مخدّتي يا مخدّتي
ألقيت بجسدي المنهك جسميا ً و معنويا ً من أعباء الزمن و تفاهات المجتمع و روتين الحياة على سريري البعيد عن أهلي لظروف (العزوبية الواجبة) !
أطفأت الإنارة و أمسكت كالعادهـ بضحيّتي المعتادهـ (مخدّتي) التي أبث إليها ما شكيت منه خلال أربع و عشرين ساعة مضت .
كانت مخدّتي تستمع لي بصمت رهيب , و هي بهذا الصمت لا تحرقني أو تستفزّني , لأنها في كل الأحوال أفضل من (بعض) زملائي الثرثارين !
قلت لمخدّتي ما حصل لي اليوم من غدر أصحاب , ونميمة و كذب و غيبة أحباب , و تقلّب مجتمعنا من أقارب إلى عقارب!
قاطعتني مخدّتي (على غير عادتها) فقالت : " وش الجديد ؟! " ..
تنهدّت و ضاق صدري حرجا ً لأنني أحسست وقتها أن مخدّتي بدأت تتضايق منّي و هي الوسيلة الوحيدة التي أشكو لها كل ليلة بعد الله عز وجل !
فاستطردت مخدّتي و أكملت قائلة : لا جديد في هذه الحياة , فالزمن صعب , و سنينه المتراكمة أصعب و أصعب .
حبيبي سلطان : أتعلم أنّك لست الوحيد الذي يعيش مثل هذه الأمور , و لكنّك الأكثر تضايقا ً لأنّك تحاول تجديد مجتمع ميّت !
غيّرت من وضعيّتي و ارتكأت على طاولة قريبة من سريري و جعلت مخدّتي أمامي و قلت لها بلهفة : أكملي أنا اسمعك .
قالت مخدّتي : قبل صنعي و تجميعي كنت متناثرة في كل مكان , فـ حشوي من القطن في مكان و أنا قطعة قماش في مكان آخر .
و الخيوط التي تم برم قماشي بها في مكان آخر ؛ أي كنت تماما ً مثل حالك يا سلطان و حال بقيّة شباب مجتمعك متناثرين لا عون لنا و لا معين .
قلت و بعدها ما الذي حصل ؟ قالت : بقينا على هذا الحال إلى أن جاءنا رجل بسيط الحال و لمّنا معه في يدهـ المليئة بـتـرهّلات الزمن و أعبائه .
أخذنا معه إلى قرية صغيرة في بيته الصغير وبدأ يشكّل منّا أسرة واحدة ليكوّن من خلالنا (مخدّةً) له , تكون هذه المخدّة راحة له من أوجاع تفكيرهـ .
و أخذ هذا الرجل البسيط يشكو لي همّه الكبير كل ليلة , كما تفعل الان أنت اليوم يا سلطان , و أنا أحكي له كيف أنه كما جمعنا لراحته باستطاعته أن يجمع غيرنا لنهضته و نموّهـ و ابداعه .
بدأ يفكر هذا الرجل البسيط إلى أن فهم مغزاي من حديثي له في تلك الليلة ,و في الصباح الباكر نهض و بدأ العمل من جديد و لكن بحماس كبير جداً .
بدأ يعمل في جمع الأقمشة , و القطن , وبدأ يشكّل مجموعة رائعة جداً من (المخدّات ) الكثيرة , وبدأ يبيع منها و يسترزق من خلالها .
أصبح يداوم على هذا العمل و يكسب منه الكسب الحلال , و يخبرني بكل ما كسبه و بماذا سيفعل به في كل ليلة , و أنا سعيدة جداً لنجاحه.
إلى أن أصبح من الأثرياء بعد مرور سنوات , بعدها اشترى بيتاً جديداً و تزوّج و رزق بأبناء و أنشأ الكثير من المصانع لصنع مثل هذه (المخدّات) المريحة .
قاطعت مخدّتي بذهول و قلت لها : و أنتي ؟ ماذا كان مصيرك ؟!
تنهّدت مخدّتي بابتسامة بسيطة تخفي و رائها الكثير من الآلم .. و قالت : رماني في ذاك البيت الصغير سنوات كثيرة جداً و لم يلتفت لي أو حتى يزورني أو يمر علي !
قلت لها بنبرة حزن شديدة : لاحول و لاقوة إلا بالله , أهكذا يكون رد الجميل ؟! .. و بعدها ماذا حصل يا مخدّتي العزيزة ؟!
قالت : باع بيته إلى أحد كبار التجّار , وهذا التاجر بدورهـ باع جميع ممتلكات المنزل في سوق البلدهـ إلى أن اشتراني أحدهم و باعني في محلاّت بلدكم هذه بأرخص الأثمان .
و استطردت قائلة : قام بتجميلي و رعايتي هذا المحل الذي في بلدكم إلى أن اشتريتني أنت يا سلطان .
لم أكن أريد أن أتحدث لك يا سلطان و لكن عندما رأيتك مهموما ً و حزينا ً من غدر الزمن و الأصحاب أحببت أن أوضّح لك أن غدر و نكران جميل بني البشر يتجاوزكم يا بشر إلينا نحن الذي لا حراك لنا و لا ذنب !
بعد هذا كلّه بكيت من سوء فعلتنا كبشر ! و نزلت دموعي , و لم يكن يحضنني في (عزوبيّتي) سوى مخدّتي التي تمسّكت بي و مسحت دموعي و طبطبت علي إلى أن أخذني منها نوم عميق جداً .
سؤالي لكم أحبابي .. هل هناك وجه شبه بين ما فعلته مخدّتي لذلك الرجل , و بين ما تفعله الأمّهات من تضحيات لأبنائهم و بناتهم ؟
اسألوا مخدّات نومكم و هي ستجيبكم .!!
أحلام سعيدة .
التعليقات (0)