نقلا عن جريدة ايلاف الكترونية
محللون ومتابعون تونسيون يتحدثون لـ "إيلاف" عن الإنقلاب في موريتانيا
ضربة للديمقراطية ودليل على فشل الانتقال السلمي للسلطة
إسماعيل دبارة من تونس: تشهد تونس هذه الأيام نقاشات متنوعة ومعمقة حول الانقلاب الذي نفذّه عدد من أبرز قيادات الجيش الموريتاني وأطاح بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ورئيس وزرائه يحيى ولد الوقف. الصّحف ومواقع الإنترنت المحليّة في تونس غصّت بالآراء والتحليلات المختلفة التي تطرّقت إلى الحدث الذي هزّ البلد المغاربي المجاور من مختلف جوانبه. واختلاف المواقف والآراء والتحليلات في هكذا أحداث يعتبر أمرًا طبيعيًا، إن لم نقل بديهيًا، إلا أن الإجماع بدا شبه حاصل بخصوص الإقرار بأن الانقلاب هو صفعة للديمقراطية في موريتانيا. وتحت عنوان "رخاوة الدولة الموريتانية" كتب المحلل التونسي توفيق المديني في صحيفة النهار اللبنانية بتاريخ 11 آب الجاري: "منذ سنة 1978 شهدت موريتانيا 14 انقلابًا عسكريًا اصطدم بعضها بصخرة الفشل، ونجح بعضها الآخر بمقاييس متفاوتة. ولم تكن الانقلابات في موريتانيا من طبيعة واحدة، فهي وإن كانت في شكلها تمثل ظاهرة واحدة، إلا أنها مختلفة في دوافعها وخلفياتها. الانقلاب العسكري الأبيض الأخير جاء على خلفية أزمة سياسية تعصف بالبلاد منذ أشهر.
ويتابع المديني: "ووصلت الأزمة السياسية التي كانت تتفاعل في موريتانيا إلى ذروتها في الأيام الأخيرة بعد إحداث الرئيس الموريتاني سيدي ولد شيخ عبد الله تغييرات في قيادة الجيش والدرك شملت إقالة "الرجل القوي" في موريتانيا الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الجمهوري، والجنرال ولد شيخ محمد أحمد، المتهمين بالوقوف وراء الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد."
ويخلص المديني بالقول إلى أنه "يتعذر على الحركة الشعبية العربية وفاعليات المجتمع المدني الضعيفة التأثير والفاعلية في المجال السياسي الذي يهيمن عليه "حزب السلطة" في مجتمعات تستأثر فيها الأجهزة الأمنية للدولة بدور الكابح للمسار الديمقراطي والحامي للأنظمة القائمة، أن تقوم بعملية التغيير الديمقراطي بالوسائل السلمية نظراً إلى حجم الهوة بينها وبين القاعدة الشعبية، وإخفاقها في التنسيق معها، بهدف إحداث تغيير مدني من داخل المؤسسات".
من جهة أخرى، اعتبر عدد من المحللين و المتابعين المعروفين في تونس ممن تحدثت معهم "إيلاف" أن ما جرى في موريتانيا هذا الشهر يعتبر دليلاً قاطعًا على هشاشة ما يسمى بعملية الانتقال الديمقراطي ، في حين ذهب فريق آخر إلى القول إن التجربة الموريتانية كادت تكون مثاليّة لولا ضيق صدر الانقلابيّين وتآمرهم المستمرّ على معاني الديمقراطيّة و دلالاتها.
الكاتب والمحلل السياسي برهان بسّيس قال في تصريحاته لإيلاف إن عملية الانتقال الديمقراطي التي راهن عليها الكثيرون باعتبارها قدوة ومثالا قد لاقت فشلاً ذريعًا بعد الانقلاب الأخير. ويقول: "ما حدث في موريتانيا أعاد طرح قضية الانتقال الديمقراطي في البيئة العربية على محكّ التساؤل مع الكثير من الريبة والشك في قدرة البنية السياسية العربية على إنتاج عملية انتقال ديمقراطي سليم وحقيقي وعميق من داخلها".
وبخصوص صدور آراء تتهم الرئيس الموريتاني المطاح به في ما آلت إليه الأمور لأنه لم يحترم تفوق المؤسسة العسكرية ونفوذها في البلاد يردّ برهان بسيّس:لا أعتقد أن المسؤولية في ما حصل متّصلة بتفاصيل إجرائية سواء تعلق الأمر بالرئيس المطاح به أو بأخطاء المؤسسة العسكرية، فالمسؤولية أعمق من ذلك بكثير فهي تتعلق بالآلية الراسخة الثابتة والمتجذّرة بطريقة التصريف السياسي للخلافات القائمة دومًا على الغلبة والقهر والعنف في صيغته الانقلابية كما عشناه في موريتانيا.
وبالنسبة إلى بسيّس، فإن أهم التساؤلات التي يطرحها هذا الحدث هي : أين الجماهير التي تراهن عليها مقاربات التحول الديمقراطي لمعنى الديمقراطية ومضمونها في حدّ ذاته عندما تحوله بعض المصالح المتعطشة إلى مشروع سريالي عبثي يتعايش فيه الفقر والأمية والحاجة و لغبار؟". وهاجم بسّيس بشدة من سمّاهم بـ "المثقفين المندفعين الذين يحلّلون في الشأن الموريتاني إما من منطلق تعطش صادق للديمقراطية أو مزايدات وإندفاعات سطحية لا أكثر ولا أقلّ دون محاولة فهم الوضع المعقّد الذي تناقش فيه مسألة الانتقال الديمقراطي في العالم العربي ".
وإعتبر أن النموذج الأمثل الذي يجب أن تنتهجه موريتانيا التي أضحت الانقلابات العسكرية جزءا لا يتجزّأ من تاريخها السياسي ،هو التأسيس على المنوال الغربي في المقدمات و ليس في الخلاصات ، بمعنى الاستثمار في التنمية و التعليم والصحة وفي تطوير شروط الرفاهية الاجتماعية ، لأنها القاعدة الصلبة التي تبنى عليها لاحقا عملية الانتقال الديمقراطي في شكلها السياسي.
من جهته يرى الإعلامي والمحلل السياسي المتخصّص في الشأن المغاربي رشيد خشانة أن الانقلاب الحاصل في موريتانيا دليل على ضيق صدر الانقلابيين بالديمقراطية و معانيها السامية. وقال: التجربة الديمقراطية الوليدة في موريتانيا و إن كانت من رحم الانقلاب هي الأخرى تركت انطباعًا جيّدًا لدى الشعوب العربية التائقة إلى الانتقال الديمقراطي السلمي. و قال خشانة إن الدول المغاربية ومن بينها تونس لم و لن تصدر تعليقات رسمية على ما يجري في موريتانيا". ربما لأنها كانت تخشى أن ينجح النموذج الديمقراطي الموريتاني فتتزايد عليها الضغوطات الشعبية بالإصلاح وإنتهاج الديمقراطية كآلية في تسيير مصالح الناس".
التعليقات (0)