بقلم/ محمد أبو علان:
حرية الرأي والتعبير قضية نصت عليها القوانين الوطنية في المجتمعات كافة، وضمنتها المواثيق الدولية ، وفلسطينياً أقرت في المادة (19) من القانون الأساسي المعدل، ولكن بين الفترة والأخرى تظهر بعض القضايا التي تصنف من قبل بعض المؤسسات الحقوقية وخاصة الدولية على أنها تمثل انتهاكاً للحريات العامة، وبالتحديد لحرية الرأي والتعبير.
والقضية الأخيرة على المستوى الفلسطيني والتي أثارتها المنظمة الحقوقية الدولية "هيومن رايتس ووتش"، وأصدرت بياناً (منشور على موقعها الإلكتروني"حولها بتاريخ الخامس من ديسمبر الحالي هي قضية المعتقل وليد حساين من مدينة قلقيلية.
وليد حساين هو صاحب مدونة "نور العقل"، استخدم مدونته، وصفحته الخاصة على الشبكة الاجتماعية "فيسبوك" لإدعاء الإلوهية، وللتعبير فيها عن أفكاره وتوجهاته الإلحادية، ومنتقصاً فيهما من قيمة الأديان الثلاث معتبراً هذه الأديان "كومة من الهراء المتنافس على الغباء".
جاءت هذه القضية لتفتح النقاش من جديد حول موضوع حرية الرأي والتعبير، ومدى هذه الحرية، وهل هي مفتوحة بلا حدود، أم يجب أن يكون لها ضوابط محددة تأخذ العادات والقيم الاجتماعية والمعتقدات الدينية للمجتمع الموجود به الفرد بعين الاعتبار؟، وأين دور واحترام القوانين المحلية المعمول فيها أمام دور واحترام المواثيق الدولية الداعية لاحترام حقوق الإنسان والحريات العامة؟
الأجهزة الأمنية الفلسطينية قامت باعتقال وليد حساين متلبساً بجريمة بث أفكاره الإلحادية المسيئة للديانات الثلاث وذلك استناداً للقوانين المعمول فيها بمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتحديد وفق المادة (278) من قانون العقوبات الأردني للعام 1964، وللمادة (330) من قانون العقوبات الثوري للعام 1979.
مؤسسة "هيومن رايتس ووتش"، ومعها بعض وسائل الإعلام الغربية اهتمت بقضية اعتقال حساين، ووضعتها في إطار انتهاك حرية الرأي والتعبير مطالبة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بإطلاق سراحه، "جو ستورك" نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة صرح حول القضية قائلاً "زعم السلطة الفلسطينية بأن حساين أغضب المسلمين ليس إلا عذراً لاحتجازه تعسفياً، وعلى القضاء الفلسطيني أن يظهر نزاهته عن طريق ضمان حرية التعبير، والأمر بالإفراج عن حساين وكفالة سلامته".
موقف "هيومن رايتس ووتش" لم يتعامل بشمولية في قراءة القوانين والمواثيق الدولية في هذا المجال، بل تعامل مع الأمر بصورة انتقائية كما هو الحال في الكثير من المواقف التي لها علاقة بالمجتمعات العربية والإسلامية، وأنكرت المنظمة على السلطة الوطنية الفلسطينية العمل وفق القوانين النافذ في مناطقها والتي لا تتناقض بشكل عام مع ما ورد في المواثيق الدولية التي تعطي للقوانين المحلية قيمتها القانونية.
فعلى الرغم من دعوة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (18) من أن لكل شخص حرية التفكير والضمير والدين، لكنه حدد في الوقت نفسه ضوابط مشروطة لهذه الحرية تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي والقانوني للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، وهذا ما نصت عليه المادة (29) /البند الثاني من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي نصت على أن "يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها المقتضيات العامة للنظام العام والمصلحة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي".
وفي السياق نفسه نصت المادة (9)/البند (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن " لكل فرد حق الحرية وفي الأمان الشخصي، ولا يجوز توقيف أحد واعتقاله تعسفاً، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه".
ووفق هذه المواثيق الدولية من حق السلطة الوطنية الفلسطينية اعتقال وليد حساين استناداً لقوانينها الجنائية المعمول فيها في مناطقها، واستناداً حتى للمواثيق الدولية التي تستند عليها منظمة "هيومن رايتس ووتش" في مطالبتها بإطلاق سراحه، والمأخذ الوحيد على السلطة الوطنية الفلسطينية في هذه القضية هو تحويلها لحساين على القضاء العسكري الفلسطيني، وكان يفترض تعامل القضاء المدني الفلسطيني مع هذه القضية كون المتهم هو مواطن مدني ولا يجوز عرضه على القضاء العسكري بغض النظر عن الاتهام الموجه له.
وعلى الرغم من اهتمام منظمة "هيومن رايتس ووتش" بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان الفلسطيني، إلا أنها لا تعطي هذه الانتهاكات نفس الحجم من الأهمية الذي تعطيه لقضايا أخرى تجري في العالم العربي، فمقابل اهتمام المنظمة الحقوقية الدولية بصاحب مدونة "نور العقل" لم نسمع حتى الآن شي عن الفتاوى العنصرية التي صدرت عن مئات رجال الدين اليهود والذي تحرم تأجير المنازل أو بيعها للفلسطينيين على الرغم من أنهم أصحاب الأرض الأصليين، وإن حصل واتخذت المنظمة الدولية موقفاً يتسم بشيء من الخجل وكأنه موقف رفع عتب عن نفسها.
والجدير ذكره أن المدون وليد حساين قام بنشر اعتذار عبر مدونته "نور العقل" عبر فيه عن ندمه واعتذاره عن الإساءة التي بدرت منه بحق الأديان السماوية، وبعض ما ورد في اعتذاره كان"أنا وليد حساين والمعروف باسم (وليد الحسيني) اعتذر عما بدر مني من إساءة بحق الأديان السماوية جميعها وخاصة الإسلام في جميع المواضيع التي كانت منشورة على صفحات مدونة نور العقل".
moh-abuallan@hotmail.com
http://blog.amin.org/yafa1948
التعليقات (0)