مع الشاعر العربي الكبير محمد ابراهيم ابو سنه
لاشك ان الشاعر العربي الكبير محمد ابراهيم ابو سنة كتجربة شعرية بكل ما اثمره من نتاج راقٍ ومتجدد في ابداعه الشعري يعتبر واحداً من الذين احتفظوا لهم بموقع خاص في خارطة الريادة الشعرية المصرية بالنسبة للقصيدة الجديدة.. فاسمه ظل يزاحم احمد عبدالمعطي حجازي وصلاح عبدالصبور ومحمد عفيفي مطر وان كان محسوباً في الرعيل الثاني او التالي من كوكبة الشعراء الذين كتبوا القصيدة التفعيلية الجديدة حتى انه تقاسم عدداً من الجوائز التقديرية التي تمنح تقديراً للشعر ولمكانة الشاعر واعترافاً بدوره كما حدث عند تقاسمه لجائزة ابداعية يونانية هامة مع الشاعر العربي الكبير احمد عبدالمعطي حجازي.
اصدر محمد ابراهيم ابو سنة عدداً من الدواوين الشعرية فهو واحداً من شعراء جيل الستينات في الشعر العربي الحديث وابدع الى جانب النصوص الشعرية كتابات نثرية اخرى اضافة الى مسرحيتين شعريتين هامتين وقد انفق جل عمره المهني اذاعياً يشار اليه والى برامجه المتميزة في اذاعة (البرنامج الثاني) حيث قدم فيه العديد من البرامج الشعرية والنقدية وترقى في المناصب القيادية في نطاق الاذاعة المصرية حتى بلغ لموقع نائب رئيس الاذاعة.. تجاوز عدد الدواوين الشعرية التي اثرى بها المكتبة العربية العشرة دواوين بداية من ديوانه (قلبي وغازلة الثوب الازرق) في عام 1965م وتواصلاً لديوانه (اغاني الماء) ومثل ذلك من العدد من كتب في الدراسات الادبية وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1984م عن ديوانه (البحر موعدنا) ووسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى وهو الديوان الذي اخترنا منه عدداً من القصائد لنشرها في صفحتنا هذه احتفاءً بزيارته الثانية لوطنه اليمن حيث حل ضيفاً على جامعة ذمار وشارك في مهرجانها الاخير.
وقد كتب الاديب العربي الكبير استاذ النقد الدكتور عبدالقادر القط عن الشاعر بمناسبة صدور ديوانه (البحر موعدنا) دراسة نقدية مطولة اعتبرها الناقد رحلة في شعر محمد ابراهيم ابو سنة وذلك لاغناء موضوعنا حيث اخترنا نشر الدراسة في العدد القادم لتتكامل لدى القارئ ملامح الصورة الابداعية للشاعر محمد ابراهيم ابوسنة.
البحرُ موعدُنا
البحرُ موعِدُنا
وشاطئُنا العواصف
جازف
فقد بعُد القريب
ومات من ترجُوه
واشتدَّ المُخالف
لن يرحم الموجُ الجبان
ولن ينال الامن خائف
القلب تسكنه المواويل الحزينة
والمدائن للصيارف
خلت الاماكن للقطيعة
من تُعادي او تُحالف؟
جازف ولا تأمن لهذا الليل ان يمضي
ولا ان يُصلح الاشياء تالف
هذا طريق البحر
لا يُفضى لغير البحر
والمجهول قد يخفى لعارف
جازف
فإن سُدّت جميع طرائق الدُّنيا
امامك فاقتحمها لا تقف
كي لا تموت وانت واقف
23/2/1979م
النَّهرُ وملائِكةُ الاحزان
لست سطحاً من الموج لا ولا انت فضَّة
إنَّما انت مُهجةُالارض سالت ودهرٌ
من الهناءات والتَّعاسة والشَّوق
لحنٌ من العشق يرحلُ في الحُلم
حتَّى تموت المسافة
< < <
عاشقٌ انت مُهرتُك الاشجار
والريحُ لا تُبدد اعاصيرك
الحبيسة في الصَّدر جاهر
بها ويعشقك إنّ الشّواطئ
لا تستحمُّ بمائك إلاّ اذا
اخرجتك عن الطَّور هذى
الصبّابات إلا اذا جاوز
العشقُ حدّ التّعقُّل وانداح
في زمنٍ للجُنون
< < <
لست سطحاً من الورد
هذه اعينُ العاشقين لا
تتلألأُ في صفحتيك سوى
لحظة ثم يخبو البريق
< < <
ما الذي في ضميرك للارض؟
قارة انت للحلم والظّن
يا قلبنا الاملس المنيع المراوغ
ايها العابث الذي قد يخون
الشواطئ في زمن العشق
حتى يصير الوفاءُ هو الرّكض
في فلوات التمرد والعيد
في مستوى الكوخ والحزن
في مستوى القصر
جاهر بعشقك
هذه ملائكة الاحزان تسبح
عارية بين شط الرحيل
وشط المجيء
ثم يمضي بها الموج فوق
عوالمك التي تترعرع بين
حدائق هذا الغروب الطويل
ماالذي في ضميرك للارض؟
عالم من حطام السفائن
.. رمز لفرعون.. ظل من
النار في الماء.. هذى
اساطيرك الآن تنفث
في القاع ريحاً دخانية
تتنفس فيها المدائن
تصحو وتصهل فيها الخيول
هذه جثث العشاق في
قاعك الغرينى العميق
تتحول اقنعة من طحالب
تغدو زهوراً ومملكة للمراثى
وريحاً تهب من الفرح الداخلي
تنتشر فوق البراري الفسيحة
عطر الربيع
لست سطحاً من الموج
يا ايها النيل جاهر بعشقك
ان الشواطئ لا تستحم
بمائك إلا اذا ..
اخرجتك
عن الطور هذى الصبابات
إلا اذا جاوز العشق
حد التعقل
وانداح في زمن للجنون..
كنت حياً عندما كنت تجازف
ايها القلب الصديع
< < <
اجلس الآن على باب الجحيم
ميتاً يجزع مما خلّفه
يعجز ان يدفع اقدام الحياة
لبعيد او قريب
ايها القبر الذي ضم المطر
وبقايا الانجم الاولى من العمر القصير
وحطاماً من اغانٍ ونسور
صرت قبراً مثل آلاف القبور
تزحف الآن الى باطن ارض لا تدور
لست قلبا ايها اليأس الصغير
صرت قبراً مثل آلاف القبور
14/2/1980م
قلبي يفرُّ بلا اتِّجاه
شفتاك فاكهتان من عسل ونار
وكواكب بعثت من الزمن القديم
من السديم
ترف في اُفق النُّضار
وحشَّيتان كموجتين من السُّعار
تُّلقى بما يبقى من القلب الوجيع
الى مرافئ الانتحار
تُلقى به دهراً من الامل المثلج في الضلُّوع
وفي خليج الذكريات
شفتاك طالعتان في نهر الربيع
موجاً من الورد المرفرف
في صفاء الذاكرة
يهب البراري الاخضرار
غرب النهار
في أُفق عينيك.. المسافة
بين قلبي والنُّجُوم
قصرت وطال الشوق
مات الانتظار
حُلمٌ يُطلُّ من الَّليالي المُظلمات
الى السفوح الهابطات
فلعلّ صوت الاُغنيات
يأتي الى القلب اليتيم
ظمأ الى الماء المضيّع
في الصخور
< < <
قلبٌ توحد.. والقبور
زمن وذاكرة تقيم
على تٌخوم الحلم
يسرقها الجحيم
في غيبة الصوت القديم
سُحُبٌ على الصّخر العقيم
تتوحش الاشواك في البرد الدّفين
جثت من الشجر الحزين
باتت كهوفاً للأنين
مطرٌ بلا شجر
واشجارٌ بلا مطرٍ تموت
القلبُ يسقط فوق ليل العنكبوت
سحبٌ تفرُّ من السّماء
الى الكهوف
شجرٌ يموت وعالمٌ يهوى
وآماد اصفرار
البحر يركض لا هيا فوق الصخور
شفتاك تنتظران
ميلاد العواصف لا تبوح
يتراكم الزمن القبيح
فمتى يجيء الى مدائننا المطر
كي تنسج الغابات معطفها
على جسد النهار
ورداً واجنحة وطيراً واخضرار
شفتاك تنتظران في زمن الفرار
وعداً من الزهر المحلق في الغصون
حتى يثوب من الجنون
نهر الاهازيج المسافر في الضلوع
ومن الانين الى الانين
ومن الشتاء الى الشتاء
كل الطيور توثبت
في القلب توشك ان تطير
كل الهواجس في الصدور
كل العظام الباليات
تطل من سجن القبور
تهفو الى شمس النهار
تتنزل الآن الاشعة
وردتين فوردتين على المياه
قلبي يفرُّ بلا اتّجاه
حتّى تضيّعهُ المسافة
ثم تجذبه الشّفاة
23/ 11/ 2007م
..........................................
المصدر: صحيفة 26 سلتمبر اليمنية ـ في 30/8/2007م.
التعليقات (0)