اسمه محمد، و يلقبه عامة الناس بـ"لقْرَعْ"، لأن المسكين مصاب بالقرع، في عقده الثلاثين، قد يبدو للبعض أهبلا، و قد يبدو للبعض الآخر بليدا، و قد يبدو للبقية من البعضين شخصا طيبا أكثر من اللازم، محمد من دون عنوان، كل مساكن حد كورت مسكنه، يعيش على ما يحصل عليه من مال مقابل الأشغال التي يقوم بها تحت الطلب، قد يحمل قارورة غاز أو كيس دقيق إلى البيت، و قد يقوم بغسل الأغطية و الأفرشة، و قد يبلط جدران المساكن الداخلية أو الخارجية...كل هذه الخدمات و غيرها يقوم بها محمد مقابل قليل من المال، و أغلب تعاملاته تجري مع النساء، و أغلب الأزواج يطمئنون له و يفتحون له أبواب بيوتهم آمنين، فمحمد لا يحرك الدجاجة على بيضها، لأنه طيب جدا.
في الجمعة الماضي طرق محمد باب بيتي يبغي طبق كسكس، فدعوته للغداء، ونحن على مائدة الطعام، كانت إحدى القنوات الإخبارية تنقل فعاليات مهرجان الانتصار مباشرة، سألني عن سبب تجمهر كل هذه الحشود من الناس، وعن سر تلك الأعلام الصفراء التي يلوحون بها، فأوضحت له أن حسن نصر الله سيخطب في هذا الحشد الهائل من الناس، علق محمد: لقد كنت أدعو له بالنصر كل يوم، خلال الحرب قدمت صدقة لفقيه لتلاوة القرآن والدعاء لهذا الرجل بالنصر على إسرائيل...
محمد السني يدعو لحسن الشيعي بالنصر، محمد لا يعلم أن حسن رمز من رموز الشيعة الذين يرون أن محمد بن عبد الله إنما أراد أن يخلفه علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته، ولا يقرون بالخلافة عن طريق الشورى التي انتهت بتولي أبوبكر الخلافة ، ويتهمون الخلفاء الثلاثة بأنهم اغتصبوا القيادة من علي بعكس ما يعتقده السنة من أن الخلافة انتقلت إلى أبي بكر بإجماع الصحابة(السقيفة) ثم انتقلت إلى عمر ثم عثمان ثم علي، الشيعة الذين يؤمنون أن عليا و أبنائه أئمة في الناس بعد رسول الله بنص ورثوا عنه العلم و العصمة و طاعتهم واجبة، وأن لهم مقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأن إمامتهم و خلافتهم لرسول الله منصوص عنها بالوحي في أصل القرآن...
لأن حسن يحارب إسرائيل فمحمد يدعو له بالنصر، و لو أن محمد يعلم بمواقف تشافيز الاشتراكي اتجاه قضايانا العربية لصارت الصدقة صدقتين، و لدعا له بالنصر ضد بوش، محمد لا يسكنه الحمار السياسي أو الطائفي، محمد مواطن عربي بسيط أشد البساطة، طيب حد البلاهة، محمد لم تصله فتاوى بعض فقهاء أهل السنة التي تقول بأن مساعدة حزب الله "الرافضي" حرام وإثم، وأن الدعاء له بالنصر والتمكين يوقع بالمعصية إن لم يكن هو المعصية بعينها، ولم تصله دعوات بعض الفقهاء السنة إلى التبرؤ منه...
محمد يعلم شيئا واحدا فقط، هو أن حسن يحارب إسرائيل، كان محمد سيدعو لحسن بالنصر حتى لو كان مسيحيا أو مارونيا أو درزيا أو تركمانيا أوكرديا..محمد لا يعرف لحود و لا جنبلاط و لا جعجع و عون و لا الحريري ..محمد لا يفقه شيئا في التجاذبات الإقليمية، و لا يعنيه الملف النووي الإيراني، و لا يعنيه مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، و لا تعنيه الحسابات اللبنانية الداخلية، المبنية على الطائفية..محمد مع حسن ضدا على إسرائيل التي يعلم أنها اغتصبت الأرض العربية، و ضدا على أمريكا التي غزت العراق و أحالته مساحة للموت اليومي و العنف الطائفي...
هو ذا محمد العربي البسيط حتى الكدح، عربي بلا عنوان سياسي أو مذهبي أوعرقي..و من يضيره نصرة محمد لحسن فليحارب إسرائيل...
التعليقات (0)