كان عمر الخيّام أول من تمكّن من حل معادلات من الدرجة الثالثة. كان بالفعل العبقري الذي أدهش حتى العلماء المعاصرين بذكائه المتّقد، وبقي الشفرة المعقدة التي استعصى فكّها.
كان أول من أثبت علميا بأن الأرض تدور، فقد بنى مرصدا للنجوم واستعان بوسائل علمية لمراقبة حركة النجوم ومواقع الكواكب.
ذاعت شهرته في كل البلاد الإسلامية، وتلهّف الناس لرؤية تجارب هذا الفلكي النابغة. لكن البعض عارض فكرة دوران الأرض بحجة أنها تفسد عقيدة المسلمين استنادا إلى حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم يفيد بأن النجوم ثابتة. وقاموا بالتشهير بعمر الخيّام وتعبئة الناس ضده، ومن بين هؤلاء نجد أبو حامد الغزالي، الذي قدم إلى مرصد النجوم، فوجد الخيّام يقوم بمحكاة المجموعة الشمسية ليقرب لتلامذته الفكرة ويشرح لهم مسألة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، عارضه الغزالي لكن ليس بأدلة علمية طبعا، وأكثر من ذلك كله قام بذلك حين أساء فهم الحديث النبوي. وعزم على محاكمة الخيّام بحجة أنه خالف السنة وبإثبات دوران الأرض فإن الخيّام يشكّل خطرا على السنة.
أقيمت محاكمة للخيّام أقل ما يقال عنها إنها محاكمة ضد العلم، محاكمة ضد العبقرية ...وأصدر قرارا بحرق مرصد النجوم، وأحرقت كل كتب الخيّام التي ألّفها في الفلك والرياضيات... ؟!
هكذا دسّ أبو حامد الغزالي أنفه في علم لا علم له به، وحجته في ذلك أنه حمل الحديث الذي قام بتفسيره ظاهريا وخوّل لنفسه التحدث في أمور هو جاهل بها أساسا. وبذلك فوّت على المسلمين فرصة ثمينة هي إثباتهم لفكرة دوران الأرض قبل أن يثبتها الغرب. وكان في نهاية الأمر أن قدم الغزالي النّص الديني على أساس أنه يخالف العلم أمر دحضه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فيما بعد.
بعد مدة من محاكمة الخيّام أتى كيبلر وغاليليو يعلنان فكرة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. وعاش غاليلي محنة كمحنة الخيّام لكن محنة غاليلي جعلت أوروبا تشرف على عصر النهضة. ومنذ تلك اللحظة تقبّل شيوخ الدين في العالم الإسلامي فكرة دوران الأرض ولم يتجرأوا على الانضمام إلى الكنيسة لمحاكمة غاليليو، ولم يتم تحريض المسلمين على كتاباته بحجة أنها تدحض الحديث النبوي الذي يفيد بأن النجوم ثابتة.
ابتلع الفقهاء هذا الاكتشاف لأنه قادم من بلاد الغرب ورفضوه قبل ذلك لأنه كان قادما من بلاد فارس.
وهذا يطابق تماما ما يحدث اليوم بين بعض العربان وبين بلاد فارس. فإيران تسعى لغزو الفضاء بتقدمها التكنولوجي فأصبحت حسب بعض شيوخ الدين تشكّل خطرا على عقيدة المسلمين وتشكّل خطرا على المذهب السني بشكل خاص، حسب زعمهم.
بعض شيوخ الدين يتأبّطون السنة ويسعون لمحاكمة إيران وتأليب الناس ضدها، والغريب أن كهنة البلاط هؤلاء هم أنفسهم من أساءوا إلى السنة، وكانوا السبّاقين إلى ذلك حين برّروا الرقص مع السفاح بوش بالسنة، وحين برّروا مساندة الصهاينة إثر ارتكابهم مجزرة قانا باسم السنة كذلك...
كهنة البلاط وأولياء نعمتهم لا يطيقون شم دخان الصواريخ من فئة "فجر" و"سجيل" و"نصر" ويبررون ذلك باسم السنة، لكنهم لا يمكنهم الخوف على السنة عندما يتعلق الأمر بصواريخ نووية للكيان الصهيوني أو قنابل عنقودية أمريكية... ولا يرون بأن ثمّة خطرا على أهل السنة عندما يتعلق الأمر بمفاعل ديمونة النووي ولكنهم بالمقابل يخشون من المفاعل الفارسي، تماما مثلما خشي الغزالي وبعض الفقهاء المسلمين من مرصد الخيام الفارسي ولكنهم قبلوا بمرصد غاليلي وابتلعوا إثباته العلمي لنظرية دوران الأرض.
شيوخ يعارضون إيران الخميني، الذي أغلق سفارة الكيان الغاصب في أصفهان. يعارضونها لأنها شيعية وتشكّل خطرا على المذهب السنّي، حسب زعمهم، ولكنهم لم يعارضوا إيران الشاه، رغم أنها كانت أيضا شيعية قُحّة، لأن الشاه كان ظلا لأمريكا والكيان الغاصب.
إيران الشيعية أيام الشاه المتصهين لم يكرهها هؤلاء العربان الناعقون، بل حينها كانت هي الإسلام وهي السنة وهي العقيدة... لأنها كانت بنكهة شاهية متأمركة متصهينة.
أما إيران الإمام الخميني، رحمه الله، وما بعد الخميني، أصبحت منبوذة، لأنها قطعت أوداج الشريان الرابط بينها وبين الكيان الغاصب.
هكذا، إذن يزمر بعض الشيوخ وأولياء نعمهم لمحاكمة إيران لأنها أعادت مجد المسلمين وأحيت الحضارة الإسلامية باختراعاتها التكنولوجية. ويهولون بكونها تشكّل خطرا على السنّة لأن الكثير من هم يتحسسون من الرائحة المنبعثة من المفاعل النووي لأن أنوفهم الغليظة والطويلة اعتادت فقط على شم بول البعير.
إيران تشكّل خطرا عليهم وتخالف السنة لأنها تسعى لتحقيق التقدم العسكري، وكل هذا لأن بعض العربان ما زالوا يعتقدون بأن السنّة هي خوض الحروب المعاصرة بواسطة الرماح والمنجنيق!
إيران باتت تصنع سلاحها بيدها وطورت التكنولوجيا العسكرية، لأنها فهمت بأن الذي يصنع سلاحه بيده يصعب إذلاله، كمن يصنع خبزه في مطبخه يصعب تسميمه. بينما بقي العرب في صفقة اليمامة وصفقة الحمامة وصفقة البومة... !
والمثير للسخرية، أن بعض العربان يتحرّقون ويجيّشون إمبراطوريات إعلامهم الناطق بالعربية والمفكر بالعبرية لتحضير الشعب العربي لتقبّل الحرب على إيران، ولا يستبعد أن يكون للعربان اليد الطولى فيها بمنح قواعدهم العسكرية، وبهذا يعيدون إلى أذهاننا يوم منحوا القواعد العسكرية للمحتل الأمريكي لاحتلال العراق، فاستفقنا على خبر مشؤوم تلقفته وسائل الإعلام وترك فينا جرحا عميقا "سقوط بغداد".
ولا زال بعض العربان يحلمون بإذاعة خبر "سقوط طهران"، وهم لا يدركون بأنهم إذا سوّلت لهم أنفسهم مساعدة الكيان الصهيوني وأمريكا لضرب إيران فإننا لا نستبعد بأن إيران ستعيدهم إلى زمن العيش وسط عقارب الصحراء، ذلك لأن الحرب على إيران ستنهي عصر العربان الذين يتآمرون على الأوطان تودّدا للمحتل من أجل البقاء على كراسي يرثونها أبا عن جد باسم السنة أيضا!
ليس غريبا إذن أن نرى بأن الذين يتآمرون على إيران أنفسهم هم الذين تآمروا مع الرئيس الأمريكي، جونسون، على مصر وتسبّبوا في عام النكسة، وكانت حجتهم في ذلك أن الزعيم جمال عبد الناصر، رحمه الله، قومي، والقومية لدى هؤلاء العربان تهدد السنة وتشكل خطرا عليها؟!
وليس غريبا إذن أن نجد بأن الذين يتآمرون ضد إيران هم أنفسهم الذين تآمروا على العراق بحجة أن النظام كان بعثيا يشكل خطرا على السنة !؟، وهنا لا يسعنا سوى القول بأن هؤلاء العربان الذين يتآمرون على الأوطان باسم السنة بالفعل هم يفعلون ذلك دفاعا وخوفا على السنّة، لكن ليست سنّة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل سنة المحتل الأمريكي والصهيوني، فهذا طبعهم، فقد أجروا تعديلا بسيطا على هذه السنّة بعدما كانت إنجليزية بحتة أصبحت سنة أمريكو ـ صهيونية.
وبقي لنا إذن في الأخير أن نقول إن إيران تؤمن بأن أمنها لا يحميها سوى النووي والعربان الناعقون يعتقدون بأنهم سيحمون أمنهم بالمنوي فألهاهم التكاثر!
جيجيكة إبراهيمي
جامعة بوزريعة
التعليقات (0)