مواضيع اليوم

مدرسة "أسكت" !! 

تركي الأكلبي

2014-08-23 10:57:08

2

مدرسة "أسكت" !! 


الإسكات أو التسكيت فعل ليس بالضرورة مُخرساً للكلام ، بل في كثير من الأحيان يكون العقل هدفاً "لإسكاته" عن التفكير الإيجابي الفاعل والمؤثر ، وبالطبع فأن فعل "التسكيت" يكون بقصدٍ أحياناً ، وبدون قصدٍ أحيانا أخرى ، ولكنه في كل الأحوال يُمارس بطريقة غير مباشرة من خلال الكثير من السلوكيات والتفاعلات الممنهجة . 

المجتمع مدرسة بأربعة فصول ، تُعلم شيئين فقط : الأول : أحفظ ، أنقل عن الأولين والآخرين ، استرجع ما خزنته في ذاكرتك وأعد تسميعه وترديده وتعليمه لمن بعدك . الثاني : أسكت وأفعل ما تؤمر !
وبطبيعة الحال فأن مخرجات هذه المدرسة هم أفراد المجتمع نفسه ..

الفصل الأول : الأسرة وتبدأ مع الطفل منذ نشأته بنهره بين كل حين وآخر "أسكت" ، فيموت مبكراً في وجدانه حب الاستطلاع والإكتشاف ، ثم تلقن الشاب المراهق ما تعلمته من "مدرسة أسكت" مثل : 
- أفعل ولا تفعل .. 
- في المجلس إذا حضر أو تكلم الكبير (أي كبير) فأسكت ! 
- والآدهى :((قم يا "جون دالتون" مخترع الذرة خل عنك 
الأختراعات ما فلحت في شيء)) !!  
الفصل الثاني والثالث : التعليم ، وخلاصة ما يتلقاه المتعلم فيه هو تكريس ما تعلمه ويتعلمه في الفصلين الأول والرابع !
الفصل الرابع : المجتمع بكل مكوناته ومؤسساته وتفاعلاته وتياراته الفكرية وفئاته ، ومن أهم وسائله الممنهجة الإشغال ، الإستتباع ، والرضا ، والمسايرة
والمدح والتمجيد .   

هذه المدرسة بمناهجها المختلفة خرجت واقعاً نعيشه ونلمس "بعض" أهم مظاهره .. المجتمع فيه طرفين : طرف مُلقن ، مُرسل ، مُملئ ، مُقّرر .. وموجه بصيغة الأمر وحشو العقل .
وآخر متلقٍ ، مستقبل ، معتمد ، منتظر للأمر والحل ، متكل ، تابع ويقدس الأشخاص ، مستهلك شره .. محبط ويشعر بالإغتراب والمحبط قد يبحث عن انتماء بديل وقد يكون هذا البديل مدمراً فكرياً ويستخدمه أداة لتدمير وطنه  !
لكن في المقابل ، هذا الطرف الأخير يملك (الكثيرين منه) كل مقومات النجاح للتطوير والإبداع ، والتفكير بطريقة علمية ، ولتنمية قدراته ومواهبه ، وللمشاركة الفعالة والإيجابية ، بل وقادر على قيادة التنمية بكل اتجاهاتها ومجالاتها الاقتصادية والفكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها ولكنه يعيش في بيئة طاردة لكل هذه المقومات ، حاضنة لكل مضامين السلبية والإتكالية والاعتماد .

ولمعرفة منهج هذه المدرسة وواقع مخرجاتها يمكنك تأمل  : في البيت : يعتبر - وهذا اتجاه ذهني ثابت - سؤال الطفل أو محاولة الشاب للتفكير بطريقة مختلفة .. يعتبر خارج عن المألوف والمعتاد لذلك فأسكاته أقرب من تشجيعه وإثارة حماسه للمبادرة واستنتاج الحلول فتسقط كل بوادر التأسيس والنمو لكل تفكير إبداعي لديه . 

في المدرسة والجامعة : أثبت الواقع أن أقصى ما يدفع الطالب للجلوس على مقاعد الدراسة هي الشهادة بهدف مساعدته للحصول على وظيفة ولا شيء أكثر من ذلك ! والسبب هو أن البئة التعليمية "الآمرة" لا تقدم له أكثر من حشو عقله بمعلومات يتخلص منها فور خروجه من الفصل !

في العمل : من مخرجات هذه المدرسة ثلة يقودون مؤسسات خدمية هامة بقرارات ارتجالية وغير علمية والمواطن لها دائماً موضعاً للتجارب وأغلبها مقلدة للآخر في بئته المختلفة !، وكل موظف (في الغالب) حارس أمين للبيروقراطية والروتين البيروقراطي إلا ما استثنته الواسطة والمحسوبية والمصالح الخاصة !، والعاطل عن العمل عاطل فقط عن وظيفة في مكتب مكيف الهواء !، والقطاع الخاص بما فيه المؤسسات الفردية الصغيرة معتمد اعتماداً كلياً على العمالة الوافدة !، ورجال الأعمال والشركات والبنوك لا يقدمون خدمة للوطن أو ما يعرف بخدمة المجتمع إلا بأمر !، وكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية لا تقوم بفعل شيء استثنائي لصالح المواطن إلا بأمر يأتيها من الأعلى !.


خلاصة القول : مدرسة "التسكيت" مجتمع يفكر الفرد فيه (الأغلب) بعقل الجماعة ، واتجاهاته الذاتية هي ذات الاتجاهات السايدة فيه .  


تركي سليم الأكلبي 

 


 




التعليقات (2)

1 - أعجبني

مراد - 2014-08-23 21:58:29

موضوع جميل جداً جداً واصل أخي

2 - حياك الله

تركي الأكلبي - 2014-08-25 16:46:28

شكراً أخي مراد .. من وعيك

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !