محظورات أمريكية تتعرى في فيلم بورات!
محمد المنشاوي
كيف أمكنني أن أضحك على ذلك السخف؟ سألت نفسي هذا السؤال متأخرا، فقد انتهيت لتوي من مشاهدة فيلم بورات، وأعتقد أن سؤالي هذا لم يكن أطروحتي وحدي، لكن من المؤكد إنه سؤال طرح من قبل الآلاف الذين شاهدوا الفيلم أيضا.
ضحك المواطنون الأمريكيون لأن موضوع الفيلم يمس كل واحد منهم، ويتعرض الكثير منهم لأحد مواقفه بصورة اعتيادية كون المجتمع الأمريكي مجتمع يغذيه ويجدد من شبابه انضمام أكثر من نصف مليون مهاجر جديد لعضويته سنويا. ووجود شخص "أجنبي" ذو لكنة إنجليزية غريبة، والتعامل معه هو سيناريو يومي للملايين من المواطنين الأمريكيين العاديين.
شاهدت فيلم بورات مرتين في ثلاثة أيام، المرة الأولى بصحبة صديق مصري وزوجته البرتغالية، والمرة الثانية ذهبت مع صديق وصديقة مصريين يعملان في الولايات المتحدة، وصديق آلماني وصديق أمريكي، إضافة إلى صديقة أمريكية يهودية. ورغم فصل يومين فقط بيت مشاهدتي للفيلم، إلا أن انطباعاتي كانت متضاربة في كل مرة، وبعدما خرجت من المرة الأولى حائرا ومندهشا، قررت أن أشاهده مرة أخري مع مجموعة متنوعة من الأصدقاء على أن يكون من ضمنهم أصدقاء يهود، ولحسن الحظ تم ما أردت. وضحك الجميع على كل المشاهد الساخرة التي يمتلئ بها فيلم بورات بما فيهم صديقتي اليهودية، التي لم تكن أقل ضحكا منا حتى في المواقف التي تسخر من اليهود وتتهكم عليهم.
وأثار تصدر فيلم بورات Borat "تعلم الثقافة الأمريكية من أجل منفعة أمة كازاخستان المجيدة Cultural Learning of America for Make Benefit Glorious Nation of Kazakhstan لأعلى إيرادات أفلام عطلة نهاية الأسبوع الماضي (يومين فقط) لكثير من الاندهاش والانزعاج في الولايات المتحدة، فقد حقق الفيلم إيرادات بلغت 26.5 مليون دولار، وهو من أعلى الإيرادات لأي فيلم خلال يومين فقط من بدء عرضه. ويعرض الفيلم بسخرية وتهكم شديدين للعديد من الأفكار المسبقة السائدة في المجتمع الأمريكي، والتي يبلغ بعضها مقام التحريم، في قالب كوميدي سخيف لكنه يفعل ذلك بحنكة ممتازة.
ويجعلك الفيلم تضحك كثيرا، وما يزعجك هو خطورة ما تضحك عليه! ويجعلك الفيلم تفكر بعمق في سبب ضحكك وضحك غالبية الجمهور على مواقف وعبارات يحاول المجتمع الأمريكي التخلص منها والقضاء عليها، وإن فشل في ذلك، فأكثر ما يحاول عمله هو محاولة جادة لحظرها وإخفائها. ويلقي بورات بعبارات عنصرية ورجعية تناهض النساء واليهود والمثليين جنسيا والمرضى العقليين والغجر والمسيح.
ورغم وجود خجل يومي يتعرض له المواطنون الأمريكيون من مغبة الضحك على "أجنبي"، بسبب سلوكه المختلف أو لكنته الغريبة. إلا أن هذا هو مضمون الفيلم الأكثر نجاحا في الولايات المتحدة، لذا دق الفيلم ناقوس خطر وكتبت عنه كبريات الصحف الأمريكية محذرة من الانزلاق وراء تهجم الفيلم على العديد من الفئات، حتى لا تصبح شيئا روتينيا متكررا.
قصة الفيلم
يبدأ الفيلم وكأنه من إنتاج تليفزيون دولة كازاخستان ووزارة الإعلام حيث يعرض النشيد الوطني وتظهر صور الرئيس، إضافة إلى كونه من إنتاج التليفزيون القومي من خلال عرض مشاهد تأخذ المشاهد إلى الحقبة الشيوعية حين كانت كازاخستان جزء من الإتحاد السوفيتي.
تدور قصة الفيلم حول مذيع تليفزيوني من دولة كازاخستان اسمه بورات، يقوم بدور بورات الممثل البريطاني الساخر ساشا بارون كوهين Sash Baron Cohen مقدم البرنامج البريطاني الشهيرDa Ali G. Show ، ويتم إرساله إلى الولايات المتحدة لإعداد تقارير إخبارية عن المجتمع الأمريكي بهدف تطوير المجتمع الكازاخستاني، وبدلا من التركيز على عمله يصبح المذيع أكثر اهتماما بالبحث عن شريكة جديدة لحياته، ووقع بورات بالصدفة في حب النجمة باميلا أندرسون، بعدما شاهد أحد حلقات Bay Watch وأخذه خياله الجامح لتصديق إمكانية قبولها الزواج منه، لذا سعي لذلك بجدية. وسخر بورات من نساء كازاخستان مدعيا عدم وجود هذا النوع من النساء هناك!
ويأخذك بورات إلى محظورات ثقافية أمريكية، منها ما هو أخلاقي ومنا ما هو سياسي. ويتهكم بورات على اليهود عدة مرات، وفي أحد المشاهد يسأل بورات بائع بمحل بيع أسلحة عن أفضل نوع سلاح لقتل شخص يهودي؟ ويجاوب صاحب محل بيع قطع السلاح (مسدس من عيار 9 ميليمتر!)، ولا يثير سؤال بورات العفوي أي علامات استنكار أو حتى علامات استغراب من البائع! هذا رغم كون قضية العداء للسامية تعتبر قضية شديدة الجدية والخطورة في المجتمع الأمريكي. ولا يكتفي بورات بهذا الموقف، بل يزيد في تهكمه على اليهود عندما أخذته الصدفة ليقضي ليلة في فندق صغير مملوك لرجل وزوجته من كبار السن. ويفاجئ بورات بكونهما يهوديين! ويعتقد أنهما يحاولان تسميمه عندما تقدم له المرأة العجوز بكل أدب ولطف وكرما للغريب بعض الطعام والحلوى. وعندما يسأل بورات في مشهد ثالث عن أهم المشاكل في دولته كازاخستان، يرد قائلا "عندنا مشكلات اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى اليهود".
إلا أن أهم مشاهد التهكم على اليهود كانت عندما قرر بورات وزميله السفر إلى كاليفورنيا، ويقرران ألا يسافران بالطائرة من مدينة نيويورك لمدينة لوس أنجلوس (مسافة تبلغ أكثر من 5000 كليو متر) وسافرا بالسيارة خوفا من أن يفعلها اليهود ثانية كما فعلوها في 11 سبتمبر 2001.
وتكرر المواقف التهكمية من قبل بورات، فلدى سؤاله تاجر سيارات عن أفضل أنواع السيارات التي يمكن أن تقتل أكبر عدد ممكن من الغجر مرة واحدة؟ وما هي السرعة المطلوبة من أجل قتل أكبر عدد؟ كانت الإجابة سيارة من نوع هامفي، وبسرعة 35 ميلا في الساعة!
وعندما يسأل طلبة الجامعة الذين لقاهم مصادفة في إحدى الطرق السريعة (من ولاية نورث كارولينا الجنوبية)، هل عندك عبيد؟ ويجاوب أحد الطلبة.. كنت أتمنى! I wish!
الأهم هو تساؤل جاد من العديد من الأمريكيين عن الضحك المتواصل طوال وقت الفيلم، الذي بلغ 84 دقيقة، على محظورات ومحرمات قد يأخذك تريد بعض عبارات بورات إلى قاعات المحاكم من أجل مواجهة تهم مثل التشجيع على القتل ونشر سياسة الكراهية، إضافة إلى العداء للسامية وللمثليين جنسيا!
ويلقي بورات بعبارات عنصرية ورجعية تناهض النساء واليهود والمثليين جنسيا والمرضى العقليين والغجر في معظم مشاهد الفيلم.
ومن أخطر المشاهد وأكثرها تشوقا في نفس الوقت مشهد خطبة اضطر بورات لإلقائها في تجمع في إستاد صغير بولاية تكساس حيث قام بتحية الولايات المتحدة وخص الرئيس بوش بالمدح على شنه "حرب الإرهاب"، وتمنى النصر للقوات الأمريكية الذي يكتمل مع مقتل كل طفل وامرأة ورجل في العراق.
ولا يفوت بورات الاستهزاء بالتدين السياسي الأمريكي حيث وجد نفسه في كنيسة يقوم روادها بأشياء تبدو غريبة علية، ويشاركهم بورات طقوسهم. ويظهر المشهد وجود عسكري أمريكي ذو رتبة كبيرة بين من يقودون الصلاة في الكنيسة.
سوء حظ كازاخستان!
قامت الكثير من جمعيات حقوق المرأة وجمعيات حقوق المثليين جنسيا والجماعات اليهودية في الولايات المتحدة بالاعتراض على ما احتواه الفيلم من مشاهد تتهكم عليهم، كذلك ثارت جماعات تدافع عن حقوق الغجر في العالم ضد عرض الفيلم. إلا انه وبعيدا عن نظريات المؤامرة، فقد خانت الصدفة دولة كازاخستان عندما تم لاختيارها أسباب عشوائية كموضوع للفيلم (تم تصوير الفيلم في رومانيا). وتم عرض كازاخستان كدولة رجعية تعاني من عدة مشكلات من أهمها الظروف الاقتصادية واليهود. وتظهر كازاخستان كدولة يلعب فيها الجنس والدعارة دورا أساسيا في المجتمع، إضافة إلى تخلف شعبها الذي لا يعرف كيف يقضي حتى حاجته الضرورية بصورة حضارية.
وقد وجه رخات علييف نائب وزير خارجية كازاخستان الدعوة للممثل البريطاني ساشا بارون كوهين الذي قام بدور بورات لزيارة بلاده " كي يكتشف بنفسه الكثير من الأشياء". وصور فيلم بورات الشعب الكازاخستاني كشعب معاد للنساء، وعنصري، ومعاد للسامية، ومتخلف في الوقت نفسه.
الفيلم مخيف، فعندما تجد الكثير ممن قابلهم بورات يوافقون على قتل المثليين جنسيا علنا في الشوارع، يدق ناقوس خطر على أمريكا، ويعرض لما تحت السطح من اعتقاد البعض وخوفهم المرضي وغير الموضوعي من أنماط ممن البشر.
وسيدخل فيلم بورات التاريخ ليس بسبب سخافته وهيافته، بل بسبب ذكاء فكرته وذكاء مخرجه.
التعليقات (0)