علي جبار عطية
ــــــــــــــــــــــــــ
نشطت حركة المطابع الاهلية قبل اسبوعين من حلول شهر رمضان - شهر الضيافة الالهية - وطبعت امساكيات تحدد فيها اوقات الصلوات وخصوصاً اذان الفجر واذان المغرب وبالطبع استند معدو هذه الامساكيات الى جداول وحسابات فلكية دقيقة جداً بحيث صار بالامكان التنبؤ بوقت شروق الشمس او غروبها حتى بعد نصف قرن من دون الرجوع الى كاهن او ساحر او مشعوذ ! وهذا يعد اعلى مراحل التقدم المعرفي حتى ان بعض الفقهاء اعتمدوا في مبانيهم الفقهية على الحسابات الفلكية وبعضهم جعلها عاملاً مساعداً له في فتياه المهم اننا تخلصنا شيئاً فشيئاً من عادات فلكلورية تعيدنا الى زمان الاحتلالات المتعاقبة ومنها عادة الاستماع الى مدفع الافطار او مدفع الامساك الذي ابتكره المماليك في مصر مصادفة سنة 859 هجريةاذ جرب احد السلاطين مدفعاً اهدي له وكانت التجربة وقت الافطار فظن الناس به ظناً حسناً وشكروه على مبادرته فاصدر قراراً باعتماد المدفع في الفطور والسحور .
ان الرعب الذي يسببه هذا المدفع ايام السلم كان كفيلاً بتسريحه من الخدمة لانه لم يعد دالاً على الهدف الذي من اجله وجد فضلاً عن ان ثورة الفضائيات جعلت المعلومة في متناول كل يد . كنت اطالع في كتاب الاستاذ ابراهيم الزبيدي (دولة الاذاعة سيرة ومشاهدات عراقية) الصادر في لندن عن دار الحكمة 2006 وهو كتاب ممتع للغاية فتوقفت عند موضوع عنوانه (ساعة ابو ياس) وهو يتحدث عن حكاية طريفة حدثت مع كبير مهندسي الصوت في الاذاعة العراقية (بغداد) خضير ياس (ابو ياس)… يقول الزبيدي ان ساعة ابي ياس كانت هي المعتمدة الشرعية الوحيدة لضبط اوقات السحور والامساك والافطار وهو مسؤول عن ضبط ساعة الاذاعة الخشبية الضخمة وكان ابو ياس يضبط ساعته صباحاً على ساعة اذاعة لندن فيضبط ساعة الاذاعة ثم يوعز ببث شريط ثابت لمدفع الافطار واذان المغرب .
ويمضي الزبيدي سارداً بقية الحكاية يقول انه في احد الايام نسي ابو ياس ان يضبط ساعته مع ساعة اذاعة لندن وتعذر عليه التصحيح وكانت السماء ملبدة بغيوم سود ثقيلة ولم يجد امامه من طريقة سوى الوقوف عند مدخل الاذاعة الرئيس ويده على اذنه ليسمع مدفع الافطار الحقيقي تجاه القصر الجمهوري القريب من الاذاعة وكانت المهمة شاقة عليه فالمفروض ان يستمع الى المدفع وينقل اشارة الى احد العاملين ليبث التسجيل وما ان سمع صوت الانفجار حتى اعطى الاشارة ببث الشريط . لكن لم تمض الا دقائق حتى اتصل موظف من القصر الجمهوري غاضباً سائلاً عن (الحيوان) الذي اطلق مدفع الافطار قبل ساعة من موعده وبعد التحقق تبين ان ابا ياس لم يسمع مدفع القصر الجمهوري بل سمع انفجار اطار سيارة كانت تمر بالساحة المجاورة لمبنى الاذاعة!!
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)