات التي اجتاحت مدينة الدارالبيضاء سنة 1981، عمدت الدولة إلى تقسيم المدينة إلى أربع عمالات، تحيل بعض أسماء هذه العمالات إلى رموز السلطة بالمغرب مثل"عين السبع الحي المحمدي" و "عين الشق الحي الحسني" بالإضافة إلى عمالة "الدارالبيضاء أنفا" و"ابن مسيك سيدي عثمان"، واتجاه الدولة نحو هذا التقسيم يدل على الهاجس الأمني الذي كان يحكم توجه الدولة، ورغبتها في بسط هيمنتها السياسية من خلال الهيكلة التي تضم كذلك إعادة بناء مجموعة من الأحياء الإدارية في مواقع حساسة. غير أن هذه التقسيمات لم تكن تخدم المصالح السياسية الصرفة للدولة وحدها، بل تتجاوزها في الآن نفسه إلى خدمة مصالح الرأسمال وذلك يعود في الغالب إلى "ارتباط الدولة في العالم الثالث بالواقع الجديد للاقتصاد العالمي".

 ولعل ما يبرز هيمنة البعد الرمزي لضبط الفضاء العمومي هو توجه سياسة الدولة في السنوات الأخيرة إلى إحداث مجموعة من المشاريع التي تسعى من خلالها كما هو معلن إلى إنعاش الاقتصاد الوطني وسد الخصاص فيما يخص السكنى وحل مشكلة النقل العمومي وسط المدينة، غير أن هناك أهداف غير معلنة-حسب بعض المبحوثين- وتتجلى في ضبط الشارع وعدم السماح ببروز حركة احتجاجية قوية كتلك التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء بداية ثمانينيات القرن الماضي، تتجلى هذه المشارع في ورش "الترامواي" الذي ما زالت مدينة الدارالبيضاء تعرف أشغاله، بل وساهم في عرقلة حركة السير بالمدينة في الفترة الراهنة، وجعل حركية السير تكون بطيئة بشكل كبير..بالإضافة إلى المشاريع السكنية التي أطلقتها الحكومات السابقة وتعتزم الحكومة الحالية مواصلتها، وتهدف هذه المشاريع إلى إعادة إسكان ساكنة دور الصفيح في إطار مشاريع يطلق عليها" السكن الاقتصادي" و "السكن الاجتماعي"، وتهدف هذه المشاريع إلى تخفيض بؤر التوتر، لكنها كذلك تريد إعادة هيكلة المدينة بالشكل الذي يضمن لها السيطرة على شوارعها وأزقتها لتقطع الطريق أمام أي حركة احتجاجية قد يعرفها المغرب في المستقبل.

هذا التقلص الذي يعرفه الفضاء العمومي والمتمثل في الشارع العمومي لا يساعد-حسب أحد المبحوثين- على بروز حركة احتجاجية قوية وذلك نظرا لضيق الشوارع وعدم توفر مساحات كافية للقيام بهذه الأنشطة، بالإضافة إلى حركة المرور التي تعرف ضغطا كبيرا خصوصا في الفترة التي صادفت خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع العام، فالسنة الماضية وإلى حدود اللحظة الراهنة لا زالت شوارع مدينة الدارالبيضاء تعرف أشغالا متواصلة، مما يدفع إلى تغيير الكثير من مسارات شوارع المدينة، وبالتالي فإن بروز حركة احتجاجية في ظل هذا الاحتقان سيجعل المواطنين يقفون ضدها، لأنها ستكون في تصورهم عائقا أمام قضاء مصالحهم، وهذا لاحظناه بشكل كبير من خلال المسيرات التي كانت تأخذ مسارها في شوارع يتواجد بها الباعة المتجولون الذين سمحت السلطة المحلية بتكاثرهم بعد الحراك الذي عرفه العالم العربي، والذي كان منطلقه شرارة أطلقها محمد البوعزيزي الذي لم يكن غير بائع متجول عبر عن احتجاجاته لشرطية منعته من التعاطي لعمله في الشارع العام كما يمنع القانون.

هذا التساهل الذي قامت به الدولة مع الباعة المتجولين ينم عن رغبة في تطويق الحركة الاحتجاجية من طرف المواطنين أنفسهم، فعندما يجد مواطن يسعى إلى كسب لقمة عيش نفسه أمام مواطنين آخرين يضيقون عليه المجال، فإنه لن ينتبه إلى شعاراتهم ولا إلى مطالبهم، لأنها تتعارض مع مصلحته الشخصية.

وهذا ما أفرز لنا في الكثير من المواقع، شارعا ضد الشارع مثل "الحي المحمدي" و"سباتة".

من بحثي لنيل شهادة الإجازة تحت عنوان:"الظاهرة الاحتجاجية داخل الفضاء العمومي بالمغرب: مقاربة سوسيولوجية لحركة 20 فبراير بمدينة الدارالبيضاء" تحت إشراف الأستاذ: سعيد المغربي. 2011/2012




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !