كتاب نهج البلاغة هو اسم وضعه الشريف الرضي على كتاب جمع فيه المختار من كلام اﻹمام علي بن أبي طالب في الخطب و المواعظ و الحِكَم و غيرها . ويعد جمع نهج البلاغة من أبرز ما تركه الشريف الرضى .
وقد إشتمل الكتاب على عدد كبير من الخطب والمواعظ والعهود والرسائل والحكم والوصايا والآداب ، توزعت على 238 خطبة ، و79 بين كتاب ووصية وعهد ، و488 من الكلمات القصار .
مكانة الكتاب :
يرى الشيعة في الكتاب أنه أحد الكتب الهامة التي يجب على الشيعي قراءتها والأخذ منها والتعلم منها [1] بل إن الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية في إيران كان من وصيته قبل موته للشباب أن يحافظوا على قراءة نهج البلاغة [2] .
تتنوع موضوعات نهج البلاغة : بين معارف راقية في التوحيد ، مُثُل إلهية سامية ، نصائح ومواعظ ، بيان وتحليل للأحداث السياسية والإجتماعية ، عهود للولاة وتنبيههم وغير ذلك .
حاول السيد الرضي في نهج البلاغة ـ كما يشير إسم الكتاب ـ إلى انتقاء أبلغ وأجمل الأحاديث المروية عن الإمام ليضعها في هذا الكتاب . وهذه الخصوصية هي سر بقاء الكتاب وخلوده على الرغم من أحداث التاريخ العصيبة وسبب شهرته بين مختلف الفرق الإسلامية والشخصيات غير الإسلامية .
عدّ بعض الباحثين نحواً من 370 مؤلفاً حول نهج البلاغة من الشرح والتفسير والترجمة وغيرها ، وقد طبعت إلى الآن نحو من خمس عشرة ترجمة لنهج البلاغة . وهذا ما يوضح إلى حد ما مكانة الكتاب وقيمته بين المسلمين .
حاول بعض الباحثين جمع ما لم يأت به السيد الرضي في نهج البلاغة من كلام الإمام . وأهم هذه المحاولات هو نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ، هذه المجموعة جمعها الشيخ محمد باقر المحمودي في ثمانية مجلدات .
من أشهر تحقيقات نهج البلاغة تحقيق الإمام الشيخ محمد عبده والدكتور صبحي الصالح .
أجزاء الكتاب :
الكتاب مكون من 4 أجزاء
الجزء الأول : مقدمة الشريف الرضي ويشرح فيها سبب جمعه للكتاب وملخص الكتاب .
الجزء الثاني : خطب أمير المؤمنين وفيه مجموعة من الخطب التي ألقاها الإمام علي على الناس .
الجزء الثالث : كتب أمير المؤمنين وفيه فحوى بعض الكتب والرسائل التي أرسلها الإمام علي إلى عماله في الأمصار أو أعدائه .
الجزء الرابع : حكم أمير المؤمنين وفيه مقتطفات من كلام الإمام علي وحكمه ووصاياه .[3]
من مواعظ الإمام :
- خالطوا الناس مخالطة ، إن متم معها بكوا عليكم ، و إن عشتم حنّوا إليكم .
- إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر .
- ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه ، وصفحات وجهه .
- الغنى في الغربة وطن ، والفقر في الوطن غربة .
- هلك فيّ رجلان : محبٌ غال ، ومبغضٌ قالٍ .
نظرة أهل السنة والجماعة للكتاب :
يرى بعض أهل السنة عدم صحة نسب هذا الكتاب للإمام علي ، وذلك لعدة أسباب وأهمها عدم وجود سند لهذا الكتاب للإمام ، حيث الذي ألفه هو الشريف الرضى (359 - 406 هـ ) والذي كان موجوداً بعد الإمام بما يقارب من أربعمائة عام ، فالكتاب كما يراه بعض أهل السنة قد سقط أصلا من ناحية الإسناد [4] ، والسبب الآخر أنه يوجد في البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي بن أبي طالب وصاحب كتاب نهج البلاغة يجعله عن علي بن أبي طالب [5] . لكن البعض الآخر يرى أن الكتاب بالفعل للإمام علي بن أبى طالب . وكان في طليعة من تصدّى لتفنيد هذه الشبهات إبن أبي الحديد المعتزلي الشافعي في شرحه للـنهج ، حيث يقول :
«إنّ كثيراً من أرباب الهوى يقولون : إنّ كثيراً من نهج البلاغة كلام محدَث ، صـنعه قوم من فصحاء الشـيعة ، وربّما عزوا بعضـه إلى الرضي أبي الحسن وغيره ، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم ، فضلّوا عن النهج الواضح ... وأنا أُوضّح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط ، فأقول : لا يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً ، أو بعضـه . والأوّل باطل بالضرورة ؛ لأنّا نعلم بالتواتر صحّة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين ، وقد نقل المحدِّثون كلّهم أو جُلّهم والمؤرّخون كثيراً منه ، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك . والثاني يدلّ عليه ما قلناه ؛ لأنّ مَن قد أنس بالكلام والخطابة ، وشدا طرفاً من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب ، لا بُدّ أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح والأفصـح ، وبين الأصيل والمولّد ، وإذا وقف على كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء ، أو لإثنين منهم فقط ، فلا بُدّ أن يفرّق بين الكلامين ويميّز بين الطريقتين . ألا ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده ، لو تصفّحنا ديوان أبي تمّام ، فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصـيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمّام ونفَسـه وطريقـته ومذهـبه في القريض ... وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته كلّه ماءً واحداً ، ونفَساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط الّذي ليس بعض من أبعاضـه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية ، وكالقرآن العزيز ، أوّله كأوسطه ، وأوسطه كآخره ... فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين على بن أبى طالب» [6] .
أقوال بعض العلماء و الأدباء فى نهج البلاغة :
قال أحمد حسن الزّيات :
«ولا نعلم بعد رسول الله فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ، ولا أبلّ منه ريقاً في الخطابة ، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه ، وخطيباً تتدفّق البلاغة على لسانه ، وواعظاً ملء السمع والقلب ، ومترسلاً بعيد غور الحجة ، ومتكلماً يضع لسانه حيث يشاء ، وهو بالإجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين ، وخُطبه في الحثّ على الجهاد ورسائله إلى معاوية ووصف الطاووس والخفاش والدنيا ، وعهده للأشتر النخعي ... تعدّ من معجزات اللسان العربي وبدائع العقل البشري ، وما نظن ذلك قد تهيأ له إلا لشدة خلاطه الرسول ومرانه منذ الحداثة على الكتابة له والخطابة في سبيله» .
قال الإمام محمد عبده :
«وليس في أهل هذه اللغة إلاّ قائل بأنّ كلام الإمام عليّ بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيّه ، وأغزره مادّة ، وأرفعه أُسلوباً ، وأجمعه لجلائل المعاني» .
قال الفاضل الآلوسي :
«هذا كتاب نهج البلاغة قد استودع من خطب الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي وشمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي» .
قال ابن أبي الحديد :
«ويكفي هذا الكتاب الّذي نحن شارحوه دلالة على أنّه لا يُجارى في الفصاحة ، ولا يُبارى في البلاغة ، وحسبك أنّه لم يدوّن لأحد من فصحاء الصحابة العُشر ، ولا نصف العُشر ممّا دُوّن له» .
ويقول الدكتور زكي نجيب محمود :
«ونجول في أنظارنا في هذه المختارات من أقوال الإمام عليّ ، الّتي اختارها الشريف الرضي وأطلق عليها : نهج البلاغة ، لنقف ذاهلين أمام روعة العبارة وعمق المعنى . فإذا حاولنا أن نصنّف هذه الأقوال تحت رؤوس عامّة تجمعها ، وجدناها تدور – على الأغلب – حول موضوعات رئيسية ثلاثة ، هي نفسها الموضوعات الرئيسية الّتي ترتد إليها محاولات الفلاسفة ، قديمهم وحديثهم على السواء ، ألا وهي : الله والعالم والإنسان . وإذاً فالرجل – وإن لم يتعمّدها – فيلسوف بمادّته وإن خالف الفلاسفة في أنَّ هؤلاء قد غلب عليهم أن يقيموا لفكرتهم نسقاً على صورة مبدأ ونتائجه ، وأمّا هو فقد نثر القول نثراً في دواعيه وظروفه» .
وقال صبحي الصالح في مقدّمته للنهج :
«منذ أن تصدّى الشريف الرضي لجمع ما تفرّق من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ووسمه نهج البلاغة ، أقبل العلماء والأُدباء على ذلك الكتاب بين ناسخ له يحفظ نصّه في لوح صدره، وشارح له ينسم الناس عن تفسيراته وتعليقاته» .
المصادر والمراجع
1.نهجنا في الحياة من المهد حتى الممات - ميرزا آل عصفور
2.الوصية الإلهية للإمام الخميني - دار المنار - بيروت
3.فهرس كتاب نهج البلاغة - طبعة مصر- تحقيق الشيخ محمد عبده
4.إبن تيمية في منهاج السنة النبوية (7/86)
5.المصدر نفسه (8/55 – 56)
6.شرح النهج لإبن أبي الحديد .
ملاحظة : تم جمع هذه النصوص من مصادر مختلفة ، لكن دون أن أملك وقتها تقميشاً تسلسلياً لها ، وقد انتظرت فترة ، وبحثت عن مصادرها ، ولم أعثر على نتيجة مرضية ، لذلك أعتذر من أصحابها ، وإذا وجدت لاحقاً أي مصدر سأذكره ، وإذا وجد أحد القراء مصدراً فليتفضل بذكره مشكوراً .
التعليقات (0)