محطات قبل العبور
"الاروع بين كل الذين ليس لديهم ما يقولون هم اولئك الذين يغلقون افواههم"
كوليش
إنه لمن الضروري أن يقف المرء من حين لأخر عند محطة التذكير ، والتي اعتبرها رئيسية، حتى يذكُر البعض هذا الدرس القاسي الذي يجعلهم ينتبهون الى الثمن الغالي الذي يجبه دفعه حين يغامرون بسلوك الطريق الوعر، وحتى يفهم هؤلاء "الخطافة"، الذين ينشطون في سرقة "البلايص"، أن مكانهم لا يمكن أن يكون بالطبع بيننا، و ما عليهم الا أن يستمروا في اللجوء إلى تلك الطرق الملتوية، التي تغيب فيها "باراجات" المراقبة، لعلهم ينجحون في الوصول إلى مآربهم التي لم تعد تخفى على أحد.
و يبدو أن "التناوي" فعل فعلته مرة اخرى ودفع بالبعض الى "القفيز" ،من حين لأخر، كرد فعل منتظر و عديم الجدوى. ولهذا فقد بات على اولاد الناس أن يدركوا الان أن رسالتهم قد وصلت ولم يعد مجال لإعادة بعثها ، أو هكذا فهمت، والله اعلم، من رسائل بعض الاخوان، وما اكثرهم في هذه الدنيا والحمد لله.
فاذا كان "الشمايت" مُصرين على الرمي بالحجارة معرضين، بذلك، بيوتهم الزجاجية للخطر، فما عليهم إلا أن يتجرعوا مرارة الانتظار قبل أن ينهار السقف على رؤوس أينعت و قد حان موسم قطافها.
وأما الانتقادات، التي يوجهها القراء إلينا حول ما نكتبه ، فحتما تجد لها آذانا صاغية، لهذا لم ولن نكترث كثيرا لما يأتينا من الذين ورثوا التآمر وهاهم خرجوا لعرضه على العلن بعد ان اقتسموه فيما بينهم بالعدل حتى انك لا تكاد تجد فرقا كبيرا في مستوى الانحدار الاخلاقي الذي يوحدهم ضد كل من يعبر عن مجرد رأي.
ولعمري ما رأيت في حياتي مثل هذا القوم، فما ان تختلف مع واحد منهم حتى يتسلح جلهم وجندهم بالغطرسة و التعالي كما لو أن رئيس المجلس البلدي اصبح مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما علينا، إن نحن اردنا ان نحظى بكلمات المديح والسماع، إلا ان نبارك خطوات "الزعيم"، الذي لا يشق له غبار، ونحتفل بعيد ميلاده كل سنة الى جانب اعيادنا الدينية والوطنية. " إوا عولو عليها آ وليداتي!".
إن إحدى الكوارث غير الطبيعية التي جعلت هذه المدينة تظل عاجزة عن الحركة على المسار الصحيح، بالرغم من كل التضحيات الكبيرة التي قدمها الكثيرون من اجل الدفاع عن كرامتها، هو هذا الاستعداد المرضي، لدى الكثيرين، في ايهام المسؤولين بانهم خيرُ من أُخرج للناس، وهكذا فما أن يضع احدهم مؤخرته على الكرسي حتى تحاصره فرق خاصة من المنافقين والمتزلفين ليتحول بقدرة قادر إلى نبي زمانه معتقدا في قرارة نفسه انه المحسود على "نعمة" التسيير و الوحيد القادر على تخليص البلاد من ظلم العباد.
والحقيقة التي يجب ان لا تغيب عن اذهان الناس هي اننا، نحن "المروك"، لم نتلمس بعد خريطة الطريق الامنة نحو التغيير، ــ حتى لو توفرت لنا القيادة السليمة لذلك ــ ، والتي يجب ان تبدأ من أنفسنا لعلنا نتخد لها "ريجيما" اخلاقيا نقلل من خلاله من نسبة "تنفاقيت" في الدم، ــ ونحن بالطبع لا نتحدث عن المرضى الذين يستحيل علاجهم، "لان اللي فالعظم ما يغسلو ما" ــ.
واذا كنا لم نصب حقيقة بالدهشة حين رأينا و سمعنا أن هناك أغنياء زادهم المخزن من فضله و حظوا بكرمه، بل و حصلوا على "كريمات" تزيدهم غنى، في الوقت الذي يضطر "البوبريا" الى الصراخ امام العمالات للمطالبة بمجرد منصب يقيهم عوائد الزمن، فإننا اندهشنا بالفعل حين خرج علينا رئيس الحكومة، السيد عبد الاله بنكيران ، ل"يبشرنا" بتطبيق "القانون" على الجميع كما لو كنا، هنا، سواسي أمام هذا القانون وكنا نحظى بنصيبنا كاملا طيلة العقود الماضية.
لا يا معالي الوزير! لم نكن يوما متساوين حتى نقف اليوم على قدم المساواة مع الجميع!
فلسنا نشك قيد انملة اننا لم نكن يوما متساوين في توزيع مشاريع الدعم والرعاية والاهتمام حتى نُحرم من التفاتة استثنائية ، لاستدراك ما ضاع من الوقت، بعد ان تجاوزنا قطار التنمية الذي لم يرى ضرورة للمرور عبر محطة العدالة و الانصاف و نقلنا الى حيث وصلت العديد من المناطق المحظوظة.
عن أي مباراة يتحدث السيد رئيس الحكومة وهو يدرك أن جل المعطلين في هذه المنطقة تجاوزوا الاربعين من العمر، فكيف، ياترى، سيتصور حظوظهم في هذه "المباراة"، التي ستجعلهم في حالة شرود في كل مرة يحاولون فيها تحقيق الشغل كهدف الشرف الوحيد؟
يجب على رئيس الحكومة ان يفهم للمرة الاخيرة ان على مكتبه دفتر تحملات تجاه سيدي افني يلزمه بالتقيد ببنوده كاملة اذا ما رغب ان يعيد الينا الامل في حكومة لازلنا نعتقد انها قادرة على محو بصمة العار التي تلطخ جبين الدولة بعد جريمتها في صيف 2008.
لقد دفع السكان ما يكفي من فاتورات التهميش، واضافوا على ذلك كله ضريبة على قيمة مضافة من اجل انتزاع الحد الادنى من حقوقهم ، ولهذا فليسوا مستعدين لتحمل فاتورة جديدة تحت مسمى العدالة في غياب شروط حقيقية للتنمية.
ولهذا فمسؤولية رئيس للحكومة، تلزمه بالتوقف عند هذه المحطة و الالتفات الى هذه المنطقة و بتأدية مستحقات الدولة تجاهها وبرمجة "اعتمادات خصوصية" تنسجم و توصيات الجمعيات الحقوقية، التي حددت مفاتيح الولوج عبر باب المصالحة الكاملة والشاملة مع السكان، من أجل الطي النهائي لصفحة أحداث السبت الاسود وما تلاها من ملفات المعتقلين، التي لا زالت تراوح مكانها في ردهات المحاكم، في حين لم نسمع بعد عن حالة اعتقال واحدة في وسط المتهمين بالاعتداء على المواطنين و سلب ممتلكاتهم.
لقد بعثت الحكومة الحالية برسائل تطمين الى الداخل والخارج قرأنا من خلال كلماتها إرادة الوضوح و القطع مع لغة الخشب التي امتهنها المسؤولون، ولقد احيانا الله حتى كشفت لائحة الوزير رباح أن سيدي افني كانت محطة رئيسة على خريطة النقل الوطنية التي ينطلق خطها من العاصمة بموجب "لكريمة" التي سُلمت لمصطفى مديح، المدرب السابق للمنتخب المغربي، رغم ان الحافلات المفترض ان تأتي من هناك بموجبها لم تدخل هذه المدينة إلا لماما.
واذا كان البعض ينتظر أن يبادر "العلماء" إلى تثمين هذه الخطوة، فما وقع هو العكس تماما، حيث وقف أحد الفقهاء و"المتخصصين" في فتاوى النوازل ضد مبادرة وزير النقل، الذي "نزل" عليه بغتة، ووصفها ب"الجنازة والميت فار"، بل وزاد على ذلك قليلا حين اعتبر نشر لائحة "لكريمات" "عملا عابثا".
ألا يستدعي الأمر فتوى عاجلة للنظر في هذه "النازلة" للتأكد من مدى اهلية الرجل في اصدار الفتاوى وهو الذي سبق له ان اجاز نكاح الموتى؟
أما الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين و عمدة فاس، حميد شباط، فقد وصف عملية نشر اللائحة بكونها "شعبوية"، تعبير اخر يلخص المستوى الحقيقي الذي وصل اليه بعض ممن يدعون، عبر المنابر المختلفة، تمثيليتهم للامة والحرص على مصلحتها.
ولكم ان تتصوروا لو كان امثال هؤلاء، الذين يتبجحون بشعارات الورع والتقوى و الديمقراطية والاصلاح واحترام الراي الاخر وهلم جرا...، هم الذين يجلسون على كراسي انظمة الحكم، ماذا كانوا سيفعلون بنا لو انهم سمعوا بشعار من قبيل "الشعب يريد اسقاط النظام"، ــ و الذي رددته، وبالمناسبة، حفنة من "المعطلين"، المتوهمين بان الشعب بأكمله يسير وراءهم رغم ان الشهادة الوحيدة التي يملكونها هي شهادة الحضور في وقفات الوقت الضائع ــ، فالأكيد انه من الصعب ان يتكهن الواحد منا بمصيره، وهو يتابع هذه الخرجات الجامحة التي تحاول يائسة الدفاع عن بيت العنكبوت.
إن ما قام به وزير النقل و التجهيز، عبد العزيز رباح، هو عين العقل بل إن من الواجب عليه أن " يكمل اجره" ويتدرج قليلا على سلم الرخص لعل عيونه تصل الى تلك الحيتان الكبيرة التي تقطن المحيط "المقدس" وترتع في أعماقه دون حسيب ورقيب، والتي تحول بعضها الى مليارديرات عبر انتفاعها من الريع الحقيقي الذي وفرته تلك الرخص الاستثنائية التي تذر على اصحابها الارباح الخيالية.
كما أن على "السي" رباح، إن هو اراد أن يحقق العدالة والتنمية داخل وزارته ، فما عليه الا ان يقوم "بدومي تور" و يلتفت، بعد ذلك، الى بيته، حيث يسكن اخوته في الله ومُحبوه فيه، لعلى وعسى يكتشف أن منهم من منح لنفسه "رخصة استثنائية" يكري بموجبها سيارته الشخصية للتكسب في اتجاه معاكس للقانون.
فالعدالة الحقيقية تتطلب من "القيادة" أن تُعبر بالملموس عن الرغبة في السير نحو التغيير، وان تبدي الشجاعة الكافية للوقوف في محطات "البياج" لتأدية مستحقاتها لخزينة الدولة. أما الصراخ و"حشيان الهضرة"، في الوقت الذي يتم فيه تجاوز هذه المحطات، من اجل الجلوس، و بأي ثمن، على كرسي المسؤولية، فلن يسهم في إنجاح رحلة الاصلاح على طريق لا تعبدها سوى النوايا الحسنة.
التعليقات (0)