محمد مهدي الجواهري.
محمد مهدي الجواهريولد في (26 يوليو 1899) وتوفي في (1 يناير 1997) شاعر عراقي شهير، لقب بشاعر العرب الأكبر.
ولد في مدينة النجف في العراق، وكان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف، أراد لابنه أن يكون عالماً دينيا، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة. ترجع اصول الجواهري إلى عائلة عربية نجفية عريقة، نزلت النجف الأشرف منذ القرن الحادي عشر الهجري، وكان أفرادها يلقبون ب"النجفي" واكتسبت لقبها الحالي "الجواهري" نسبة إلى كتاب فقهي قيم ألفه أحد أجداد الأسرة وهو الشيخ محمد حسن النجفي، وأسماه "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام " ويضم44 مجلداً، لقب بعده ب"صاحب الجواهر"،ولقبت أسرته ب"آل الجواهري" ومنه جاء لقب الجواهري. قرأ القرآن الكريم ولم يحفظه وهو في سن مبكرة ثم أرسله والده إلى مُدرّسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة والنحو والصرف والبلاغة والفقه. وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البلاغة وقصيدة من ديوان أبو الطيب المتنبي.
نظم الشعر في سن مبكرة وأظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعر ، كان في أول حياته يرتدي لباس رجال الدين، واشترك في ثورة العشرين عام 1920 ضد السلطات البريطانية.
صدر له ديوان "بين الشعور والعاطفة" عام (1928). وكانت مجموعته الشعرية الأولى قد أعدت منذ عام (1924) لتُنشر تحت عنوان "خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح". ثم اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة، ثم ترك العمامة كما ترك الاشتغال في البلاط الفيصلي وراح يعمل بالصحافة بعد أن غادر النجف إلى بغداد، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة (الفرات) وجريدة (الانقلاب) ثم جريدة (الرأي العام) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين.
استقال من البلاط سنة 1930، ليصدر جريدته (الفرات) ثم ألغت الحكومة امتيازها وحاول أن يعيد إصدارها ولكن بدون جدوى، فبقي بدون عمل إلى أن عُيِّنَ معلماً في أواخر سنة 1931 في مدرسة المأمونية، ثم نقل إلى ديوان الوزارة رئيساً لديوان التحرير، ومن ثم نقل إلى ثانوية البصرة، لينقل بعدها لإحدى مدارس الحلة. في أواخر عام 1936 أصدر جريدة (الانقلاب) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي لكنه سرعان مابدأ برفض التوجهات السياسية للانقلاب فحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر وبإيقاف الجريدة عن الصدور شهراً.
بعد سقوط حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى (الرأي العام)، ولم يتح لها مواصلة الصدور، فعطلت أكثر من مرة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة للسياسات المتعاقبة. كان موقفه من حركة مايس 1941 سلبياً لتعاطفها مع ألمانيا النازية، وللتخلص من الضغوط التي واجهها لتغيير موقفه، غادر العراق مع من غادر إلى إيران، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته (الرأي العام). أنتخب نائباً في مجلس النواب العراقي نهاية عام1947 ولكنه استقال من عضويته فيه في نهاية كانون الثاني 1948 احتجاجاً على معاهدة بورتسموث مع بريطانيا العظمى، واستنكاراً للقمع الدموي للوثبة الشعبية التي اندلعت ضد المعاهدة واستطاعت إسقاطها. بعد تقديمه الاستقالة علم بإصابة أخيه الأصغر بطلق ناري في مظاهرة الجسر الشهيرة، الذي توفى بعد عدة أيام متأثراً بجراحه، فرثاه في قصيدتين "أخي جعفر" و"يوم الشهيد"،اللتان تعتبران من قمم الشعر التحريضي.
شارك في عام 1949 في مؤتمر " أنصار السلام" العالمي، الذي انعقد في بولونيا، وكان الشخصية العربية الوحيدة بين جموع اليهود الممثلة فيه، بعد اعتذار الدكتور طه حسين عن المشاركة.
شارك في تأبين العقيد عدنان المالكي في دمشق عام 1956 وألقى قصيدته الشهيرة، التي كان مطلعها:"خلفت خاشية الخنوع ورائي وجئت أقبس جمرة الشهداء"ومنح في إثرها اللجوء السياسي في سوريا. عاد إلى العراق في صيف عام 1957 حيث استدعي حال عودته ألى مديرية التحقيقات الجنائية حيث وجهت له تهمة المشاركة في التخطيط لمؤامرة لقلب النظام الحاكم في العراق، فرد عليهم مستهزءاً: ولماذا اشترك مع الآخرين وأنا استطيع قلب النظام بلساني وشعري" وأطلق سراحه بعد ساعات.
كان من المؤيدين المتحمسين لثورة 14 تموز 1958 وقيام الجمهورية العراقية ولقب ب"شاعر الجمهورية" وكان في السنتين الأوليتين من عمر الجمهورية من المقربين لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، ولكن إنقلبت هذه العلاقة فيما بعد إلى تصادم وقطيعة، واجه الجواهري خلالها مضايقات مختلفة، فغادر العراق عام 1961 إلى لبنان ومن هناك استقر في براغ سبع سنوات، وصدر له فيها في عام 1965ديوان جديد سمّاه " بريد الغربة ".
كان من أبرز المؤسسين لاتحاد الأدباء العراقيين ونقابة الصحفيين العراقيين، بعد قيام الجمهورية وانتخب أول رئيس لكل منهما. وقف ضد انقلاب 8 شباط 1963، وترأس "حركة الدفاع عن الشعب العراقي" المناهضة له. وأصدرت سلطات الانقلاب قراراً بسحب الجنسية العراقية منه، ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة، هو وأولاده(ولم يكن، لا هو ولا أولاده، يملكون منها شيئاً).
عاد إلى العراق في نهاية عام 1968 بدعوة رسمية من الحكومة العراقية، بعد أن أعادت له الجنسية العراقية، وخصصت له الحكومة، بعد عودته، راتباً تقاعدياً قدره 150 ديناراً في الشهر، في عام 1973 رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في تونس. تنقل بين سوريا ،مصر، المغرب، والأردن، ولكنه استقر في دمشق بسوريا ونزل في ضيافة الرئيس الراحل حافظ الأسد. كرمه الرئيس الراحل «حافظ الأسد» بمنحه أعلى وسام في البلاد، وقصيدة الشاعر الجواهري (دمشق جبهة المجد» يعتبر ذروة من ذرا شعره ومن أفضل قصائده
غادر العراق لآخر مرة، ودون عودة، في أوائل عام 1980. تجول في عدة دول ولكن كانت اقامته الدائمة في دمشق التي امضى فيها بقية حياته حتى توفى عن عمر قارب المئة سنه، في سوريا وجد الاستقرار والتكريم، ومن قصائده الرائعة قصيدة عن دمشق وامتدح فيها الرئيس العلوي حافظ الاسد، (سلاما ايها الاسد..سلمت وتسلم البلد). (شاعر العرب الأكبر)، اللقب الذي استحقه بجدارة في وقت مبكر في حياته الشعرية، وارتضاه له العرب اينما كان واينما كان شعره، رغم أن الساحة العربية كانت مليئة بالشعراء الكبار في عصره. فقد حصل على هذا اللقب عن جدارة تامة واجماع مطلق ويؤكد السيد فالح الحجية الكيلاني الشاعر العراقي.في كتابه الموجز في الشعر العربي -شعراء معاصرون(ان الجواهري لهو متنبي العصر الحديث لتشابه أسلوبه بأسلوبه وقو ة قصيده ومتانة شعره)
لهذا طبع شعر الجواهري في ذهن الناشئة من كل جيل مفاهيم وقيما شعرية إنسانية لا تزول. اما التجديد في شعره فجاء مكللا بكل قيود الفن الرفيع من وزن وقافية ولغة وأسلوب وموسيقى وجمال وأداء.
اخر لقاء تلفزيوني مع الشاعر الكبير الراحل كان في تلفزيون الشارقة عام1992، أثناءزيارته لدولة الإمارات العربية لاستلام جائزة سلطان العويس في الإنجاز الأدبي والثقافي،والتي استحدثت لكي تكون لائقة برموز الأدب والثقافة العربية وكان الجواهري أول الحائزين عليها. وفي هذا اللقاء قرأ لأول مرة قصيدته في رثاء زوجته أمونه... وقد حاوره المذبع سفيان جبر في برنامج [ لقاء الأسبوع] وقد بث اللقاء عشرات المرات وعلى مدى سنوات. توفي الجواهري في إحدى مشافي العاصمة السورية دمشق سنة 1997 عن عمر يناهز الثامنة والتسعين، ونظم له تشييع رسمي وشعبي مهيب، شارك فيه أغلب أركان القيادة السورية، ودفن في مقبرة الغرباء في السيدة زينب في ضواحي دمشق، تغطيه خارطة العراق المنحوتة على حجر الكرانيت، وكلمات:"يرقد هنا بعيداً عن دجلة الخير.."
أقيمت تكريماً له احتفالية ضخمة في إقليم كوردستان العراق عام 2000 بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده وتم وضع نصبين عملاقين له في مدينتي أربيل والسليمانية نفذهما النحات العراقي المغترب في سويسرا سليم عبد الله.
قلبي لكردستان يُهدى والـــفم ولقد يجود بأصـغـريـه الـمـعـُـدم
ودمي وإن لم يـُبـِق في جسمي دمـــا غـرثى جـراح من دمائي تـطــعـم
تلكم هدية مستمــيــت مـــغـرم انا المـضـحى والضـحـيـة مــغـرم
أنا صورة ُ الألم الذبـيـح ِ أصـــوغه كـَلما عـن القـلـب الجـريـح يـتـــرجم
ولـربّ آهـــاتِ حـــيارى شـُـرٌد راحت عـلى فــم شاعر تتـَـنَـظـٌم
ذوَّبـت آلامــــي فـكانتْ قـَـطرَة في كأس مـن بـنـوا الحــياة ورممٌـوا
ووهــمـت أنـي فـي الـصـبابة منهم ولـقد يـُعين علـى الـيقين توهـٌـم
غاليتُ في حـبَّ الـشــهـيد وراعني فـيما أحـدَّث عـنه فـكرُ مُبهـَـم
أبـدا تـسـددني خــطــاه وألهَـمُ وتـعـنٌ لـي مــنـه الطيوف وأرسمُ
نفسي الـفـداءُ لـعـبـقـريَّ ثائر يـهـبُ الـحـياة كـأنـَّـه لا يفهـَـمُ
سـلـَّـم على الجـبـل الأشــم وأهلـِـه ولأ نت تــعــرف عـن بــنـيه من هـُم
وتـقـصَّ كـل مـدبَّ رجل ٍعنده هـو بالـرجــولـة والشـهـامة مُـفعَـم والثم ثـرىً بـدم الــشـهـيد مخضبا
عـبـقاً يـضـوع كـما يـضـوع الـبرعم مـتـفـتـح أبـــدَ ألأبـيد كأنـه
فـيما يـُـخـَّـلد عـبـقـريُ مـُلهم وأهـتف تـجـبـكّ سـفـوحـه وسـهوله
طــرباً وتــبـسـمُ ثــاكـل , أو أيــَّمُ بـأسـم((الأمـين)) الـمـُصـطـفى مــن أمةٍ
بحـياته عـنــد الـتـخـاصم تـُقسـَمُ سـترى الكُـماة المـعلمـين تحلـٌـقوا
فـذ َّاً تـهـيـبه الكـَمي المعلــمُ صُـلـب الـملامـح تـتــقـي نـظراته
شـهبُ الــنـسـور ويــدَّريـها الضيغمُ يابن الــشــمال ِ ولـيـس تـبـرح كربة
بالبـشـر تـؤذن عندما تتأزم وتـنـاقـضُ الأشـياءِ سـرٌ وجودهــا
وبـِخيرها وبِشـرٌها يتحـَكـٌمُ صحوا الـسـماء يـُريـك قــُبح جهامـها
وتــُـريك لــطفَ الــصـحو إذ تتـَجهٌمُ وكـذا الحـياة ُ فـلـيـس يـُقـدر شـَهدُها
عـن خـبرةٍ حـتـىَّ يـــذاق العلقمُ سـلـَّمْ على الـجـبل الأشـم وعنده
من (أبــجــديات) الــضـحـايـا معجـَمُ سِـفـْر يـضمُّ الـمـجـدَ , مــن أطرافه
ألـقاً كـمـا ضـمَّ الــســبـائكَ منجم ودع الـحروفَ تـبـن ْ قـــرارة نفسها
إن الأشـفَّ مــن الــحـروف الأفـخم ياموَطنَ الأبـطال حيـثُ تـناثرت
قـصصُ الـكـفاح حـديـثها والأقـدمُ حـيث انــبرى مجـدٌ لـمجدٍ والــتقى
جـيـلٌ بآخـر زاحفٍ يتسلـٌـمُ وبحيث ُ تلتـحم الــقـبـور كـأنـَّها
سـِورٌ يـؤلـفـها كـتـابٌ محكـَـمُ وبـحيثُ تـزدحم الــعـظــامُ فـطارفَ
يـُنـهي رسـالة تالدٍ ويتـَمِـم تروي حـديث الـهام فــيها هـامة
ويـَقصّ ما بلـَتِ السواعد مِعـصـَمُ يابن الشمال ولستَ وحــدك إنـَّه
جـسـدٌ بـكلَّ ضــلـوعـه يــتألمُ عانى وإيـاكَ الشـدائـد لم تــَلِـنْ
منه قـناة كلَّ يـوم ٍ تـُعجـَمُ ياأيها الجبل الأشم ُ تــجـِلـٌة
ومــقــالة ً هـي والـتجلٌة توأمُ شعب دعائمه الجمـــاجم والــدمُ تـتـحـطـم الدنـيا ولا يتحـَطـٌـمُ
التعليقات (0)