مواضيع اليوم

مخاطر وانعكاسات مبادرة " كسر الجمود" ...بقلم : محسن ابو رمضان

غازي أبوكشك

2013-05-30 07:17:38

0

 

مخاطر وانعكاسات مبادرة " كسر الجمود" ...بقلم : محسن ابو رمضان

 

 اعلن مجموعة من رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين وهم حوالي 500 شخص من الطرفين ، وذلك باشراف رئيس منتدى دافوس الاقتصادي عن اطلاق " مبادرة لكسر الجمود " وذلك في المؤتمر الاقتصادي الذي نظم بالبحر الميت بتاريخ 26/5 .
تهدف " المبادرة " كما يروج اصحابها لاعلاء الصوت من قبل رجال الأعمال باتجاه يرمي إلى تحقيق السلام المبني على حل " الدولتين " ، ولقد جرى هذا الاعلان بحضور وزير الخارجية الامريكي جون كيري والرئيس الفلسطيني محمود عباس وكذلك رئيس دولة " اسرائيل " شمعون بيرس .
يأتي هذا الاعلان بالوقت الذي تزداد اسرائيل كدولة احتلال بشراستها تجاه الشعب الفلسطيني عبر الاعتقالات ومصادرة الاراضي والاستمرار بالأنشطة الاستيطانية وحصار قطاع غزة وتهويد القدس في محاولة جادة لتقسيم المسجد الاقصى اسوة بالحرم الابراهيميالشريف ، تلك السياسة العدوانية التي تتميز بالكولونيالية والعنصرية تهدف إلى فرض الوقائع على الارض وتدمير فكرة الدولة المستقلة على طريق اقامة نظام من المعازل والكنتونات .
وامام صلف وعدوان الاحتلال استطاع نشطاء منظمات المجتمع المدني ان يصعدوا من حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على دولة الاحتلال " BDS "،وقد كان نتاج ذلك تبنى بعض الدول الأوروبية وبصورة رسمية لعملية مقاطعة المنتجات الاسرائيلية الصادرة من المستوطنات عبر وضع علامات تميزها لحث المستهلك الاوروبي على عدم شرائها ، كما برز عبر تراجع سمعة اسرائيل بالرأي العام الأوروبي من خلال نتائج الاستطلاع الذي جرى قبل أعوام والذي اكد به أكثر من 58% من المستطلعين أن اسرائيل الأكثر خطراً على الأمن والاسقرار العالمي ، وقبل ايام أكد مستطلعين من 25 دولة وبنسبة تصل إلى 75% بأن إسرائيل دولة اضطهاد وتمييز عنصري .
لقد استطاع نشطاء حملة المقاطعة بدعم من قوى التضامن الشعبي الدولى مساواة الصهيونية بالعنصرية و خلق ترابط قوى بين اسرائيل ودولة جنوب افريقيا في زمن الابارتهاييد .
لقد جاءت " المبادرة " لتخريب هذا النشاط المدني المتنامي والذي يحقق نتائج مذهلة بالنقابات والجامعات ومنظمات العمل الأهلي الذي يرمي إلى عزل اسرائيل وفرض المقاطعة عليها كأحد الوسائل الهامة للكفاح الوطني المستند إلى الشرعة الدولية لحقوق الانسان على طريق تحقيق أهداف شعبنا بالتحرر والانعتاق .
وبدلاً من قيام السلطة بالاستفادة من الانجاز الكبير الذي تحقق بالصمود الباسل للمقاومة فى غزة وبخطوة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب بالأمم المتحدة ، لاستثمار هذين الانجازين وتعزيزه على المستوى الدبلوماسي والسياسي نجد أن السلطة قد انغمست في هذه " المبادرة " التي ترمي إلى انقاذ الاحتلال من أزمته بما أنها تنسجم مع رؤية كيري ونتنياهو المبنية على التطبيع " السلام الاقتصادي " بدلاً من المسار السياسي الهادف الى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بقضية شعبنا على طريق الحرية والكرامة .
لا يهم ما يرده أصحاب " المبادرة " بأنهم لا يهدفون إلى التطبيع وأن الخيار السياسي هو المفضل والأول لديهم ، وهنا نتساءل ما هو التطبيع الاقتصادي إذن ؟ علماً بأنه تم الاعلان من قبل جون كيري وزير الخارجية الامريكي عن مبلغ 4 مليار دولار لتنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة تهدف إلى " انعاش " الحالة الاقتصادية وارتفاع الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 40% وتخفيض البطالة إلى نسبة 8% كما يروج القائمين على هذه " المبادرة " ، حيث سيستفيد من هذه المشاريع بالأساس أصحاب رؤوس الأموال من الجانبين وفي عملية ربحية اقتصادية تتم تحت إجراءات الاحتلال وجرافات الاستيطان .
إن التأكيد من قبل القائمين على المبادرة على رفض التطبيع يتنافي مع اعلان المبادرة الرامية إلى تحقيق انشطة ومشاريع اقتصادية مشتركة ، علماً بأن ذلك سيتم في ظل انسداد الآفاق السياسية ما دامت اسرائيل تتنكر لحقوق شعبنا وتضع شروطاً جديدة للعملية السياسية من حيث ضرورة اعتراف الفلسطينيين والعرب بفكرة " يهودية الدولة " كواحدة من الشروط التي تعمل اسرائيل على فرضها إلى جانب الشروط الأخرى ، كرفض الانسحاب من حدود الرابع من حزيران عام 67 ، ورفض تقسيم القدس، ورفض حق العودة ، ورفض تفكيك الكتل الاستيطانية الضخمة.
واضح أن إسرائيل تستفيد من التحولات العربية التي ما زالت تعيشها العديد من البلدان في أجواء من الاضطراب الذي يقود مع الاسف إلى مزيد من التفكيك والتشظى سواءً الاثني أو الطائفي أو الجهوي أو الجغرافي .
جاءت المبادرة العربية الأخيرة والتي قدمها وفد الجامعة العربية إلى جون كيري بالولايات المتحدة لتعزز من حالة التراجع وتقديم التنازلات الرسمية العربية أمام الصلف والعدوان والهمجية الاسرائيلية ، وذلك عبر مبادرة تبادل الاراضي والتي ستعمل ببساطة على تشريع الاستيطان إلى جانب تقويض حق العودة بالاضافة إلى الحاق المخاطر بالعرب الفلسطينيين المقيمين في مناطق 48 .
وإذا كان رجال الأعمال الفلسطينيين يقدمون مبادرة والعرب الرسميين يقدمون مبادرة فدعونا نسأل اين هي مبادرة اسرائيل ؟ ولماذا لا تقدم الأخيرة مبادرة أيضاً ؟؟ والجواب ببساطة لأنها مرتاحة وتشعر أن هناك مناخات فلسطينية عبر الانقسام واقليمية عربية عبر مآلات التحولات العربية تجعلها لا تفكر بتقديم مبادرة ، بل الاصرار على شروطها المستمرة ، لأنها في وضع القوى والذي لا يتهدده اية مخاطر ، ولعل واحدة من التكتيكات الأمريكية تجاه العملية " السياسية " تكمن في تقديم الإجراءات التطبيعية على التقدم بالمسار السياسي وهذا ما تريده اسرائيل أي اكتساب مزيداً من " الشرعية " السياسية والاقتصادية سواءً على المستوى الفلسطيني أو العربي دون مجرد ان تفكر بتقديم أية مطالب مشروعة للفلسطينيين لتضمن حقوقهم المشروعة بالحرية والاستقلال والعودة ، فإسرائيل تريد التطبيع لكي يتكيف الفلسطينيين والعرب مع إجراءاتها على الارض والمبنية على آليات الاستعمار الكولونيالية والتمييز العنصري .
الغريب بالأمر إعطاء الشرعية الرسمية الفلسطينية لهذه المبادرة التطبيعية بامتياز من قبل الرئيس محمود عباس الذي قدم خطاباً " استعطافياً " الذي لا ينسجم مع منهجية قيادة حركة تحرر يجب أن تظهر أن هناك أوراق قوة يمكن استخدامها في مواجهة صلافة الاحتلال .
لقد تم تجريب هذا الأسلوب الناعم لأكثر من عشرين عاماً ولم يحصد أصحابه سوى خيبة الأمل واللهاث وراء سراب الوعودات الأمريكية أو غيرها ، حيث أن أية قراءة بسيطة لتجارب الشعوب تؤكد أهمية أدوات القوة التي تجعل الاحتلال خاسراً لدفعه للتفكير الجاد بالانسحاب والاستجابة لحقوق الشعب الرازح تحت الاحتلال .
تذكرنا هذه " المبادرة " بشعار تحسين مستوى المعيشة الذي روجت له الولايات المتحدة أبان الثمانينات من القرن الماضي ، هذا الشعار الذي كان يهدف إلى ذات الأهداف الآن، والرامي إلى تقديم " إغراءات "  للمواطنين عبر رفع مستوى المعيشة ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة بما يضرب على وتر احتياجات المواطنين ، كل ذلك على حساب الحقوق والكرامة الوطنية .
لقد رد الشعب الفلسطيني على هذا الشعار وغيره  عبرالانتفاضة الشعبية الكبرى 87 – 93 والذي اختار بها خيار الكرامة والحرية بدلا من الاغراءات المالية والاقتصادية .
لقد آن الأوان لمقاومة مثل هكذا مبادرات تعمل على تكريس الاحتلال وتخريب نضال شعبنا وكفاحه المشروع عبر حملة المقاطعة ، الأمر الذي يتطلب موقفاً شعبياً رافضاً ومطالباً بتعرية هكذا مقترحات لا تخدم إلا اصحاب رؤوس الأموال مهما تغلفوا بشعارات سياسية .
إن العمل الجاد على انهاء الانقسام واستعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية على قاعدة تحررية وكفاحية وعبر آليات ديمقراطية هو المدخل الأنسب لمواجهة هكذا " مبادرات " لكي نسير في مسار كفاحي ومقاوم يستند إلى حملة المقاطعة وتصعيد المقاومة الشعبية والسياسية والدبلوماسية ، لأن الاحتلال لن يفكر بالرحيل عبر هكذا " مبادرات " بل فقط عندما يشعر أنه يخسر .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !