مواضيع اليوم

محاولة اختطاف البرادعي

كمال غبريال

2010-03-02 16:22:46

0


 

بقلم: كمال غبريال
لعل أهم ما يتحجج به المتحججون لمناهضة مسيرة التغيير، التي تتخذ من د. محمد البرادعي رمزًا وقائدًا لها، هو أن الرجل أمضى ما يقرب من ربع قرن مقيمًا خارج مصر، منشغلاً بالعمل الدبلوماسي والعالمي.. لكن الطريف في الأمر، أن هذا الذي يعتبرونه نقطة عجز لدى الرجل، تعوقه عن أن يكون مرشحًا لرئاسة الجمهورية، أو قائدًا لمسيرة تحديث، هذا بالتحديد هو أهم مزايا هذا الرجل، والتي يشاركه فيها العديد من رجالات مصر المهاجرين، أو المقيمين بصفة مؤقتة خارج البلاد.

هي ميزة بالطبع ما بعدها ميزة، أن يكون مصريٌ بريئًا مما تحفل به الساحة السياسية المصرية من أمراض وبائية الطابع، سواء في جانب نظام الحكم ورجاله، أو في جانب ما يعرف بالمعارضة، واللذان هما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة، غير قابلة للصرف في أي مكان، في الشارع المصري كما في الساحة السياسية العالمية على حد سواء.. ونستطيع في عجالة أن نعدد نواحي ما نقصده من أمراض ثقافية وسياسية وممارساتية، تفتك بالنخبة الحاكمة والمحكومة معًا:

- الوقوع أسرى مفاهيم الستينات وشعاراتها، المتسمة بروح العداء والتوجس من العالم، واعتناق نظرية المؤامرة، التي تقول بتآمر العالم الغربي علينا، والتفرغ لتدبير المكائد لنا، والدفع لتفشي روح العداء والصدام مع الآخر الغربي بالتحديد، علاوة على تكرار المفاهيم الشيوعية والاشتراكية في الاقتصاد وتوزيع الدخل، ما ثبت فشله في العالم أجمع.

- شيوع الانتهازية والمزايدة على أداء النخب، دونما إيمان حقيقي بأي مما يقال بملء الحناجر، سعيًا للاسترزاق المادي، أو الوصول إلى السلطة والشهرة.

- الفساد والتلوث بالعمالة لمن يدفع، سواء كان النظام الحاكم بالوظائف والمزايا وغيرها، أو بالعمالة لمصادر التمويل الخارجي، من دول الخليج البترولية أو إيران أحمدي نجاد وسوريا الأسد الصغير وليبيا القذافي، وسابقًا بطل العروبة صدام حسين، وياسر عرفات صاحب المليارات التي تكرم بها أهل الخير على الشعب الفلسطيني، الذي استغله مناضلوه للتسول، ولزيادة أرصدتهم في بنوك سويسرا.

- العجز التام من النخبة حاكمة ومحكومة عن التواصل مع الشعب المصري، بحمل همومه الحقيقية الحياتية، لإصرارها على البقاء أسيرة الشعارات المجيدة التي تقف لها شعور رؤوس الدهماء، ثم لا تلبث أن تنصرف سعيًا وراء الرزق الذي تتحصل عليه بشق النفس.. بالتوازي مع عجز هذه النخب عن مخاطبة العالم الخارجي، والتحدث بلغته ومفاهيمه المعاصرة.

- فقدان أي رؤى مستقبلية، والانحصار في حدود الرفض لما هو قائم، دون تحديد طبيعة وشكل البناء المطلوب، اللهم إلا الزعيق بشعارات جوفاء، تدغدغ مشاعر الجماهير، سواء العروبية منها أو الدينية، دون محتوى حقيقي يصلح لتأسيس حياة توفر الحد الأدنى المطلوب للجماهير.

هكذا يكون البراء من هذه النخب والأوضاع المصرية الصميمة، بمثابة شهادة جدارة للبرادعي، لقيادة مسيرة تستهدف شق طريق جديد لشعبنا، المحشور منذ قرون في كهوف العصر الوسيط، بعد أن كاد يتم إجهاض أغلب منجزات النهضة المصرية الحديثة، على يد محمد علي باشا وأسرته من بعده.

لكن ما حدث قبل وبعد وصول البرادعي، أن المتربصين من صفوف المعارضة المصرية، وبالأخص غير المنتمية لأحزاب شرعية معترف بها، كانوا أسرع في الوصول إلى البرادعي وحصاره، في حين التزم النظام الحاكم وأجهزته، بما يبدو وكأنه حياد ولو مؤقت، ريثما تتضح الصورة، لعل وعسى هذه الحركة الجديدة، تلقى مصير الحركات السابقة لنفس تلك الشخوص، والي لم تتعدَ أن تكون ظواهر صوتية، لا تزعج ولا تحرك حجرًا من مكانه!!.

العروبيون والناصريون يريدون اخطتاف البرادعي ومسيرته، ليسيروا بهم في طريق الشجب والتنديد، بالصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية، ولتفعيل حملات المقاطعة، بداية من مقاومة التطبيع، مرورًا بوقف تصدير الغاز لإسرائيل، وفسخ اتفاقية الكويز، وانتهاء بالتحلل من اتفاقية كامب ديفيد ذاتها، والتمترس في جبهة الممانعة المجيدة، بقيادة دمشق الأسدية المناضلة، بإرشاد وتوجيه من سماحة السيد/ حسن نصر الله، صاحب الانتصارات الإلهية المجيدة، التي لا تكلف سماحته أكثر من الاختباء في ملجأ آمن، ريثما تصاب إسرائيل بالإنهاك، جراء قصفها للمدن والقرى اللبنانية!!.

أما جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، فهي تلتزم حيادًا ظاهريًا هي مجبرة عليه مرحليًا، إثر الضربات الأمنية المتلاحقة لأوكارها وقيادييها، لكنها لا تنسى أن ترسل للبرادعي مندوبيها، يحيطون به ملوحين بجماهيرهم الغفيرة، القادرة على النزول بالحركة من العالم الافتراضي على الإنترنت، إلى الحواري والأزقة والعشوائيات المصرية العامرة بأهلها.. وفي هذه الحالة سيكون أمام البرادعي قضايا خطيرة يناقشها، مثل قضية النقاب إن كان عادة أم عبادة، وقضية إعادة المرأة للبيت للتفرغ لتربية أولادها، وإعادة الأقباط الذين علا صوتهم هذه الأيام إلى جحورهم وكنائسهم، والنظر في إمكانية إصدار قانون يجرم من يستنكر الفتوى رقم 37869 ، وعنوانها: "من أزواجه صلي الله عليه وسلم في الجنة" والتي جاءت ردًا علي سؤال، هل صحيح أن الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ سوف يتزوج مريم بنت عمران في الجنة؟.. فجاء نص الفتوى كالآتي: "الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه أما بعد: ما ذكر صحيح وقد وردت به آثار من ذلك ما أخرجه ابن السني عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال لها: "يا عائشة إن الله زوجني مريم بنت عمران وأسيا بنت مزاحم في الجنة".

وفيما الأقباط مشغولون بظهورات العذراء على قباب الكنائس، والليبراليون كعادتهم متفرقون مسترخيون في مكاتبهم المكيفة الهواء، يكون اختطاف البرادعي والأمل الذي تولد معه مسألة سهلة ومنتهية، ولا عزاء للشعب الكادح، أو للشباب الطامح لمستقبل أفضل.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !