مواضيع اليوم

محمد أركون .. نموذج قصة صراع المثقفين العرب مع أنظمة دولهم السياسية

شريف هزاع

2010-10-25 16:16:25

0


  محمد أركون

    أعاد رحيل محمد أركون إلى واجهة النقاش الفكري أسئلة لماذا اتسعت الهوة بين المثقفين والمفكرين، ولماذا لم يعد الجزائري يطيق أخاه ويكفره لمجرد أنه يختلف معه في الرأي؟ ولماذا الجامعة الجزائرية لم تعد قلعة للنقاش الفكري واختلاف الرأي؟ والسؤال الأهم لماذا تضيق الجزائر على أبنائها حتى يغادروها كما غادرها ديب وجمال الدين بن شيخ وإيدير وغيرهم من القامات الفكرية والفنية التي تزهر خارج جغرافيا الوطن؟ هل كانت لأركون فعلا مشاكل مع الجزائر.. ولماذا قاطع المفكر الجزائري أرضه وبلده، وهل فعلا طرد منه؟ لماذا أفكاره لم تكن مقبولة من الوسط الفكري في الجزائر؟ وما هي حقيقة خلافاته مع منظمي ملتقيات الفكر الإسلامي؟ هذه بعض الأسئلة التي حاولنا طرحها على مجموعة من المفكرين والمثقفين الذين عاصروا أركون المفكر وأركون الإنسان.
الدكتور عبد الرزاق ڤسوم
" أركون كان شجاعا وجريئا.. لكنه أخطأ الطريق"


   أولا أود أن أقول أن موت ورحيل أركون خسارة للجزائر والفكر الجزائري مهما اختلفنا مع الرجل، كما أود أن أوضح أنه يجب أن نحدد المفاهيم والمصطلحات، لأن أركون بدأ من الفكر الإسلامي وانتهى إلى نهاية خارج الفكر الإسلامي، وأود أن أقول إنه لم يكن له خلاف أو حقد تجاه الجزائر، لكن توفرت مجموعة من العوامل جعلت إقامته في الجزائر امرا صعبا، منها دراسته على يد الآباء البيض، وعدم توقفه عن الدراسة عندما توقف عنها الطلبة في 1956، زيادة على الاهتمام الذي حظي به في الجامعات الغربية ونوعية التكوين الذي تلقاه، هذه كلها عوامل علمية وموضوعية صعبت من إقامته في الجزائر.. وأضيف أن أركون لم تكن له مشكلة مع التيار الإسلامي في الجزائر، لكن كانت له مشكلة فكرية مع ما كان يسميه هو بالأصولية في العالم العربي والإسلامي، والأصولية هنا مصطلح فضفاض كان يدرج تحته كل من يدعو إلى تحكيم كتاب الله في الحياة الدنيا، وكان يدعو إلى تطبيق المنهج البنيوي اللغوي على النصوص الدينية، لاستنباط الأحكام منها، وهذا ما أدرجه شخصيا في خانة الأخطاء. لقد سوى أركون بين المقدس الذي يمثل النصوص القرآنية وبين المدنس وهي المناهج البحثية الوضعية، وبحكم قربه من الأوساط الغربية وتغلغله في جامعاتها وتياراتها كان يؤاخذ على علماء المسلمين عدم امتثالهم لما قام به علماء الغرب وقساوسة المسحيين، الذين يقول إنهم كانت لهم الشجاعة للتخلص من بعض النصوص التي لم تكن صالحة للزمان ولا تواكب العصر.. أقول إن أركون فيلسوف من حقه أن يبحث ويجتهد، ومن حقنا أن نختلف معه، لكن ليس من حقنا أن نكفره وأقول ربما اجتهد وأخطأ. أذكر أنه في الثمانينيات أقيمت له محاكمة في ملتقى الفكر الإسلامي عندما تمت دعوته وألقى يومها محاضرة قيمة عن القرآن، وكان لها منطلق ومنهجية بنيوية، ويومها صب عليها كل الحضور جام غضبهم أمثال القرضاوي والغزالي وبلخوجة والبوطي وعبد المحسن التركي وغيرهم، وكانوا جد قساة عليه في النقاش، حتى أنه قال في ختام المحاضرة: »أستغفر الله مما قلت وأتوب إليه"، وكنت أيامها رئيس الجلسة واحترت في تسييرها، ومن يومها كان يأتي إلى جامعة وهران، لكنه لم يأتي إلى العاصمة في إطار رسمي.. كان إنسانا خلوقا ومؤدبا في نقاشه مع الغير، ويملك شجاعة الطرح والنقاش وهذه صفة تحسب له".
الباحث والكاتب بومدين بوزيد
"مشكلة أركون مع الجزائر تعود لإضراب الطلبة"
"كان ينتظر اعترافا سياسيا من الجزائر


   مشكلة أركون مع الجزائر بدأت حسب روايات غير رسمية عام 1956 مع إضراب الطلبة، حيث يتحدث البعض أن أركون رفض المشاركة في إضراب الطلبة في 56 لما كان طالبا في وهران، وفي عام 1966 ذهب إلى باريس لإعداد الدكتوراه، وكانت أطروحته حول النزعة الإنسانية عند أبي حيان التوحيدي، وهناك درس التوحيدي وتعرف على فكر الجاحظ وغيرهما. وتفاقمت مشكلة أركون مع الجزائر خلال ملتقيات الفكر الإسلامي، حيث كان المرحوم نايت بلقاسم يدعوه ويناقشه في أفكاره، وهوالمعروف بسعة أفقه الفكري لكن بعد رحيل مولود قاسم، تعرض أركون للمضايقة، ممن كانوا يختلفون معه في الرأي، ومع بداية الثمانينيات، وفي إحدى الملقيات حدث اشتباك كلامي بينه وبين الغزالي، الذي أسندت له فيما بعد جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة للعلوم الإسلامية، وفيما بعد قاطع هو هذه الملتقيات وتوقف المنظمون عن استدعائه، حيث كانوا يقولون إنه ملحد وخارج الملة، وقد قام الشيخ البوطي في إحدى دورات الملتقى، وقال على الملأ إنه يملك رسالة من طرف أركون يقول فيها إنه لا يعترف بالقرآن ولا بدين الله فكفره البعض. وفي التسعينات ومع موجه الإرهاب، كان أركون يردد في جلساته الضيقة أن هذه نتيجة ما كان ينبه إليه في السبعينيات والستينيات وهي نتيجة تحالف السلطة مع الإسلاميين، وأنها أنزلت الغزالي وغيره تلك المنازل الكبرى، وخضعت لهم حتى استولت الحركات الإسلامية والمتطرفون على السلطة، كما كان يقول أيضا في جلساته الضيقة إن الثورة التحريرية لم تكن ثورة العقل لتستمر، لذا تعثر المشروع الوطني مباشرة بعد الاستقلال في التسعينيات رفض أركون المجيء إلى الجزائر بحجة الإرهاب ورفض الاستجابة لدعوة الجامعات والمثقفين، لكنه أشرف على عدة أطروحات لجزائريين في السوربون، وكان يرحب بهم دائما. لم يخف أركون جزائريته يوما، وكان دائما يمضي باسمه في الملتقيات "محمد أركون باحث ومفكر جزائري"، ويصر دوما على إضافة كلمة جزائري أسفل اسمه. ويقال أنه كان في 2002 و2003 ينتظر دعوة رسمية من الجزائر كان ينتظر أن يعترف به النظام السياسي في الجزائر، وهذا ما لم يحدث لما تم عده من أخطاء أركون تجاه البلد وهي أولا: رفضه الالتحاق بإضراب الطلبة في 1956 وبقاؤه على هامش الثورة، ولم يكن له موقف صريح وواضح من الإرهاب، حيث لم يدنه رغم عدائه للحركات الأصولية كأنه ضمنا كان يؤيد تيار من يقتل من؟".
الأستاذ محمد شوقي الزين
"أركون رفض إخضاع الهوية الجزائرية إلى أي مذهب سياسي"


   إذا كانت هناك سياسة قام بممارستها أركون، فهي بلا شكّ سياسة الفكر"، كما يسمّيها المفكّر اللبناني علي حرب، لكن هل كانت علاقته بالسياسة (بالمعنى الإجرائي للكلمة) معقّدة؟ لماذا كانت علاقته ببلده الأصلي فاترة إلى درجة أنّه لم يتردّد عليه منذ سنوات »الملتقيات الإسلامية"، آخرها سنة 1986 عندما قوبل بالمقت والإهانة؟ لفهم هذه القطيعة مع البلد الأصلي، أستحضر هنا المحفّز الذي دفع أركون إلى استحداث مفهوم الإسلاميات التطبيقية، وقد تطرّق إلى ذلك في محاضرته. لقد كان همّه مصير الهوية الجزائرية بعد الاستقلال. إذ كان طالباً في »جمعية الطلبة لشمال إفريقيا" في شارع سان ميشال في باريس: »لقد عشتُ تلك الفترة فكرياً، بينما بعض أصدقائي عاشوها سياسياً". كان همّه الأساسي هو التفكير في الهوية الجزائرية فكرياً قبل إخضاعها إلى أيّ مذهب سياسي أومشرب إيديولوجي. إذ كانت مخاوفه على وجه التحديد هي الإستعمال الإيديولوجي للإسلام والعربية وغيرها من مقوّمات الهوية الجزائرية. ومخاوفه كانت مشروعة بقدر ما كانت دقيقة وذات محتوى تنبّئي. إذ تمّ إخضاع هذه المقوّمات إلى تصوّر ضيّق هو نتاج توزيع الأدوار والسلطات، ومن أجل إضفاء الشرعية على السلطة السياسية تمّ إقصاء الفاعلين الاجتماعيين، وهم الجزائريون الذين شاركوا بشكل أو بآخر في تحرير البلاد من الاستعمار، الكلّ حسب قدراته وسياقاته، لتصبح المقوّمات التي بُنيت عليها هويتهم تحت الوصاية السياسية والاحتكار الحزبي. كان هناك نوع من الختم على الهوية بخاتم السلطة، فلم يكن بالإمكان التفكير العقلاني والهادئ، والحوار الفاعل والمشترك حول الهوية بكلّ أبعادها الجغرافية والتاريخية والرمزية والألسنية والدينية، هذا ما كان يخشاه أركون وحاول تصحيحه بمفاهيمه الخاصة به، التي كانت في البدء أكاديمية بحتة ثم تحوّلت إلى مفاهيم إجرائية وجريئة على ساحة النقاش الجامعي والإعلامي. صحيح أنّ مصطلح "الإسلاميات التطبيقية" جاء كردّ فعل عن الإسلاميات الكلاسيكية وليدة الاستشراق القائمة على القراءة الخطية والكرونولوجية للتاريخ الإسلامي، لكن كان أيضا كسياسة فكرية في مواجهة الإستعمال السياسي والإيديولوجي للهوية والتراث الرمزي والديني".
الشاعر عمر أزراج
"الجزائر همشت أركون بسبب موقفه من السلطة"


 

    أركون لم يترك الجزائر بل النظام الرسمي في الجزائر، هو الذي لعب دورا محوريا في تهميش وإقصاء هذا المفكر الحر والنقدي، فأركون لم يكرم في حياته من طرف الجزائر ولم تكرسه كمفكر بتقديم ونشر فكره وخبرته، كأحد أبرز العلماء الأكاديميين من أجل النهضة الوطنية المؤجلة، مولود قاسم احتضنه، لكن سرعان ما توقف ذلك بسبب موقف أركون من السلطة الجزائرية التي قال بشأنها "تؤكد بشكل لا يقل قوة على انتمائها لايدولوجيا الإسلامية أكثر بكثير من انتمائها لإسلام"، وفضلا عن ذلك فإن أركون سجل بوضوح كامل موقفه من الحزب الواحد في الجزائر، لأن هذا الحزب "كان يحتكر الساحة السياسية ويفرض الصمت على الآخرين"، كما انتقد أركون احتكام النظام الجزائري إلى ايدولوجيا الكفاح، كما انتقد الخطاب الأصولي، فوجهوه بالعداء وصور على أنه صنم غير مرغوب فيه لدى الأصوليين الإسلاميين الجزائريين الرسمين وغير الرسميين، إن خيبة أركون في النظام الجزائري وفي أيدولوجيا الكفاح وفي دعاة الأصولية الإسلامية من العوامل الأساسية التي جعلته يختار الغربة فضاء لفكره الاجتهادي والنقدي.. إن تقاليد الإقصاء والتهميش ومعاداة المفكرين والمبدعين الأحرار عادة جزائرية بامتياز، إذ شمل التهميش مثلا محمد ديب والفنان العالمي الجزائري عبد القادر فراح وكلاهما ماتا ودفنا في فرنسا وبريطانيا على التوالي، كما همش وأقصي الشاعر مفدي زكريا ومات ودفن في الغربة، وقد لحقت لعنة الغربة المفكر مالك بن نبي وغيرهم كثر مع الأسف"
الدكتور عمار طالبي
"لم يقصه أحد وما حدث في ملتقى الفكر الإسلامي نقاش علمي"


 

  أركون لم يقصه ولم يمنعه أحد من زيارة الجزائر، هو الذي اختار أن لا يحضر للجزائر، رغم أنه تمت دعوته عدة مرات، وما حدث في ملتقى الفكر الإسلامي نقاش علمي وكان هناك العديد من الذين لم تكن تروق لهم أفكار أركون، وقد سبق وأن تراجع أمامهم عن أفكاره عكس ما يروج من طرف البعض كون أركون ممنوعا ومقصيا هي مجرد إشاعات، فهو لم يمنع يوما لا من السلطة ولا من المحيط الثقافي، فأركون يملك الجنسية الفرنسية، ولو أراد أن يدخل إلى الجزائر لدخلها بجواز سفر فرنسي، ولا غبار على وجوده قانونيا ولا سياسيا ولم تكن له أية مشاكل مع السلطة في الجزائر".
الأستاذ محمد الصغير بلعلام
"كان مستشرقا ولا وفاق بينه وبين مولود قاسم"


   أركون لم يطرد يوما من الجزائر، لكن أفكاره لم تكن مستساغة في الوسط الفكري الجزائري.. كانت أول مرة حضر إلى ملتقى الفكر الإسلامي عام 1976 في عنابة وآخرها كانت في 1986 يوم اشتبك مع الغزالي، لأنه لم يكن على وفاق مع ما طرحه أركون، وللإشارة فإن مولود قاسم نايث بلقاسم كان رجلا مثقفا وذا سعة اطلاع، لذا كان يتقبل النقاش لكن يخطئ من يظن بأنه كان على وفاق فكري مع أركون، لأن نايت بلقاسم لم يكن يقبل الكل على علتهم، كما يقال لذا فإن قطيعة أركون مع الجزائر، جاءت لأنه كان يستحيل أن يعيش بأفكاره تلك في المحيط الجزائري، فهو مستشرق مسلم وكان أحد جماعة التسعة التي دعت عام2008 إلى إعادة النظر في القرآن".

عن الشروق اليومي الجزائرية

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات