عبـد الفتـاح الفاتحـي
لم تكد تهدأ الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا على خلفية اعتداءات الشرطة الاسبانية على المواطنين المغاربة في معابر مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، حتى عاود الساعون إلى الايقاع بين المغرب وإسبانيا في إيفاد 14 عنصرا يمينيا متطرفا نحو مدينة العيون المغربية لرفع أعلام البوليساريو، وأدى ذلك إلى تعرضهم لهجوم من قبل مواطنين في المدينة، الأمر الذي استدعى تدخل رجال الأمن، الذين خلصوا الإسبانيين من قبضة الجماهير الغاضبة، ليجري ترحيلهم، في ما بعد، إلى جزر الكناري.
وهو ما جعل الحكومة الإسبانية في حرج من أمرها فأعادت التأكيد لرعاياها على ضرورة احترام القانون الجاري به العمل"، وأكدت وزارة الشؤون الخارجية الإسبانية، أن "الحكومة الإسبانية، إذ تلتزم بالدفاع عن حقوق رعاياها بالخارج، تجدد ضرورة احترام القانون الجاري به العمل".
ويرى بعض المراقبين أن ما أقدم عليه الإسبانيون في مدينة العيون من استفزاز، متوقعين ردود فعل عنيفة من طرف رجال الأمن، كانوا يرمون إلى تسخير صور الاصطدام مع قوات الأمن المغربية في دعاية سياسية وحقوقية ضد المغرب، إلا أن الذي حدث كان بعكس المتوقع بعدما هاجمهم المواطنون الصحراويون.
وعلى عكس المتوقع لم يتضامن معهم أحد بل هوجموا ورفسوا بأقدام المغاربة الوحدويين، فكان البشارة لهم بأن هناك إجماع على مغربية الصحراء من طنجة إلى الكويرة، وتضمنت تأكيدات بأن التطاول الأجنبي على مقدسات البلاد في الأقاليم الجنوبية مرفوض شعبيا ورسميا.
فكان سلوكهم فرصة تأكيد على الإجماع الوطني المغربي تجاه قضية الصحراء المغربية، وبرز ذلك في شجب مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية الاستفزازات التي قام بها 14 ناشط إسباني بمدينة العيون المغربية، فقد أدان حزب الاستقلال "بشدة" ما أسماه بالمناورات الاستفزازية الأخيرة التي قام بها ناشطون إسبان مساندون لأطروحة الانفصال خلال تظاهرة غير قانونية وغير مرخصة بمدينة العيون.
جاء في بلاغ اللجنة التنفيذية للحزب، أن هؤلاء الناشطين الإسبان "تجرأوا على رفع أعلام أعداء الوحدة الترابية في تطاول أرعن على سيادة الدولة، وخرق سافر للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل، واستهانة بالشعور الوطني القوي لساكنة المدينة وكافة الشعب المغربي".
واعتبرت اللجنة التنفيذية للحزب أن هذا العمل الاستفزازي "يأتي في إطار حملة منظمة يخوضها أعداء الوحدة الترابية لاستهداف المكتسبات الهامة والمطردة التي تحققها بلادنا في ملف الصحراء المغربية، وتزايد الاقتناع الدولي بجدية ومصداقية المقترح المغربي الرامي إلى تمتيع الأقاليم الجنوبية بالحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية للمملكة".
وأشادت بالالتفاف القوي لساكنة مدينة العيون وباقي مدن الأقاليم الجنوبية حول ثوابت المملكة في الوحدة والسيادة، وكذا بما تحلت به السلطات العمومية من حكمة في إعمال القانون.
وأدان حزب التجمع الوطني للأحرار من جهته الأعمال اللامسؤولة التي قام بها بعض السياح الإسبان المعادين للوحدة الترابية بمدينة العيون، و"التي تعبر عن نوايا مبيتة من بعض الجهات التي تحاول الإساءة إلى العلاقات الطيبة التي تجمع بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية".
وذكر بلاغ الحزب، أن هذا التصرف الذي استفز الشعور الوطني لكل المغاربة من طنجة إلى الكويرة، "ليدل على مدى اليأس الذي وصلت إليه شرذمة البوليساريو بعد الضربات المتتالية التي تلقتها من المنتظم الدولي الذي يساند مشروع المغرب المبني على الحكم الذاتي لأقاليمنا الصحراوية.
في السياق ذاته أعرب حزب الاتحاد الدستوري عن "إدانته القوية للأعمال الاستفزازية التي قامت بها شرذمة من الإسبان بالعيون في تحد صارخ لمشاعر المواطنين وخرق سافر للقوانين الجاري بها العمل".
كما ندد حزب الحركة الشعبية بشدة بما اعتبره عملية تسخير عناصر إسبانية للقيام بعمليات إنزال استفزازية بمدينة العيون، وقيامها بتصرفات لامسؤولة، مستغلة انفتاح المغرب وكرم الضيافة ومناخ الحرية الذي تنعم به كل أقاليم المملكة من الشمال إلى الجنوب.
واعتبرت الحزب أن هذه "الممارسات الهوجاء" ترمي أساسا إلى تعكير المسار الذي عرفته قضية الصحراء المغربية، والذي يتخذ منحى يرسخ مشروعية الحق المغربي، في ظل التأييد الدولي المتزايد للمقترح المغربي القاضي بتخويل الأقاليم الجنوبية حكما موسعا في ظل جهوية موسعة، وأيضا تنامي العودة المكثفة وعلى دفعات منتظمة للصحراويين المغاربة الهاربين من جحيم مخيمات تندوف، علاوة على سحب العديد من البلدان لاعترافها بالكيان الانفصالي الوهمي.
على نفس المنوال وردت مواقف أحزاب المعارضة المغربية مدينة ومستنكرة التصرفات اللامسؤولة التي قام بها نشطاء إسبان بمدينة العيون المغربية في خرق سيسافر لقوانين المغرب.
ذلك أن ما أقدم عليه الموالون الإسبان للبوليساريو يتضمن إدانة مبدئية لسلوك لقي انتقادات شعبية اسبانية ومغربية وانتقادات دولية، وأسلوب خارج عن المألوف وغير محسوب ينم عن حالات اليأس التي يتخبط فيها البوليساريو وبعض من مؤيديه في إسبانيا.
وهكذا خلفت مظاهرة 14 إسبانيا في مدينة العيون، السبت الماضي، لدعم جبهة البوليساريو، استياء عميقا في صفوف الصحراويين، الذين وصفوفها بـ "أقصى درجات الاستفزاز".
إن مما أقدم عليه مواطنون اسبان بإعلان العصيان ضدا لقوانين البلاد، ليكشف على ازدواجية الخطاب لدى بعض المواطنين الاسبان الذين يتقدمون بطلبات دخول التراب المغرب في الأقاليم الجنوبية على أساس أنهم صحفيين ومرة على أنهم سياح لكن واقع الحال يكشف على الدوام على أن المعنيين بأمر زيارة الأقاليم الجنوبية يشي بأننا أمم أعضاء استخباراتية أو سياسيون موالون للبوليساريو يأتون لقيام بمهام لا تتماشى وما التزموا بها عند دخول التراب المغرب.
وبحسب استقراء عدة تحاليل تأكد بأن النشطاء الإسبان جاءوا إلى المغرب بعد تنسيق تام مع عدد من الجمعيات المؤيدة للبوليساريو ومسؤوليين جزائريين بإسبانيا‘ وقد تزامن هذه العملية وحل الخلاف بين المغرب وإسبانيا.
بعض المتابعين اعتبروا أن الاستفزازت التي قام بها النشطاء الإسبان في مدينة العيون المغربية تحمل بصمة البوليساريو والجزائر بعد تزايد الدعم الدولي للمقترح المغربي، وتزايد أعداد الفارين من تندوف، وعودتهم إلى المغرب.
ولذلك يسارع موالون للجزائر وإسبانيا إلى البحث عن فرص جديدة للإيقاع من جديد بين المغرب واسبانيا، حين وجهت البوليساريو دعوة رسمية إلى وزير الخارجية الإسباني "ميغيل أنخيل موراتينوس" لزيارات مخيمات تندوف للرد على أسمته الابتزاز المغربي على إسبانيا.
إلا أن واقع الحال يؤكد أن العلاقات الاسبانية المغربية تعاضدت أكثر وتأكد ذلك بما أعلنه رئيس الحكومة الإسبانية من أن الأحداث الأخيرة منتهية ولا تأثير لها على العلاقات المغربية الإسبانية التي وصفها بالمتينة، وهو ما أكده وزير الخارجية الإسباني موراتينوس على أنه تم إيجاد حلول لجميع القضايا العالقة بين البلدين.
إعلان حسن النية الاسبانية نحو المغرب لم يتأخر كثيرا، حيت أعلن وزير الخارجية الاسباني دعوته إلى حل عادل ونهائي ودائم لقضية الصحراء في إطار المفاوضات تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة.
وأضاف عكس الرؤية الجزائرية لقضية الساحل والصحراء أنه من شأن إيجاد حل للنزاع حول الصحراء إعطاء مزيد من الضمانات لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل ووضع حد لمختلف التهديدات التي تواجهها هذه المنطقة.
عدد من المراقبين أكدوا أن ما قام به المواطنون الاسبان في مدينة العيون محاولة يائسة للإيقاع بين البلدين، كشف محدودية الخطاب الانفصالي الذي نادوا به حينما هاجمهم المواطنون الوحدويون قبل رجال الأمن.
موقف أكد وجود أحزاب في إسبانيا لا زالت تحمل صورا نمطية عن المغرب المستعمرة السابقة لإسبانيا، ولا زال بها عدد من ذوي الفكر الاستعماري لم يستوعبوا بعد واقع العلاقات الدولية الجديد، ولا زالوا يحملون أوهام الامبريالية الماضية، ولم يتخلصوا من الفكر الاستعماري المنقضي منذ عقود.
في اسبانيا لا زالت أحزاب تدعي زورا الديموقراطية وحقوق الإنسان ولم تع بعد أن المغرب دولة مستقلة لها كامل السيادة، ولذلك لم تستوعب بعد وقوف المغرب في وجه اسبانيا كلما بدا له أن الأخيرة تهدد أمنه القومي والاستراتيجي، ولعل أحد أكبر الملفات التي أثارت النقاش من جديد عن طبيعة علاقات التعاون المغربي الاسباني والمطالبة المستمر بالتفاوض حول وضع المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، واحترام سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، المستعمرة الاسبانية السابقة قبل تنظيم المغرب المسيرة الخضراء واسترجاعها إلى حظيرة الوطن.
في إسبانيا الديموقراطية لا تخجل بعض الأحزاب من الدعوة إلى مهاجمة المغرب عسكريا، حين تفشل كل مؤامراتهم للإيقاع بين المغرب وإسبانيا بعد أزمة اعتداءات الشرطة الاسبان على مواطنين مغاربة في مدينة سبتة ومليلية المحتلتين.
في إسبانيا أحزاب تناصر اليوم مواطنين إسبان دخلوا إلى التراب المغرب للسياسة ثم تحولوا في لمح البصر إلى سياسيين وحقوقيين يحملون رايات وشعارات مؤيدة للبوليساريو، ولولا تدخل السلطات المحلية لأهلكوا بعد تدخل مغاربة وحدويين في مشادات معهم.
التعليقات (0)