محمد الماغوط شاعر الثورات العربية بامتياز
محمد أحمد عيسى الماغوط توفي في سنة 2006 بعدما طال انتظاره للثورة التي بدأت في سوريا سنة 2011. الماغوط شاعر و أديب سوري ، ولد في سلمية محافظة حماة عام1934.
يقول الماغوط في قصيدته " كلّ العيون نحو الأفق" من رائعته الجميلة " الفرح ليس مهنتي ":
مذ كانت رائحة الخبز شهية كالورد.
كرائحة الأوطان على ثياب المسافرين.
و أنا أسرِّح شعري كل صباح.
ألبس أجمل ثيابي.
و أهرع كالعاشق في موعده الأول.
لإنتظارها.
لإنتظار الثورة التي يبُست رجلاي من انتظارها".
في أبيات قصيدته "الغجري المعلّب" عن الثورات، يقول الماغوط :
أنظر خلسة إلى الشرفات العالية .
إلى الأماكن التي ستبلغها أظافري و أسناني.
في الثورات المقبلة .
أنا لم أجُع صُدفة.
ولم أتشرَّد ترفا أو اعتباطا.
محمد الماغوط احترف الفن السياسي وألّف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية وله دواوين عديدة. الماغوط كان عاشقا للحرية حتى الثمالة ، يقول في قصيدة " اليتيم":
حلمت ذات ليلة بالرّبيع
و عندما استيقظت
كانت الزهور تغطّي وسادتي
و حلمت مرّة بالبحر
و في الصباح
كان فراشي مليئا بالأصداف و زعانف السمك
و لكن عندما حلمت بالحرية
كانت الحِرَابُ
تطوق عنقي كهالة المصباح.
كان للماغوط حلما واحدا ربما هو أن يرى الشعوب العربية ثائرة أمامه على الظلم ، الذل ،الجوع ، اقتصاد الريع ، ثائرة على الإستغلال و الإستنزاف لجهد المواطن العربي المنهوك ، المكبوت ، الضعيف منذ أزمنة غابرة . ضعف حسب الماغوط كان مزروعا في بداية التاريخ و ما حصدنا نحن العرب سوى الضعف و هذا ما يتماشى مع المنطق و العقل.يقول صاحب مقولة " لو كانت الحرية ثلجا لنِمتُ في العراء" :
أيها العلماء و الفنيّون
...
لا مكان لي ؟
ضعوني في مؤخّرة العربة
على ظهرها
فأنا قروي و معتاد على ذلك
لن أؤذي نجمه
لن أسيء إلى سحابه
كل ما أريده هو الوصول
بأقصى سرعة إلى السماء
لأضع السوط في قبضة الله
لعله يحرِّضنا على الثورة !
الماغوط كباقي الشعراء الذين يتشبَّهون بالأنبياء حيث قال " أنا نبيّ ، لا ينقصني سوى اللّحية و العكّاز و الصّحراء" و لو أن المسافة تبقى بعيدة كل البعد بين الشعراء و الأنبياء . كتلك الشاعرة التي أتذكّرها و هي تزفُّ لسكان تلك البادية سقوط المطر بعد انتظار ! .الشاعر كان طامعا في حلم ينتمي لعالم المُثُل ، عالم السُّمو ، عالم الصفاء و النقاء ، عالم الخُلد وعالم المدينة الفاضلة .جاء بين طيات كلام الشاعر السوري الذي كان يقِرُّ في كتاباته بأنه لن يهزمه سوى القدر و فعلا سقط بخمس سنوات قبل وصول تاريخ الثورة العربية. أسقط القدر الشاعر بقرب صديقه بدر شاكر السيّاب حيث استحضره في كتاباته يُنعيه في كذا مرة.و كأنه كان يتنبأ لنفسه بأن طائر الموت سوف لن يتركه يرى شرارة الثورة التي انطلقت من تونس بلد أبو القاسم الشابي المعروف بقصيدته الخالدة: إذا الشعب يوما أراد الحياة .
في مرثية الماغوط لزميله بدرشاكر السيّاب يقول :
يا زميل الحرمان و التسكّع
حزني طويل كشجر الحَوَر
لأنني لست ممدّدا إلى جِوارك
و لكنني قد أحُلُّ ضيفا عليك
في أَية لحظة
موشَّحا بِكَفني كالنّساء المَغرِبيّات.
لطالما قاس الماغوط درجة الديكتاتورية داخل الدولة العربية فوجد أن التيرموميتر يشير إلى قيمة حرجة. ابتلِع الشعب العربي و بتواطؤ فاضح من بعض حكّامه من طرف الدول الأكثر تسلحا بالأسلحة الثقيلة و الخفيفة و خاصة دول مثل روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية .
يقول الماغوط في رائعته " سأخونُ وطني " في " طوق الحمامة" :
فأنا ككل عربي مستضعَف و مستهدَف من جميع الجهات...
فحريّ بنا نحن العرب و قد وهبنا الله تلك الثروات و الموارد التي لا تنضب ، أن يصبح لكل عربي في المستقبل لا ذبَّابة واحدة بل خمس ذبّابات على الأقل:
واحدة على يمينه
وواحدة على يساره
وواحدة أمامه
وواحدة وراءه
وواحدة فوقه
و بذلك يرتاح و يريح.
اعتبر الماغوط أن لا خطر على الإنسان العربي و الوطن العربي سوى إسرائيل ، و تلك الحفنة من المثقفين و المنظّرين العرب الذين ما فتئوا منذ سنين يقنعوننا بأن الحرب مع إسرائيل هي حرب حضارية حيث مبارزة قصيدة بقصيدة و سيمفونية بسيمفونية و أغنية بأغنية . كل هذا على الحدود بين الدول العربية و إسرائيل ! .حيث الماغوط يدعو حبيبته إلى ركوب أول طائرة متجهة نحو الدول العربية و يدعوها للتحدث إلى من يهمهم أمر الشعوب العربية بأن لا يسقطوا في هذا الشَّرَك و المصيدة و أن يتبنّوا مقاربة الراحل المصري جمال عبد الناصر بأن " ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلاّ بالقوة".
ضرب الراحل الماغوط مثلا للعلاقة المتشنّجة في الحقيقة ، المبنية على النّفاق بين الحاكِم و المحكوم . العلاقة التي تفتقد التواصل التي تبنى على مقولة " كلكم أحبابي و إخوتي و كلّكم أبناء زنا ! " .المثل بين الحاكم الغربي و مرؤسيه بأن المجادلة تكون بالحجة أما الحاكم العربي فتكون المجادلة بالذبّابَة المستوردة من الغرب.مادام هذا الواقع قائم على هذا المنوال في معظم الشعوب العربية فيقول الشاعر:
لن تُنصَب إلا المشانِق
و لن تضم إلا الأراضي المحتلة
و لن تجر إلا الشعوب
و هذا ما وقع مع بداية الثورة العربية فهذا الحاكم يقارع بالجِمال و كأنها غزوات و الرصاص الحي و الذي بجانبه يجادل بالبلطجية و ذاك بالذبابات و الصواريخ و الشبّيحة و هناك من دمّر و أحرق دولة بكاملها كمعمر القذافي الليبي.
الغريب في الأمر أن محمد الماغوط في كتاباته التي و إن شبّهناها برقص لا يهم بالنسبة له في نصِّه " الأجنحة " يخاطب الشاعر زوجته و يحكي لها عن آخر زيارة لبلد عربي ، لبلد الثورة العربية ثورة الألفية الثالثة، لبلد تونس و هو على مثن الطائرة شاهد و هو يحدِّق من نافذة الطائرة أن الأسماك هاربة من العرب ، الأمواج هاربة من العرب ، العروبة هاربة من العرب .حيث صنف البلد تونس بأنها بلد بدون مشاكل . بدون أزمة سكن . بدون أزمة غاز و بدون شائعات.لكن التاريخ بين و بالملموس أن تونس كانت ثورتها تنضج على نار هادئة و لم تنفجر إلا بعد إحدى عشر سنة بعد الألفين الميلادية.البلد العربي الذي يسوده النظام و القانون و ما يصطلح عليه بالديموقراطية هو بلد مستفز لقِطّة الثورة.
cdouah@hotmail.fr
التعليقات (0)