محتسب أوردوغان
بٌلينا بأشخاصٍ يظنون بأنفسهم ظناً حسنا , يعلمون أنهم لا يعلمون ومع ذلك يصرون على أنهم يعلمون , يٌغرد بعضهم ويكتب وكأنه محلل سياسي لا يشق له غبار , ويدخل بعضهم في اتون التحليل السياسي والاقتصادي وهو يجهل أبسط قواعد التحليل , هناك من يقفز يمنة ويسره ويحشر أنفه في كل شيء ويظن أنه العارف الفهيم بكل شيء فهو كذا وكذا وإلى كذا الأمر والمنتهى ؟
الانقلاب العسكري بتركيا لم يكن انقلاباً بل كان تمرداً لم يلقى تأييد المعارضة التركية والشارع التركي ولم يتكيء على أسباب تجعله ينجح فهي محاولة فاشلة منذ اللحظات الأولى , بعد أن فشلت تلك المحاولة وكٌتب لها الفشل على أيدي الشعب التركي الذي أنحاز للنظام المدني خرجت للعلن شخصيات تهلل وتكبر باسم أوردوغان يتقربون له بالكلمة والمواقف ويقدمون له النصائح الثمان , شخصية اوردوغان جعلت من البعض يذوب في الخيال كذوبان الملح في الماء , فتلك الشخصية البراغماتية قدمت لتركيا الكثير على المستوى الاقتصادي والسياسي ووضعت الشارع التركي أمام خيار العصى والجزرة والقضية الكردية وملف الأقليات دليلٌ واضح على ذلك الخيار الذي أحلاه مٌر , أيضاً لتلك الشخصية مواقف عنترية في بدايات الربيع العربي ومواقفه لا تحجبها الغرابيل , لكن ومع كل ذلك تظل شخصية أوردوغان شخصية براغماتية لها طموحها السياسي والتنموي فقد قدمت للشارع التركي ما يمكن تسميته بالطموح الذي نقل تركيا لمصاف الدول الاقتصادية الكبرى , غرد أحد المحسوبين على تيار الاحتساب بعبارة نصح وتوجيه لأوردوغان يدعوه فيها إلى التخلي عن العلمانية شكراً لله على النصر وطاعةً له ؟ شخصية احتسابيه لا نظير لها فهي في كل وأدٍ تهيم وتٌقدم النصائح و يا ليتها تعتزل وتتفرغ للبحث المٌفيد بدلاً من اشغال الرأي العام بعبارات ومواقف صادمة , الجهل السياسي والتعصب الأيديولوجي الأحمق يقودان الشخص إلى المهالك ويدخلانه في ظلامٍ دامس لا يكاد يخرج منه سالماً , لو تأملت تلك الشخصية " الدكتور ناصر العمر " في الشأن التركي جيداً وتعمقت بشكلٍ علمي ومنهجي وتخلت عن العباءة الايديولوجية عند مناقشة قضية الانقلاب ووقوف الشارع التركي بجانب الشرعية السياسية لتوصلت و لاهتدت للوصوب فلولا العلمانية لما كانت تركيا تعيش بلا صراعات أيديولوجية ولولاها لما كان الشارع التركي يقف فاتحاً ذراعيه أمام دبابات المٌتمردين ؟
العلمانية السياسية تعني فصل السلطات وفصل الأيديولوجيا عن السلطة فهي التطبيق العملي لحياد السلطة ووقوفها على مسافة واحدة من مختلف التيارات والديانات وفق القانون المنظم للعلاقة بين السلطة والمجتمع , العلمانية تطبيق سياسي يخضع للتحديث والتطوير لكي لا يٌصاب بالجمود , تطبيقٌ يستوعب جميع مكونات الشارع والمجتمع بلا تعصب أو انحياز فهي ايديولوجيا مرنة لا تقف مع أو ضد ؟
لولا العلمانية لكان رجب طيب أورودغان بطي النسيان ولا صبحت تٌركيا على واقع جديد عنوانه الاستبداد ونتيجته العودة لعصور الظلام السابقة , الشارع التركي وأحزاب المعارضة لم تقف بجانب أورودغان لأنه شخصية رائعة عادلة بل وقفت لأنه يحمي النظام العلماني ويتقيد به رغم حماقاته وأخطاءه التي يرتكبها بين فينة وأخرى , العلمانية تقف ضد التسلط ولا يمكنها السكوت عليه ولا تقبل بالتخشب فهي تنهض وتنهض بالمجتمعات في كل شيء .
تقديم النصائح حقٌ متاح في عصر التواصل الاجتماعي لكن أليس من النصيحة قول الحقيقة وإن كانت صادمة , الحقيقة بحاجة لوعي وجل من يتصدر مشهد النصح يعيش حالة فراغ وتلك حالة خطرة على الوعي وعلى المجتمعات , فصمتاً يامن يعيش فراغاً ويٌقدم النصائح ليلاً ونهاراً ؟
التعليقات (0)