محسوبيات الثورات العربية
هبت على بعض بلداننا العربية نسائم خلناها نسائم ربيع عربي جديد فخرجت الشعوب في عفوية تلقائية تؤيد وتؤاذر البشائر الأولى التي خرجت على الحكام في تناغم جميل تحت رايات وهتافات تدغدغ مشاعر المواطن البسيط .
فما أحلى العيش و ما أروع الحرية وما أجمل العدالة الاجتماعية شعار و مطلب جماهيري وإن كان العيش متوفر آنذاك نوعاً ما والحرية نسبية أما العدالة الاجتماعية فكانت حدث ولا حرج لكن مطالب الجماهير كانت ذات سقف أعلى فالعيش الذي يطلبونه من النوع الفاخر بدون "مسامير" وبنفس سعر العيش الشعبي والحرية التي يريدونها حرية مطلقة بدون سقف أو حدود أما العدالة الاجتماعية التي ينشدونها فهي الأمر المؤرق بالفعل فالرشوة والمحسوبية والوساطة كانوا عنواناً لكل حاجة من حوائج الدنيا بل وفي أحيان أخرى تعدت ذلك فأحالت حياة الناس جحيماً .
بعد أن كانت مظاهرات مالبثت أن تحولت لانتفاضات وما برحت حتى أصبحت ثورات عصفت بالأنظمة التي جثمت فوق صدور الشعوب عشرات السنين أو خلناها كذلك ..
أيدتها الشعوب وباركتها أمريكا وحلف الناتو ومولها الشيخ حمد وجزيرته وموزته, فطفت على سطح الأحداث فرق وجماعات وثوار واحزاب لم يكن لنا بهم علم فأيدهم وسار من ورائهم شعوب تطلعت لآفاق بلغتها شعوب أخري منذ عقود طويلة تأييداً أعمى وبعاطفة جياشة يحدوها الأمل في غد أفضل على يد هؤلاء ..
فكانت الشعوب كمن استجار من الرمضاء بالنار, إنتخبتهم في معارك ديمقراطية أو شبه لها أي الشعوب أنها ديمقراطية ووصل الاخوان لسدة الحكم, ولكونهم إخواناً فقد توسمت فيهم الشعوب ما حُرِّم عليها عقوداً طويلة من العدالة الاجتماعية !
فالقوانين الاقتصادية التي سنتها أنظمة الحكم السابقة حتى يكون ثراء رجالها ومواليها مطابقاً للقوانين وفي حمايتها ظلت كما هي ولم يتم إلغاءها أو تصحيحها ولكن ما تغير هو شكل رجال الأعمال لتضاف إلى مظهرهم اللحية وبنفس القوانين !
أما الرشوة فإن كانت تدفع على استحياء وفي الخفاء خوفاً من الأجهزة الرقابية أصبحت في العلن وبدون حياء كما لو كانت داعرة تنتظر زبائنها في دارها قد طورت من أسلوبها وأصبحت تلتقطهم من على النواصي بلا خجل ولا وجل .
أما الوساطة فهي التي بالفعل تم تقنينها وبحق فأصبحت اللحية كفيلة في أي مكتب حكومي أياً كان مستواه لقضاء الحوائج بأسرع من الريح, لم يعد "كارت حامله يهمني أمره" يقضي أي حائجة أو مصلحة بل اصطحاب أحد أرباب اللحى منجزاً لكل أمر مطلوب .
أما أحوال البلاد والعباد فبعد أن بشرتنا الثورات ورجالاتها بالرخاء والرفاء والبنين صحونا على الكذبة الكبرى فلا نهضة لديهم ولا نحن بحازنون هانت كرامتنا وتسولنا قوت بلادنا من المرابي الأكبر "الصندوق" بعد أن أفتونا و أقسموا على أغلظ الأيمان أن لا شبهة ربا فيما يقترضون وهم أنفسهم من كانت تلتهب حناجرهم وتلهج ألسنتهم بالسباب والدعاء والرفض الزؤام لمن يقترب من هذا الصندوق الذي لعنه الله في كل كتبه !
وذادت الأثافي بحب جم تعدى حدود المعقول والمقبول بين رئيسنا المفدى ورئيس اسرائيل حتى أنه تمنى من كل قلبه الرغد والرفاه لاسرائيل وشعبها وهو من يقول في كل حديث "أهل غزة منا ونحن منهم ولهم منا الدعم" في تناقض غير مفهوم سوى لمن يملك الفتوه التي تبيح الحب وتحلله وتمنعه وتحرمه بيننا وبين اسرائيل حسب كل ظرف فأما ظرف اليوم لا يستدعي على الإطلاق خروج المظاهرات الغاضبة التي كانت تخرج في السابق وهتافها الوحيد هو "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" بل يستدعي منا كل مشاعر الحب والود والألفة كما لو كنا وليفين هائمين نستظل بظل شجرة مانجو ممن تندت أسعارها كإنجاز يُحسب لطائر النهضة منتوف الريش.
وللحديث بقية .
مجدي المصري
التعليقات (0)