مواضيع اليوم

محنة المخترعين المغاربة بين أحضان وطنهم ( 1 من3)

إدريس ولد القابلة

2012-10-06 22:13:34

0

 تقديم

قد تكون الحاجة أمّ الاختراع كما هو شائع، لكن هناك ثلة من الشباب المغربي اختار ميدان الاختراع،  معتمدين على الموهبة والذكاء العلمي والطموح للمزيد من المعرفة والخبرة الميدانية في عالم البحث والتنقيب على غير المسبوق. وهناك منهم ارتقى سلم الاختراعات العلمية الفريدة ذات فوائد جمة ومنافع هامة، إن حصلت في دول أخرى لقامت لها ولم تقعد. لكن في المغرب، أن تكون مخترعا يعني الاستعداد لتلقي الخيبة تلو الخيبة جراء تعامل القائمين على الأمور مع اختراعك.

إنهم شبابا يتقدون شعلة من الأمل، لكنهم يعانون من إهمال مجتمعاتهم وتجاهل القائمين على الأمور وعدم رعاية الجهات الرسمية ذات الاختصاص،  يبدو أنها القاعدة والنهج اللذين يحكمان التعامل والتصرف مع المخترعين والمبتكرين المغاربة في المغرب. هذا في وقت تأكد فيه، في عصر العولمة، أن أية دولة تريد أن تلتحق بركب التقدم والازدهار عليها أن تعنى بالاختراع والابتكار وتشجع المخترعين والمبتكرين.

 

عدم الاهتمام الرسمي وغياب الدعم والرعاية

حصاد المخترعين بالمغرب

إن الغالبية الساحقة للمخترعين المغاربة بالمغرب شباب استطاعوا أن يبتكروا اختراعات، قاسمهم المشترك القدرة على الإبداع والابتكار، منهم من استند على تعليمه التقني ومنهم من ارتكز على ذكائه الخارق وسرعة بديهته وشغفه للتوصل إلى صنع ما هو غير مسبوق.

لكنهم إلى حد الساعة، وبالرغم من الاختراعات القيمة -التي حصدت الجوائز والتقدير خارج الحدود - التي حققوها ، مازال جلهم لا يحظون بالاهتمام الرسمي المسئول اللازم يعكس ولو جزء مما يقدمونه لبلدهم ولأهلها.

يكاد كل المخترعون المغاربة بالمغرب يحصدون الخيبة تلو الخيبة. فمنهم من تنكرت له مؤسسات وجهات رسمية، ومنهم من تجاهله القائمون على الأمور، ومنهم من سُدّت كل السبل وصدّت كل الأبواب في وجهه ولم يجد ولو فرصة لعرض ابتكاره على الجهات ذات الاختصاص والتعريف الجمهور به.

لكن ما يجز في القلب حقا، أن التقدير والجائزة والمكافأة لا تأتي إلى حد الآن إلا من الخارج ولا تصدر إلا من طرف الأجانب، من الولايات المتحدة الأمريكية أو جنيف أو باريس أو روما أو طهران أو غيرها، لأن هؤلاء يقدرون أهمية الابتكار والاختراع ويعون حق الوعي دورهما في تفعيل التنمية وتحسين ظروف العيش ورفع شأن الوطن بين الأمم، لذا  لا يبخلون قيد أنملة في الاحتفاء بالمخترعين والمبتكرين ويحرصون على الاحتفاء بهم واحترامهم وإكرامهم وتشجيعهم ويجتهدون في تتبع خطواتهم. إنهم، في واقع الأمر، يستنيرون بالمقولة المأثورة التي مفادها " إذا أردتَ معرفة حيوية مجتمع ما، انظر إلى عدد مخترعيه ومبتكريه"..

فللاختراع دور أساسي في التنمية الاقتصادية وخلق القيمة المضافة والثروات المضافة التي يحتاجها المجتمع، وبدون ابتكار يصبح المجتمع جامدا لا روح فيه ولا إبداع. ألم تتألق اليابان بين الأمم بفضل ترسيخ الشعار القائل "ابتكر أو تموت"( innover ou périr ).

شباب مبتكرون

من الظلم الاجتماعي والحضاري إهماله

لقد تأكد أن المغرب يزخر بالمخترعين الشباب الذين يبتكرون أشياء مفيدة للمجتمع وللبشرية في مختلف المجالات الحياتية. والدليل على ذلك عدد الاختراعات التي يقدمونها سواء في بعض المعارض المحلية النادرة أو عبر مشاركات بعضهم في ملتقيات دولية غالبا ما يحظون فيها بالاعتراف الدولي الصريح والمتميز.
فحسب إحصائيات المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية فإن زهاء 929 طلب براءة اختراع تم إيداعه خلال سنة  2009، وأكثر من هذا العدد في السنوات التي تلتها ، إذ عرف عدد براءات الاختراع المسجلة في ذات المؤسسة من طرف الأشخاص المعنويين تطورا كبيرا بنسبة 229 في المائة، منها ما تم تقديمه من طرف جامعات مغربية. علما أن هناك اختراعات  أخرى تظل حبيسة التداول بين مخترعيها وأسرهم ومعارفهم وأصدقائهم، فلا يتم تسجيلها في مؤسسة الملكية الصناعية والتجارية لنيل شهادة براءة الاختراع. ويُعزى السبب إلى التقصير من طرف الشباب المخترع أنفسهم وعدم وعيهم القانوني بهذه الخطوة الضرورية لحفظ الاختراع وحمايته، أو لتواجدهم أحيانا كثيرة في مناطق نائية حيث يتعسر عليهم الانتقال إلى هذه المؤسسة أو فروعها في بعض المدن القليلة.

ومن المعلوم أن المغرب يحتل المركز الأول بين بلدان المغرب العربي في عدد إيداع طلبات براءة الاختراع، وتليه الجزائر وتونس ثم ليبيا، وفق تقرير للمنظمة العالمية للملكية الفكرية.

 

تفريط وتجاهل ذوي القربى وأهل الدار

يعاني معظم المخترعين المغاربة  بالمغرب من ضعف الاهتمام بهم، وبما ينجزون من اختراعات وابتكارات وعدم رعايتهم وإحاطتهم ومساعدتهم في ما يتطلبه مجال الاختراع من دعم مادي ومعنوي مكثف.
ففي المعارض الوطنية يتم منحهم جوائز هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع، كما أن الكثير منهم لا يستطيعون  الإسهام في هذه المعارض على ندرتها لأسباب تقنية أو تواصلية أو مادية  في غالب الأحيان. ومن منهم يحظى بالمشاركة في المعارض الدولية يحز في نفسه معاينة مدى الاحتفاء الكبير الذي يجده مخترعو الدول الأخرى خاصة من أوروبا وأمريكا من لدن بلدانهم أو المنظمات التي تعنى بالاختراع.

ومن المعضلات التي يعاني منها المخترعون المغاربة، علاوة الإهمال، غياب الدعم ، وعدم إيلاء المسئولين المباشرين على مجال الاختراع والإبداع التقني والعلمي الأهمية التي يستوجبها هذا القطاع. وأيضا غياب شركات الإنتاج التي تعمل على تسويق الابتكارات والأجهزة المخترعة من طرف الشباب الطموح والمبدع.
و يشكل هذا غياب مثل هذه الشركات حاجزا أمام الكثير من المخترعين بسبب التكلفة.

ويشتكي المخترعون الشباب المغاربة من إهمال اختراعاتهم الصناعية والتكنولوجية وأنها لا تحظى بالتشجيع والدعم المادي الكافيين لتقديمها وترويجها في السوق بسبب عدم ثقة العديد من رجال الأعمال وأصحاب الأموال في هذه الاختراعات وقدرتها على التنافس وجلب الأرباح. وبالرغم من المستوى التقني والفني الرفيع لاختراعاتهم وحصول بعضها على أرفع الجوائز في مختلف المعارض الدولية، فإن هؤلاء المخترعين يعانون من تجاهل داخلي كبير جعل بعضهم يتخلى عن اختراعاته، والبعض الآخر يلجأ إلى تغيير اختراعاته لتساير متطلبات الواقع المحلي.

ويطالب المخترعون الشباب المستثمرين وأرباب الشركات والمصانع بالاهتمام بما يقدمونه من ابتكارات جديدة وبأن يمدوا لهم يد العون لما في ذلك من مصالح لهم ولاقتصاد البلاد . لأن مهمة المخترع تنتهي حين إيجاد الصيغة النهائية للنموذج الذي يقدمه، وتبدأ مهمة فاعلين آخرين يجب عليهم مد يد العون له، خاصة من رجال الأعمال وأصحاب رأس المال من أجل تسويق الاختراع. سيما وأن المخترع لا يمكنه أن يوفر الدعم المادي لاختراعه لوحده، فلا بد من تكاثف الجهود وتضافرها بهدف الدفع بهذه الاختراعات إلى رؤية النور، خصوصا تلك  التي  حظيت بإشعاع دولي أو نالت تنويهات وتصفيقات وجوائز وشهادات.

ومن الشروط التعجيزية التي تواجه المخترعين المغاربة بالمغرب رسوم تسجيل الاختراع الواجب أداؤها للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية الموجود بالدار البيضاء.  إذ على المخترع أداء مبلغ مالي عن كل سطر من سطور الورقة التعريفية بالاختراع، وهذا ما لا يفصح عنه الموقع الرسمي للمكتب المذكور ويقتصر فقط بالإشارة إلى الوثائق المطلوبة لإيداع الرسم أو النموذج الصناعي، وهي 7 وثائق ضمنها ضرورة إثبات أداء الرسوم الواجبة، والتي تشكل حاجزا في وجه المخترعين الشباب  ولا تساعد على البحث العلمي الحر والمستقل، إذ أن هذه الرسوم قد تصل إلى 40 ألف درهم ( 4 ملايين سنتيم)، هذا علاوة على إلزامية  أداء رسوم سنويا لمدة 20 سنة ، وهي مدة حماية الاختراع سواء تم تسويق الاختراع أم لا.

 

"مول الطيّارة"

نازلة مماثلة في السبعينات

في بحر سبعينات القرن الماضي احتضنت جبال أزرو أحد الشبان المغاربة المولعين بالابتكار. اعتمد على نفسه وإمكانيته الضئيلة لصنع طائرة حوامة باستخدام محرك من نوع بيرلي"، ولما حلق بها في سماء بلاده فوجئ بالدرك الملكي يطوقون مقر إقامة عائلته الفقيرة ليتم اعتقاله وتحطيم طائرته على مرأى عينيه لتصبح "خردة". وطبعا خضع الشاب لـ "سين وجيم" في أجواء وظروف قاسية وعير إنسانية كانت آنذاك بمثابة نهج المخزن في مغرب السبعينات. سيما وأن الشاب كان محسوبا على العالم القروي زمنئذ الذي كان فيه القائمون على الأمور يضربون ألف حساب وحساب لتنامي الوعي وانتشار المعرفة في أرجاء البادية المغربية.

آنذاك كانت عيون الدرك الملكي مصوبة على كل زريبة ونوالة، ويرتعد القروي بمجرد ذكر كلمة " جادارمي" أو"جادارمية".

عوض الاحتفاء بهذا الشاب وتقدير صنيعه ومد له يد الدعم والمساعدة والتشجيع للمزيد من التألق في مجال الابتكار والاختراع، تم على العكس من ذلك تضييق الخناق عليه واعتباره خارج القانون وبالتالي وجب إخضاعه لـ "سين وجيم" في أجواء مغرب الجمر والرصاص يعلم صعوبتها وتفاصيلها الجميع اليوم.

وحتى وإن كان نهج التعامل قد تغير اليوم إلا أن القاسم المشترك بين الفترتين هو عدم الاهتمام وعدم تقدير المخترعين بالمغرب. وفي ظل هذا الوضع لا نستغرب عندما ينصح الكثيرون المخترعين الشباب بالهجرة إلى الخارج ولو عن طريق "الحريك" أو تغيير الجنسية وطلب "اللجوء العلمي"  لأنه يبدو أن لا مكان لهم ولأمثالهم تحت شمس وطنهم وبين ذويهم ولن يستطيعوا الاستمرار على درب الابتكار والاختراع الذي  اختاروه  لخدمة وطنهم. إذ في البلدان الأخرى، تخصص أموالا طائلة لتشجيع ودعم ومساندة مثل هذه المبادرات ويتم احتضان أصحابها ويقدرون أكبر تقدير عوض دفعهم للعيش في أجواء وظروف تقتل مبادراتهم وتغتالها عوض تشجيعها ودعمها لتتطور أكثر. 

jتابع




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات