محمد عمامي
الحوار المتمدن - العدد: 3642 - 2012 / 2 / 18 - 10:51
المحور: الحركة العمالية والنقابية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
تحية ثورية وبعد
إن المسار الثوري الذي ساهمتم بصورة حاسمة في إطلاقه ودفعه من مواقع مختلفة وعبر محطات نضالية عديدة، يعرف اليوم أحلك فترات الإنكماش والمراوحة والبلبلة: فإما أن يتقدم عبر اندفاعة ثورية جديدة وإما أن يتوغّل في التقهقر والردّة بعد أن تضافرت جهود جميع البيروقراطيات الحزبية وغير الحزبية كي تعيقه وتحرف تمشيه.
إن التحالف العريض المضاد للثورة الذي سمح بإنقاذ أهم ركائز وهياكل الدولة والنظام البائدين، ما كان له ان يتحقق وأن ينجح في تجيير الطموحات الثورية والديمقراطية الشعبية لصالح ديمقراطية شكلية فوقية تتلخص في قسمة تآمرية لمراكز النفوذ بين الأحزاب المسنودة من قبل الرأسمالية العالمية والعربية و"الوطنية"، لولا تواطئ الآلة البيروقراطية الضخمة للإتحاد العام التونسي للشغل، التي قامت بدور العرّاب، فجمعت شتات الأحزاب والجمعيات وألّفت بينها وبين بقايا النظام البائد.
ولقد عمل ذلك اللفيف على وأد الطموحات الشعبية ومهّد، عبر انتخابات 23 أكتوبر، لحكم إسلامي/لبيرالي، أتى من بعيد ليستردّ للرأسماليين ما خسروه شهورا من الثورة.
و من المؤسف أن قوى اليسار النقابي، التي كانت في طليعة النضالات الإجتماعية والديمقراطية منذ أواخر الستينات، والتي لعبت دورا هاما في التحركات أثناء الثورة، قد عجزت عن تجاوز حالة التشرذم والجمود والتبعية للبيروقراطية النقابية التي فرضتها عليها الحسابات السياسوية لحُزيباتهم المنكمشة منذ عقود. تلك الحزيّبات التي لم تستطع بدورها أن تستفيد من الزخم الذي كان من المفروض أن تعطيه إياها الثورة.
رفيقاتي، رفاقي،
ليس من معنى لغياب الإتحاد العام التونسي للشغل عن انتخابات اكتوبر 2011 سوى فسح المجال أمام أحزاب ركبت ثورة لم تساهم فيها، أو كانت ضدّها. ولذلك انصبّت ضغوطات كافلي "المسار الديموقراطي" المزعوم على إخراج الإتحاد العام التونسي للشغل من حلبة الصّراع، كضمانة للتحكم في نتائج الانتخابات سلفا.
فكون الإتحاد العام التونسي للشغل أكبر قوة اجتماعية وسياسية بعد الحزب الحاكم المنهار، يجعل منه القوّة الوحيدة القادرة على التصدّي لقوى الردة الإسلامية والبرجوازية اللبرالية.
ولئن خسر النقابيون فرصة تطهير جهاز منظمتهم من الفساد البيروقراطي طوال أشهر من الثورة، فقد خسروا أكثر، وخسرت معهم الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية، فرصة فرض مشروع عمالي شعبي في صلب المجلس التأسيسي عبر تمثّل كتلة نقابية تدافع عنه بوضوح.
رفيقاتي النقابيات، رفاقي النقابيين
إن جهاز الإتحاد العام التونسي للشغل الذي طالما احتكر الساحة النقابية وساهم في وأد وتهميش كل محاولات البناء النقابي الموازي والمستقل، وأذاق مناضلاته ومناضليه ألوانا من العسف والإقصاء، طالما اختصر دور المركزية النقابية في المساندة النقدية للنظام القائم، وامتهن لعبة التوازن والوفاق الطبقي، ولو على حساب المصالح الملحة للشغالين.
ولكي يصبح الإتحاد العام التونسي للشغل معبّرا عن إرادة قواعده ومجسّما لوزنه الحقيقي في المجتمع، يجب قبل كل شئ إعادة تحديد دوره وصياغة توجهاته طبقا لرهانات وأهداف الثورة.
وإذ يواصل الاتحاد سياسة الحياد تجاه الآجال السياسية الهامة، ومنها الآجال الانتخابية، فأن الأحزاب اليسارية والقومية لن تكون المستفيد من غيابه كما يظن كوادرهم. وعلى العكس، فإن في مشاركته سدا منيعا أمام الميل المتسارع لأسلمة الدولة والمجتمع وإرساء نظام استبدادي متخلف يضع في أولوياته التراجع في مكتسبات الديمقراطية، ويحارب الفكر والثقافة التنويرية، ويعلن حربا سافرة ضد العلمانية والحداثة، ويجاهر باضطهاد المرأة، ويبذل جهدا كبيرا لاحتواء الجامعة وضرب التعليم العصري، حليفهم في ذلك التيار السلفي الظلامي الزاحف يوما بعد يوم.
إن هذا الرهان وحده لكاف كي يدعو النقابيات والنقابيين المنحازات والمنحازين للحركة الثورية والعاملات والعاملين على مواصلة المسار الثوري حتى تحقيق أهدافه، ليزنوا بكل ثقلهم فيجبروا الهياكل التمثيلية بكل مستوياتها الجهوية والقطاعية والوطنية، وعلى رأسها الهيئة الإدارية، على فرض الفعل في الآجال السياسية القادمة وتنظيم وتوسيع مقاومة الإستبداد والإستغلال.
يجب، إذن، ومن الآن، البدء في التحضير إلى الآجال الانتخابية وغير الانتخابية، عبر إطلاق قطب عمالي شعبي يتمحور حول الاتحاد العام التونسي للشغل ويشمل جميع الفعاليات والجمعيات والمنظمات الشعبية والديمقراطية.
إن التّحدي لكبير، وإن المسؤولية لجسيمة، لأن العدوّ متعدّد الأطراف والمواقع، وهو قوي بدعم مالي وإيديولجي وإعلامي سخيّ ومتعدّد المصادر. وإلى جانب ذلك، فقد ورث أجهزة قمعية وإدراية وإعلامية لدولة متمرّسة على مواجهة طموحات الطبقات الشعبية، وعلى الدفاع على إمتيازات الفئات البرجوازية الأكثر وحشية وجشعا.
أمام هكذا وضع، لم يعد من المسموح به تسبيق الإعتبارات الحزبية أو الفؤية، ولم تعد تجدي نفعا المفاوضات المراطونية للأحزاب اليسارية المتشظية من أجل جبهة حزبية، إذ بيّنت تلك المبادرات محدوديتها وهامشيتها. فالرهان أكبر من ذلك بكثير، والنقابات هي الهيئات الأكثر تمثيلية للشغالين والأقدر على تنظيم المقاومة الشعبية وتعبئة لا فقط القوى النقابية، بل جميع الفئات الشعبية الطامحة لديموقراطية اجتماعية تتيح التحرّر من نظام الاستغلال والاضطهاد السائدين، لما لها من إمكانات مادية وبشرية وتنظيمية.
التعليقات (0)